د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد


خارج النص

«دعونا نقاتل بينما نعمل، ونعمل بينما نقاتل»

د. أسامة السعيد

الثلاثاء، 17 يناير 2023 - 06:13 م

إذا حاولنا أن نستخدم مصطلحات السباقات الرياضية لنفهم كيف تنمو الأمم، فعلينا أن ندرك أن الأمم التى تبنى مستقبلها هى تلك التى تخوض سباقات التنمية بأسلوب «الماراثون» وليس  باستراتيجية المسافات القصيرة.

ولنأخذ العبرة من تجارب عظيمة فى العالم حاليا، ومنها التجربة الكورية الجنوبية، التى أجدها قريبة الشبه بشكل مثير للدهشة من تجاربنا العربية، بل المصرية على وجه التحديد، فحتى عام 1961، عانت البلاد من تأثير الاستعمار والانقسامات الداخلية، بل خاضت حربا أهلية أدت إلى انشطار كوريا إلى شمالية وجنوبية.

وجدت كوريا الجنوبية فى تلك الفترة نفسها واحدة من أكثر دول العالم معاناة، فهى أفقر من بوليفيا وغانا والعراق، فإذا بها اليوم سابع أكبر دولة مُصدرة فى العالم، وناتجها المحلى الإجمالى الثالث عشر عالميا، وتنافس إيطاليا ونيوزيلندا فى نصيب الفرد من الثروة.. فكيف حققوا ذلك؟
الإجابة هي: العمل.. واستمرارية العمل.

بدأ الكوريون الجنوبيون بواقعية شديدة فى التعامل مع مواردهم المحدودة، تربتهم الزراعية فقيرة وغير خصبة، وما ينتجونه قليل يستهلكونه محليا، وليس لديهم موارد طبيعية كافية، والبلاد لاتزال تخوض صراعا مريرا فى بيئة مهددة أمنيا وعسكريا، وبالتالى لم يكن أمامهم خيار سوى التصنيع من أجل التصدير.
المؤسسة الوحيدة التى كانت تتمتع بالقدرة على الصمود، فى ذلك الوقت هى الجيش، لذلك رفع الكوريون فى عهد قائدهم «بارك شونج» شعار «أمة غنية وجيش قوى»، و»دعونا نقاتل بينما نعمل، ونعمل بينما نقاتل».

وبدأت كوريا القتال بالفعل، ولكن فى معركة التنمية، أعادت الدولة بناء المرافق الحيوية، الطرق والموانئ والمدارس، استعانت بالشركات العائلية أو ما كان يُعرف بـ»التشايبول» أى عشيرة الثروة، والتى تحولت من كيانات سيئة السمعة آنذاك إلى واحدة من أدوات بناء اقتصاد الدولة، ثم تحولت لاحقا إلى أسماء عالمية مثل «هيونداى»، و»سامسونج» وغيرهما.

كما اتجهوا إلى إصلاح الجهاز الإدارى للدولة، استعانوا بالكفاءات التكنوقراطية الموجودة آنذاك، فاعتمد اختيار الموظفين فقط على «الانضباط والكفاءة».
كان أجر العامل الكورى عُشر نظيره الأمريكى، فبدأوا بالصناعات الرخيصة متواضعة التكنولوجيا، استوردوا المعدات القديمة وأعادوا استخدامها، فارتفعت صادراتهم فى تلك الفترة من 55 مليونا إلى 1٫6 مليار دولار، ثم اعتمدوا على تطوير قطاع التعليم المرتبط باحتياجات السوق، فبدأ أجر العامل فى الارتفاع من 91 إلى 1857 دولارا سنويا، فاتجهوا فى السبعينات والثمانينات إلى الصناعات المتقدمة ذات القيمة المضافة كالسيارات والسفن والإليكترونيات، وحققوا على مدى نحو خمسة عقود معدلات نمو تدور حول 9% سنويا.

وكان أحد مؤشرات التحسن التى رصدها الكوريون، هى زيادة طول الأجيال الجديدة بنحو 9 سنتيمترات عن طول الجيل الأقدم الذى كان يعانى سوء التغذية.
ولا تظنوا أن الطريق إلى تحقيق «المعجزة الكورية» كان مفروشا بالورود، فقد واجهوا لاحقا اضطرابات داخلية، وتضرروا من الأزمات الاقتصادية العالمية، لكن الكوريين لم يفقدوا ثقتهم بأنفسهم، ولا حادوا عن الطريق الذى اختاروه منذ عقود، بل لملموا أوراقهم سريعا، واستعادوا طريق النمو مجددا بسرعة مدهشة، حتى باتوا اليوم واحدة من 13 دولة فقط فى العالم استطاعت الحفاظ على معدلات النمو المرتفعة طيلة عقود.

إنها الإرادة.. والعمل.. والاستمرارية.. كلمات السر دائما فى أى تجربة ناجحة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة