نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

عطر الحب

نوال مصطفى

الأربعاء، 18 يناير 2023 - 07:44 م

سؤال عن أمى وكيف أثرت فى تكوينى؟ وُجِهَ إلىّ فى أحد الحوارات التليفزيونية التى أجريت معى. أخذنى السؤال إلى ذكريات تفوح برائحة الشجن وأيام يغمرها الدفء فى عز العواصف والرياح.

قلت: كانت الداعمة، المشجعة لى فى كل خطواتى. تفهمنى دون أن أتكلم، وتحس ألمى دون أن أشكو. علمتنى أن عمل المرأة هو سندها الحقيقى فى حياة متقلبة وبشر يتغيرون. تلك هى طبيعة الحياة والبشر.

علمتنى أن العطاء الإنسانى دواء للنفس يفوق كل أدوية الإكتئاب، وبقدر ما يعطى الإنسان من وقته وقلبه للآخرين بقدر ما يعطيه الله من نعمه بغير حساب وأهمها نعمة الرضا والسلام الداخلى. وعلمتنى أن التوازن فى الحياة شيء مهم يحفظ للإنسان قدرته على النجاح والسعادة معا.

أمى كانت امرأة استثنائية بمعنى الكلمة. صخرة صلبة فى مواجهة الأزمات والمحن التى مرت بها، حنونه أرق من وردة فى مشاعرها وإحساسها بالآخرين ونحن أولادها على القمة فى قلبها وحياتها. إنها سيدة تملك حكمة فطرية وفلسفة فى الحياة، تدرك كيف توجه أبناءها، كيف تفكر معهم بصوت عالٍ حتى فى مشاكل العمل أو الحياة الخاصة. تجد حلولا وبدائل وكأنها النور الإلهى الذى يهديك للطريق الصحيح بعد حيرة وتخبط طويل. 

«أمى.. أمى.. أمى حتى آخر يوم فى عمرى».. أغنية تملؤنى بالشجن ولا أستطيع أن أمنع عينىّ من البكاء. «ست الحبايب يا حبيبة.. يا رب يخليك يا أمى» أغنية ثانية تفقدنى القدرة على مقاومة الدموع.

الحياء.. الرقة.. التواضع.. الحب المتدفق بلا حدود. الصبر الذى يفوق الاحتمال، الرغبة فى أن ترانى أنا وأخوتى فى أحسن حال وأعلى مستوى علمى. نشارك فى الحياة ولا نتفرج عليها. هذه كانت أمى.

تنظر فى عينى فتقرأ سطور مشكلة حائرة فى مقلتىّ. «مالك يا نوال؟» هكذا كانت تفاجئنى بينما كنت أرسم ابتسامة تخفى ما بى. «لا شيء يا ماما.. أنا كويسة». «لا مش كويسة فيه إيه؟». وتنهمر دموعى وحكايتى وأنا أرمى رأسى على صدرها وأغرق همومى فى حضنها.

تدهشنى دائما بحجم الصمود والرضا اللذين تحملهما أعماقها. الحزم والحنان فى آن. الحب المقترن بالخوف والحرص أتذكر جملتها الأثيرة التى  كثيرا ما كانت ترددها على مسامعنا أنا و أخواتى و إخوتى «يا بخت من بكانى وبكى علىّ.. ولا ضحكنى وضحك الناس علىّ» كانت كلماتها بلسم تحيلك إلى كائن مختلف. تتأمل «كلمات ليست كالكلمات» كما يقول نزار قبانى، كلمات مغموسة فى قنينة الحب الصافى ومعجونة بالخبرة والحكمة والإحساس الفطرى بالخطر أو الخير.

أمى الحبيبة تركتنى لكنها لم تفارقنى أبدا. فهى باقية فى أعمق أعماقى. أراها فى وجهى، فى تعبيرى اللغوى والجسدى، فى كلمات أقولها لابنتى «شروق» فأضبط نفسى أردد نفس كلماتها. يا الله، من شابه أمه فما ظلم!.

رحلت الحبيبة فى 13-4-2007 ولا تزال بروحها المتوثبة للحياة، المتطلعة للأمل، تلازمنى وتحرضنى على الاستمرار بنفس تلك النظرة للحياة. رحلت أمى لكن طاقتها الجبارة التى كانت تشحننى بموجاتها لاتزال تضيء حياتى. يا رب يخليك يا أمى.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة