جلال عارف
جلال عارف


جلال عارف يكتب: سقوط ترامب.. أم أزمة أمريكا؟!

جلال عارف

الجمعة، 06 يناير 2023 - 06:22 م

يبدو أنه مكتوب على مجلس النواب الأمريكي أن يكون العنوان الأبرز لأمريكا المنقسمة على نفسها كما لم يحدث منذ عقود طويلة. ويبدو أن موسم التغييرات السياسية فى يناير أصبح الموعد الدائم لانفجار الأزمات فى الدولة التى مازالت تتزعم العالم كله.

قبل عامين كانت صدمة الأمريكيين الكبيرة مع اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول فى محاولة لمنع إعلان فوز «بايدن» فى انتخابات الرئاسة، وهو الحادث الذى انتهت تحقيقات مجلس النواب أخيرا إلى إثبات مسئولية الرئيس السابق ترامب عنه، وتطلب توجيه اتهامات جنائية له بالتحريض والتمرد وتعطيل العملية الديمقراطية وهو طلب مازال قيد البحث لدى وزارة العدل الأمريكية.

وها نحن بعد عامين أمام مشهد جديد يؤكد عمق الانقسام فى المجتمع الأمريكي، ويشير إلى خطر الفوضى الذى يهدد النموذج الديمقراطى الأمريكي. الهجمة على مجلس النواب هذه المرة لا تأتى من الخارج بل من داخل المجلس نفسه، ومن يقومون بها ليسوا من البسطاء الذين وقعوا فى أسر أفكار خاطئة أو تحريض سياسي، لكنهم من أعضاء المجلس الذين جاءوا عبر الانتخابات ليقودوا عملية التشريع والرقابة، فإذا بهم يبدأون عملهم بهذه الفوضى التى لم تحدث من مائة عام مع تكرار الفشل فى انتخاب رئيس للمجلس بسبب تمرد عدد من نواب الأغلبية الجمهورية ومن أشد أنصار «ترامب»، ورفضهم لمرشح الحزب، وعدم استجابتهم حتى للطلب «الخجول»، من ترامب نفسه بإنهاء الانقسام منعا لتحول فوزهم بأغلبية ولو بسيطة فى المجلس إلى فضيحة سياسية لن يغفرها لهم الأمريكيون!!

فى النهاية.. سيتم تجاوز الأزمة وانتخاب الرئيس الجديد لمجلس النواب، سواء بعودة بعض المتمردين إلى شئ من الالتزام الحزبى وتمرير المرشح الحالى أو مرشح بديل يتوافقون عليه.. أو باتفاق بين الحزبين الكبيرين «الجمهورى والديمقراطي»، على دعم المرشح لإنهاء الأزمة منعا لاستمرار شلل المجلس وتعطيل اعماله فى غياب رئيس له. سيتم فى النهاية تجاوز هذا الوضع، لكن اثاره ستبقى طويلا على الحزب الجمهوري، وعلى الحياة السياسية فى أمريكا.

بالتأكيد.. سيضعف موقف الأغلبية الجمهورية فى مجلس النواب والتى كانت تقلق الرئيس بايدن وتستعد لأن يكون أداؤها فى المجلس تدعيما لترشيح ترامب فى انتخابات الرئاسة القادمة والسيطرة على مجلس الشيوخ بعد عامين. يبدو موقف ترامب الآن ضعيفا للغاية. ليس فقط لأن من أثاروا الأزمة الأخيرة هم من أشد أنصاره، ولكن أيضا لأن ما حدث يؤكد أن فشل الحزب فى الانتخابات الأخيرة التى قادها ترامب كان نتيجة الإدارة السيئة لقيادة الحزب. كما أن ما حدث يؤكد أيضا أن قبضة ترامب قد ضعفت حتى بالنسبة لأنصاره ونواب حزبه المقربين!

لكن الأزمة الأخيرة بالطبع تتجاوز «ترامب»، بكثير، لأنها تكشف عن أزمة أكبر فى مجتمع أمريكى منقسم على نفسه، وتطرح أسئلة عديدة عن مستقبل النموذج الديمقراطى الأمريكى وقدرته على تطوير نفسه فى مواجهة تحديات داخلية وخارجية عديدة. الانقسام فى الحزب الجمهورى ليس فقط بين نوابه بل يمتد إلى قواعده خاصة بعد تزايد نفوذ الجناح اليمينى المتطرف فى ظل قيادة ترامب، وفشل التعايش بينهم وبين الجمهوريين المحافظين.. فهل ستصمد صيغة الحزبين الكبيرين فى أمريكا أم أن الانقسام أصبح حتميا داخل الحزب الجمهوري، والتعدد الحزبى سيفرض نفسه فى نهاية الأمر على الجميع بمن فيهم «الديمقراطيون»، الذين استطاعوا تجنب الانقسامات الداخلية حتى الآن؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة