عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

التقارير المتخصصة فى خدمة الحسابات السياسية

الأخبار

السبت، 14 يناير 2023 - 06:47 م

تتواتر التقارير الدولية التى ترسم صورة قاتمة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى العالم، وتؤشر على ما يعيشه العالم فى الظروف الراهنة من ترد شامل على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ليس فى حقيقته إلا مقدمة لما هو أسوأ يترصد بهذا العالم.

فبعد التقارير الصادرة عن المؤسسات النقدية العالمية، خصوصا البنك العالمى وصندوق النقد الدولي، والتى نبهت إلى ما وصفته بـ (الكآبة) التى سيعيشها الاقتصاد العالمى خلال السنة الجارية، بسبب عوامل حصرتها هذه التقارير فى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتغيرات المناخية.

وهى التبريرات التى لا يمكن أن تكون مقنعة لوحدها لتفسير ما يتعرض له الكون من تداعيات خطيرة جدا.

لأن الحرب والتغيرات المناخية وارتفاع معدلات التضخم، هى من صناعة القوى العالمية التى تهيمن على المؤسسات النقدية العالمية، مما يعنى أن هذه القوى تسعى جاهدة إلى التسويق لأسباب ومبررات تردى الأوضاع العالمية، بما يمكن أن يحقق إلهاء للرأى العام العالمى عن الأسباب الحقيقية التى قادت العالم إلى الأوضاع العالمية التى يوجد عليها حاليا.

تقارير أخرى تروج لنفس المبررات، بما يكشف مسعاها نحو تكريس توجه المغالطة. هذا ما يبدو واضحا من تقرير حديث صادر عن وكالة (بلومبرغ) حول مشهد الاستثمار فى العالم خلال سنة 2023، الذى توقع حدوث ركود اقتصادى فى العالم خلال السنة الجارية.

وأكد التقرير أنه « يصعب العثور على توقعات متفائلة، الأمر الذى يهدد بألم جديد للمستثمرين الذين عانوا من التراجع فى عام 2022 «. و هو التوجه الذى سارت عليه رزمة كبيرة من التقارير الغربية، كما هو الشأن بالنسبة لتقرير إحدى أكبر الشركات المتخصصة فى إدارة الأصول فى أوروبا (أموندي) الذى توقع أن سنة 2023 ستعرف وتيرتين مع الكثير من الأخطار التى يجب الانتباه إليها.

فى حين تنبأ تقرير آخر صادر عن شركة (باركليز) البريطانية بأن « تنزلق الاقتصادات المتقدمة نحو الركود» و أن العام الجارى سيعرف أحد أضعف معدلات النمو الاقتصادى منذ 40 سنة.

وهو نفس الاستشراف الذى تضمنته توقعات العديد من البنوك الأمريكية والأوروبية، (بنك أوف أمريكا) و (بنك بى إن بى باريبا) و(سيتى بنك) و(دوتشى بنك) و(بنك جى بى مورغان) وهى التوقعات التى أكدت استمرار نفس الصدمات المترتبة عن الركود الاقتصادى العالمى خصوصا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى أوروبا، وحدوث تراجع فى الناتج الإجمالى العالمى فى سنة 2023، وأن المخاوف من هذا الركود لم تتلاش لحد الآن.

و أن ارتفاع معدلات البطالة و تقلبات الأسواق و الزيادة فى معدلات التضخم، ستكون نتائج حتمية لهذا الركود الذى يخنق الاقتصاد العالمي.

هكذا نلاحظ أن التقارير الغربية، الفردية والجماعية منها، تكتفى برصد التقلبات والمتغيرات من زاوية نظر و معالجة واحدة، وتتعمد التسويق لأطروحة معينة فى مسعى نحو فرض قناعة معينة.

فى حين تتحاشى جميعها الغوص فى الأسباب الحقيقية التى تسببت فى الأخطار الاقتصادية والاجتماعية المحدقة بالعالم، والتى يدفع الضعفاء تكلفتها غاليا جدا رغم أنهم لا علاقة لهم بالأسباب التى أفضت إلى ما أفضت إليه.

فالحرب الروسية الأوكرانية التى أشعل فتيلها الأقوياء فى الشرق كما فى الغرب، تسببت فى انتكاسة حقيقية للاقتصاد العالمي، فهى السبب الرئيسى فى وقوع اختلالات فى سلاسل التصدير والاستيراد، وفى تقلص إنتاج العديد من المواد الغذائية والاستهلاكية، وفى تسجيل ارتفاعات مهولة فى أسعار المواد الطاقية والغذائية.

وهى سبب فى العقوبات المالية والاقتصادية التى يتقاذفها الأقوياء فيما بينهم فى محاولة إضعاف الآخر وإنهاكه.

وهى الحرب التى تهدر فيها الإمكانيات المالية الهائلة والخيالية التى كان يمكن صرفها فيما ينفع التنمية فى العالم.

ولذلك فإن السبب الرئيسى لجميع مظاهر وتجليات التدهور فى الاقتصاد العالمي، يتمثل فى تداعيات هذه الحرب التى يمكن للذين أشعلوا فتيلها أول مرة أن يستبدلوا المواجهة بالأسلحة المدمرة بالحوار السلمى لتسوية الخلافات.

آنذاك ستتجه جميع المؤشرات المرتبطة بالاقتصاد العالمى نحو التحسن، بما يعود بالنفع على البشرية جمعاء، ويطلق العنان لآفاق واعدة جديدة تبدد جميع المخاوف وتكرس أجواء التفاؤل.

وهذا ما تتحاشى وتتجنب التقارير المتخصصة وغير المتخصصة الحديث عنه، وتسليط الأضواء الكاشفة عن نتائجه الإيجابية، وتتعمد حصر كل اهتماماتها فى الحديث عن خلاصات لا تحتاج إلى منظمات متخصصة، ولا إلى خبراء للكشف عنها، ولا لتأكيد حجم الأخطار المترتبة عنها، لأن ذلك لا يتجاوز القيام بما يمكن لأى شخص عادى أن يقوم به، من تسجيل استنتاجات وخلاصات يعيشها المواطن فى الواقع.

بيد أن الحاجة الملحة فى الظروف الحالية تكمن فى إبراز فساد منظومة العلاقات الدولية، وحسابات الأقوياء التى كلما تضاربت واصطدمت يدفع الضعفاء تكلفتها الغالية.

وهذه هى صلاحيات وأدوار و مهام المنظمات الدولية المتخصصة والمؤسسات النقدية و الخبراء الذين لا يتوانون عن تأكيد خدمتهم لطبيعة النظام العالمى السائد، الذى يعتبر موطن الاختلالات فى العالم، والسبب الرئيسى فى المآسى التى تكتسح العالم برمته .

نقيب الصحفيين المغاربة
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة