أبو عمار يكرم الفنانة القديرة نادية لطفى بالشال الفلسطينى لمواقفها الوطنية
أبو عمار يكرم الفنانة القديرة نادية لطفى بالشال الفلسطينى لمواقفها الوطنية


كنوز| الشمعة 86 للنجمة الاستثنائية صاحبة المواقف الوطنية

عاطف النمر

الأربعاء، 04 يناير 2023 - 05:42 م

رقيقة جدا، وصريحة جدا، وصادقة جدا، لا تعرف للدبلوماسية طريقا لأنها لم تكن تحب المناطق الرمادية، فالأبيض أبيض والأسود أسود، ما فى قلبها على لسانها، ومن لا يعجبه فليشرب من البحر، لا تهاب شيئا فهى لم ترتكب من الأخطاء ما يجعل عينها مكسورة، لديها من الوعى ما يفوق وعى الساسة أحيانا، تطرح آراءها بنبض المواطن الذى لا يتقيد بحساسيات المنصب والبروتوكول، تتخذ القرار وتنفذه دون حساب لما سينتج عنه من عواقب، إيمانها بما تفعل يسبق حساب النتائج دائما، تؤمن بأن الحق حق والعدل عدل وما يؤخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، كانت الوحيدة التى تحدت حصار بيروت وذهبت لتواجه الغطرسة الإسرائيلية.

عن الجميلة الثائرة المجاهدة الزهرة الصعيدية «نادية لطفى» أتحدث، بمناسبة احتفالنا بإضاءة 86 شمعة فى ذكرى ميلاد الغائبة الحاضرة فى وجدان كل حر، عرفتها عن قرب وأحببت فيها أنها قالت كل كلماتها قبل أن تمضى، كان صوتها يصلنى ثائرا غاضبا محتجا يحمل من المنطق ما يحقق قوة الاقتناع، حدث ذلك عندما عاتبتها على عدم تواجدها فى مزاد مقتنيات السندريلا سعاد حسنى التى كانت أقرب الفنانات لقلبها، شعرت أن وجودها كان ضروريا لأن المزاد لصالح مستشفى خيرى لعلاج سرطان الأطفال، ونادية ضربت أروع الأمثلة فى عمل الخير، فجاءنى صوتها الغاضب وهى تقول: «من غير اللائق أن نعرض خطاباتها وأشياءها الخاصة جداً فى مزاد علنى، لقد شعرت بالغثيان، كان من الممكن أن يقدم المزاد بشكل أرقى من ذلك، ما يفعلونه بمقتنيات النجوم فى الخارج يتم بشكل أرقى من ذلك بكثير، فمهما كان العائد المادى من ذلك المزاد الذى أهانوا به سعاد حسنى، فهو لا يساوى شيئا أمام إهدار حرمة ميت ولذلك قررت حرق كل متعلقاتى الشخصية حتى لا أتعرض للمصير نفسه بعد رحيلى»!!

لا أدرى إن كانت نادية لطفى الصعيدية نفذت ما قالت، أم أنها كانت لحظة انفعالية وانتهت. 

إذا ما أردت أن أتحدث عن نادية لطفى الفنانة والإنسانة صاحبة المواقف الوطنية فالمساحة لا تكفى، وسأجد ما أرويه يحتاج لسلسلة من الكتب التى تغطى مواقفها الخاصة من البشر والأزمات والحياة بشكل عام، وإيمانها بالدور الاجتماعى للفنان، ودوره التنويرى والسياسى الذى لابد أن يمارسه بصدق ويتحمل تبعاته.

عرفتها عن قرب عندما فاتحنى الصديق فنان الكاريكاتير رءوف عبده فى ضرورة الانضمام لجمعية «الحمير» المصرية التى تترأسها نادية لطفى، قبلت أن أكون حمارا بشريا ليس حبا فى الحمير ولكن حبا فى نادية لطفى والأهداف النبيلة السامية التى تقوم بها الجمعية تجاه الناس والمجتمع، والعضو لابد أن يتسم بالصبر حتى يتدرج فى الرتب وينال شرف «حدوة الحمار» التى تثبت أنه معطاء وفاعل فى عمل الخير وخدمة المرضى والمحتاجين، الجمعية أسسها زكى طليمات وكان من ضمن أعضائها توفيق الحكيم وقامات أخرى لا تتسع المساحة لذكرها من أجيال متلاحقة !.

ولدت «بولا» وهذا هو اسمها الحقيقى فى 3 يناير 1937، من يسمع الاسم ويطالع وجهها الأبيض المشرب بالحمرة وشعرها الذهبى الناعم سوف يظن أنها خوجاية، ولن يصدق أنها تنحدر من عائلة صعيدية عريقة لها من الثراء والمكانة والجاه شأن كبير فى أحد مراكز محافظة سوهاج، صحيح أنها ولدت بحى عابدين بالقاهرة بحكم انتقال والدها للعمل بالعاصمة، إلا أنها كانت بحكم الجينات والجذور صعيدية بشهامة وجدعنة الصعايدة، وعاشت «بولا» قبل أن تصبح «نادية» كواحدة من أبناء الذوات، ألحقها والدها بالمدرسة الفرنسية التى جعلتها تتقن الفرنسية، والتحقت بالمدرسة الألمانية التى جعلتها تتقن الألمانية، ودفعها طموحها لتعلم الإيطالية والإنجليزية إلى جانب العربية، فتميز على جميع أقرانها من أبناء الذوات !!

وتعترف نادية بأنها كانت فى طفولتها بمثابة عفريت يسكن داخل طفلة بمدرسة الراهبات الألمانية والمساحة لا تكفى لحوادثها مع المدرسات والعقاب الذى نالته بوضعها فى مخزن الفئران ولم تهتز لها شعرة تحديا للمدرسة التى أرادت إهانتها !

أجادت نادية السباحة وركوب الدرجات وقيادة السيارات وكان والدها يردد أنه أنجب فتاة أقوى من الرجال، عشقت الموسيقى وأحبت سماع أم كلثوم وعبد الوهاب وحليم والرسم وأفلام السينما، وأجادت الرقص الإيقاعى، القدر اختار لها أن تكون نجمة سينمائية عندما دعيت مع زوجها لحفل فى بيت المنتج جان خورى بحضور شريكه المنتج رمسيس نجيب الذى أسند إليها بطولة فيلم «سلطان» للمخرج نيازى مصطفى، بسرعة الصاروخ صعدت سلم المجد فى أكثر من 79 فيلما قامت ببطولتها مع كبار وشباب المخرجين وكبار الكتاب، وقدمت مسرحية الراقصة «بمبة كشر»، ومسلسلا وحيدا هو «ناس ولاد ناس»، وللفنانة نادية لطفى مواقف نضالية مشرفة قامت بها مع جرحى النكسة، والمصابين فى حرب أكتوبر 73‏، ونصرة القضية الفلسطينية، وعضويتها بجمعية «رعاية الأطفال المعاقين» التى دفعت بالأمم المتحدة لاختيارها سفيرة للنوايا الحسنة، وعضويتها فى «اللجنة ‏الخارجية للشئون العربية» التى أثارت من خلالها قضايا العرب الضائعة، كانت لا تفصل بين ما تقدمه فى السينما والقضايا السياسية والاجتماعية التى تمارسها، وزرعت فى ابنها الوحيد روح الوطنية التى ترجمها أثناء حرب أكتوبر عندما كان يدرس بكلية الهندسة بجامعة «جورج تاون» الأمريكية، ووجد نفسه يمزق اللافتات التى علقها الطلبة اليهود على جدران الجامعة تأييدا لإسرائيل واشتبك معهم فى معركة انتهت بانتصاره وفصله من الجامعة !! 

نادية كانت الفنانة الوحيدة التى كسرت حصار بيروت عام 1982 لمناصرة ياسر عرفات ورجال المقاومة، وعندما تم توجيه اللوم لها من بعض الادعياء قالت ساخرة: «إن كان عمل الخير ادعاء والمواقف التى يعبر بها الإنسان عن وطنيته زيفا، فأنا يشرفنى أن أكون مدعية ومزيفة، ماذا فعلتم أنتم تجاه ما يحدث فى أوطاننا؟ هل ذهابى إلى بيروت المحاصرة وتعرضى للخطر والموت كان ادعاء؟ هل مساندتى للقضية الفلسطينية وإثارة حماسة الناس هو ادعاء؟»!! صمتت ألسنة الجبناء الذين لا يعرفون أنها فنانة وإنسانة بشخصية وحش كاسر لا يخضع للابتزاز، ولم يكن يستطيع أحد أن يجعلها تتوقف عما تؤمن به لأنها كانت فنانة وإنسانة استثنائية فوق العادة. 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة