جلال عارف
جلال عارف


جلال عارف يكتب: مليارديرات.. شكل تانى!

جلال عارف

الجمعة، 20 يناير 2023 - 08:19 م

وسط أزمات اقتصادية عاتية لم يشهدها النظام الدولى منذ الحرب العالمية الثانية، ينعقد منتدى «دافوس» العالمى فى سويسرا بحضور قادة حكومات العالم والمؤسسات الدولية والقطاع الخاص.

وطبيعى أن حديث الركود العالمى والتضخم المرتفع والديون الزائدة هو المسيطر، وأن يكون مصير «العولمة»، التى كان المنتدى أحد أدواتها الأساسية طوال نصف قرن موضع تساؤل فى اجتماعات المنتدى الذى يعرف حجم التحديات فى عالم تمزقه الصراعات السياسية والمنافسات الاقتصادية، ولهذا كان عنوان المنتدى هو «التعاون فى عالم منقسم».. لعل وعسى!!

وسط كل الأزمات العالمية سلطت الأضواء على الانقسام الأخطر الذى يتجاهله المنتدى على مدى سنين طويلة وهو الانقسام الهائل بين الفقراء والأثرياء فى ظل نظام اقتصادى دولى لم يكن عادلا منذ البداية، لكنه- فى ظل الأزمات الأخيرة- أصبح أكثر خطرًا. أزمة «كورونا» كشفت عجز النظام عن توفير الأمن الصحى فى مواجهة أوبئة لا تفرق بين البشر. وجدنا اللقاحات تفسد فى مخازن الدول الغنية، بينما الدول الفقيرة محرومة منها!! وفى أزمة أوكرانيا الحالية تزداد معاناة فقراء العالم بينما يزداد ثراء الأغنياء « من الدول أو الشركات»، ويضيف مليارديرات العالم كل صباح إلى ثرواتهم ٢٫٧ مليار دولار!

لم يكن التقرير الأخير لمنظمة «أوكسفام»، وحده هو الذى أعاد التنبيه لخطورة استمرار استحواذ قلة من الأثرياء على ثروات العالم ومعاناة الغالبية من الفقر. والهيئات الدولية نبهت لذلك. الأمم المتحدة والبنك الدولى ومنظمات الإغاثة الدويلة أطلقت أكثر من تحذير من أزمة غذاء وارتفاع أسعار ومعاناة فقراء يزداد عددهم. الخطير فى تقرير «أوكسفام»، الجديد أنه فى ظل أخطر أزمات العالم يزداد الانقسام الظالم بين الفقراء والأثرياء بصورة بشعة. أصبح 1٪ من الأثرياء يسيطرون على ثروات تعادل ضعف ما يحصل عيله نصف العالم الأكثر فقرًا، ثم لا يكتفون بذلك بل يتفننون فى التهرب من الضرائب!!

لكن أثرياء العالم ليسوا كلهم سواء. هناك من يمارسون التحايل ويستغلون النفوذ ويلجأون للملاذات الآمنة للأموال. وهناك من يصرخون فى وجه أصحاب القرار: افرضوا علينا المزيد من الضرائب لتحقيق العدالة!!. هكذا فعل أكثر من 200 من أثرياء العالم فى رسالتهم إلى منتدى دافوس للعام الثانى التى قالوا فيها: «اجتماعكم لبحث التعاون فى عالم منقسم» لا طائل منه إذا لم تتعاملوا مع السبب الأساسى للانقسام فى هذا العالم. لقد حان الوقت للتعامل مع الثروات الكبيرة وفرض ضرائب أكثر عليها. إن ضريبة استثنائية قدرها 5٪ على الثروات الكبيرة توفر للعالم ١٫٧ تريليون دولار سنويا تستطيع أن تنتشل ربع العالم من براثن الفقر!!

هؤلاء لا يمكن بالطبع اتهامهم بالعداء للرأسمالية أو بكراهية الثراء، لكنهم يدركون حجم الخطر الذى يواجهونه إذا استمرت الفوارق فى الاتساع بين قلة تزداد ثراء وأغلبية كاسحة تعانى الفقر وربما المجاعة!!.. يدركون أن النظام الديمقراطى لا يمكن أن يكون فى أمان مع هذا القدر من تركيز الثروة، ومع انهيار الطبقة الوسطى ومعاناة الفقراء. ويدركون أكثر أنهم أكبر المضارين إذا استمر هذا الوضع، فلا يمكن أن يستمر وضع تدفع فيه الأغلبية من المواطنين فواتير الأزمات، بينما الأثرياء يراكمون الثروات!

«العولمة»، بصورتها الحالية وصلت إلى مفترق طرق. إما أن تطور نفسها لنظام أكثر عدلاً، وإما أن تنتظر البديل من خارجها! حتى فى أمريكا تتصاعد التساؤلات: لماذا ونحن الدولة الأعظم لا نتمتع بالخدمات الصحية والتعليمية التى يتمتع بها مواطنو دول أصغر؟.. وفى بريطانيا يأتى وريث «تاتشر»، فى الحكم ببرنامج يجمع بين دعم الفقراء وضرائب أكثر على الأثرياء. الموضوع ليس من باب فعل الخير، وإنما من باب الحرص على أمن واستقرار المجتمعات، ومن أجل تحصين المجتمعات ضد أعداء الديمقراطية والمتطرفين من كل الاتجاهات.

مليارديرات العالم الذين يطلبون فرض ضرائب استثنائية عليهم لا يبحثون عن «التريند»، وإنما يبحثون عن الأمان لهم ولمجتمعاتهم. هل تصل رسالتهم لأصحاب القرار قبل أن يواجهوا الأسوأ؟! وهل يدركون أن «العولمة»، يمكن أن تكون أفضل مع فقر أقل، ومليونيرات شكل تاني؟!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة