عبد الله البقالى
عبد الله البقالى


حديث الأسبوع

حينما يرتهن الأمل فى الحياة بمكان الولادة

الأخبار

السبت، 21 يناير 2023 - 05:45 م

خطير جدا أن يكون الأمل فى الحياة مرتبطا بصفة رئيسية بمكان الولادة. فإذا خرج الطفل إلى الكون فى منطقة معينة من العالم يكون أكثر حظا فى الحياة من طفل آخر رأى نور الحياة فى منطقة أخرى من نفس هذا العالم الذي تتقاسمه البشرية جمعاء. وأن يكون مستوى التقدم الاقتصادي والعلمي، وارتفاع مستويات العيش لدى المواطنين، وتحسن مؤشرات الصحة العامة والتغذية لدى الأشخاص، محددات وحيدة ورئيسية لاستمرار الحياة بالنسبة للإنسان.

هذا بالتحديد ما كشفت عنه تقارير حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية، ومنظمة رعاية الطفولة، التابعتين للأمم المتحدة، نشرا إلى العموم قبل أيام قليلة من اليوم. حيث أكد التقريران أن المؤشرات المتعلقة بأوضاع صحة الطفولة فى العالم جد مقلقة. وكشفت فى هذا الصدد على أن إحصائيات سنة 2021، أكدت وفاة خمسة ملايين طفل فى سنة واحدة قبل وصولهم سن الخامسة من أعمارهم. بمعنى وفاة 24 طفلا فى كل يوم، وأن أكثر من نصف هذه الوفىات (2٫3 مليون طفل) تطال أطفالا لم يكملوا شهرا واحدا من أعمارهم. بيد أن 1٫4 مليون طفل لا يكملون سنة واحدة من حياتهم.

ويزيد التقريران من حدة الصدمة، حينما يؤكدان أن معدل وفىات الأطفال فى دول جنوب الصحراء بالقارة الأفريقية يرتفع إلى 74 وفاة فى كل ألف ولادة جديدة، بينما لا يتجاوز هذا المعدل خمس وفىات فى كل ألف ولادة جديدة فى الدول المتقدمة. وهكذا مثلا يلقى خمسة أطفال حتفهم فى دولة متقدمة بينما يرتفع فى دولة متخلفة إلى ما يتعدى المائة وفاة فى كل سنة. وأن نسبة وفىات الأطفال أقل من خمس سنوات مرتفعة فى 37 من الدول التي توصف بالهشة، بزيادة ثلاثة أضعاف مقارنة مع باقي الدول فى العالم.

والأدهى من ذلك فإن التقريرين يرسمان صورة قاتمة بالنسبة إلى المستقبل، بما يؤشر على أن القادم من الزمن سيكون أسوأ مما هو عليه حاليا، حينما يذهبان إلى أن 42 دولة فى العالم عاجزة عن تقليص معدلات وفىات الأطفال حديثي الولادة المرتفعة لديها. وتبعا لذلك فإن 42 مليون طفل أقل من خمس سنوات مهددون بالوفاة فى أفق سنة 2030، إذا لم تتمكن الدول المعنية بهذه الوفىات من تحسين مؤشرات الصحة العامة والتغذية. وإذا ما تواصل فشل تدارك التفاوتات بين دول العالم فىما يتعلق بتحسين مؤشرات العيش.

ويعزو التقرير ان أسباب هذه الوفىات المرتفعة جدا، خصوصا فى الدول ذات الدخل المحدود والمتوسط، إلى انسداد الولوج إلى خدمات صحية جيدة للنساء الحوامل وللأطفال حديثي الولادة بسبب العجز الكبير فى المنشآت الصحية وتجهيزها وتطوير خدماتها، وإلى غياب اللقاحات الضرورية لمعالجة أمراض الطفولة. وهي اللقاحات المصنعة فى الدول المتقدمة التي تحرص على تعميم استفادة مواطنيها منها أولا، وفرض تكلفة مرتفعة فى تسويقها فى باقي مناطق العالم فى إطار تجارة الموت، وفى غياب التغطية الصحية العمومية فى كثير من الأقطار، وإلى ضعف التغذية الملائمة بصفة مذهلة، حيث يفتقد الغذاء فى كثير من الدول إلى المقومات الصحية اللازمة والضرورية، وإلى الوصول لمياه شرب معالجة وسليمة وصالحة بطريقة سهلة. وهي الأسباب التي تستفحل فى الدول الفقيرة وذات الكثافة السكانية، والواقعة أساسا فى قارتي أفريقيا وآسيا. والتي تتسبب فى انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة والمزمنة، خصوصا لدى الأطفال والنساء.

هذه المعطيات الصادمة تكشف عن حقائق مخيفة مرتبطة بتفاوت مستويات العيش بين شعوب العالم، والتي لم تفلح الشعارات الرنانة الكثيرة التي سوقت لها كثير من الأوساط، بما فى ذلك منظمة الأمم المتحدة، التي روجت لبرنامج عالمي لتحسين مستويات العيش وتقليص معدلات المجاعة فى العالم فى أفق سنة 2030، فى تداركها ومعالجتها. لأن مجمل المبادرات والبرامج المعلنة لم تنفذ إلى عمق الإشكاليات الحقيقية التي تتسبب فى الكوارث المترتبة عن هذه التفاوتات، وعن التوزيع المجحف للثراء العالمي. وتحاشت التصدي للأسباب الحقيقية التي أنتجت هذه المأساة وغيرها من المآسي الملازمة لنظام عالمي يفتقد الى أبسط شروط ومواصفات العدالة والمساواة بين شعوب العالم.

وهنا لا بد من الحديث بمنسوب عال من الصراحة والشجاعة، على غياب الإرادة السياسية الدولية التي تتعاطى مع شئون شعوب العالم بمرجعية واحدة وموحدة، أساسها الإنصاف الحقيقي. هذه الإرادة الكفىلة وحدها بالتغلب على مصاعب التكلفة المالية الباهظة، وعلى مشاق تعميم الاستفادة من الخبرات العالمية لتشمل جميع الأفراد والجماعات بغض النظر عن مكان وجودهم وعن طبيعة أعراقهم وألوانهم. وغير ذلك، فإن مؤشرات تردي مظاهر العيش ستزداد استفحالا، خصوصا فى الدول ذات الهشاشة المفرطة.

هذه هى الهواجس التي يجب أن تحظى بالأولوية من طرف المنظمات الدولية والدول العظمى، وليس إعطاء الأسبقية لافتعال النزاعات المسلحة المدمرة للبشرية جمعاء.

نقيب الصحفيين المغاربة
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة