الشاعر الراحل مأمون الشناوى
الشاعر الراحل مأمون الشناوى


كنوز الأميرة

مأمون الشناوى: غروري سبب تأخر تعاونى مع أم كلثوم لمدة 18 سنة

آخر ساعة

الأحد، 22 يناير 2023 - 12:50 م

 

أحمد الجمَّال

يعد الشاعر الراحل مأمون الشناوى (أكتوبر 1914 - يونيو 1994) أحد أبرز شعراء مصر، واستطاع أن يرضى كافة الأذواق بقلمه، كما أنه صاحب الفضل فى إعادة صياغة أغانى الفلاحين والأغنيات الشعبية الفلكلورية المصرية. وقبل 57 عامًا أجرت الكاتبة الصحفية الراحلة إيريس نظمى حوارًا معه، تحدث فيه عن قصة لقائه بأم كلثوم وعبدالوهاب ورأيه فى عبدالحليم وفريد الأطرش.. وفى السطور التالية نعيد نشر أبرز ما جاء فى هذا الحوار:

 أكثر أغانيك عاطفية والقليل منها وطنى بل إننى لا أذكر أغنية وطنية تحمل اسمك.
- أنت لا تذكرين.. ولكن تلاميذ المدارس يذكرون، فقد كتبت كلمات أغنية "إنى ملكت فى يدى زمامي" التى غناها عبدالحليم، فاختارتها وزارة التربية كنصٍ يحفظه التلاميذ فى المدارس.. صحيح أن لون أغانيّ «عاطفي» لأن تركيبى هكذا.

 أى أغانينا الوطنية يعجبك؟
ـ أغنية "الله أكبر" لعبدالله شمس الدين مثلًا أغنية عظيمة، ورغم أنها أُلِفت لتعبِّر عن معركتنا فى عام 1956 فإنها إلى الآن تعبِّر عن كل المعارك العربية حتى أصبحت أغنية كل ثورة عربية، وتعجبنى أغنية «والله زمان يا سلاحي» لصلاح چاهين، وهى التى أخذنا من مقدمتها سلامنا الجمهوري، وتعجبنى «مصر التى فى خاطرى وفى فمي»، لأحمد رامي.

 ومـــــــا الجــــــــــديـــــــــد فـــــــــــى الأغنيـــــــة العاطفية.. إنها متكررة لا تخرج عن معانيها المحدودة المعروفة؟
ـ لأنه ليس فى الحب جديد.. الإنسان هو الإنسان، مشاعر الحب التى يحس بها كانت موجودة فى كل زمان ومكان منذ قديم الأزل، وقصص الحب تُخلّد إذا كانت تعبِّر عن مواقف فى حياة العاشق، مثل روميو وجولييت، وقيس وليلي.. الحب لم يتغيّر ولكن الكراهية هى التى تغيرت رسائل التعبير عنها من السكين إلى القنبلة الذرية.

 مَنْ المسئول عن تطوُّر الأغنية؟
ـ المسئول عن تطور الأغنية هو الذى يقف حجر عثرة فى طريقها، فالباب الواحد للأصوات عندنا هو الإذاعة، والذين يمنحون الأصوات فيها مجرد موظفين مع أن اكتشاف المواهب الجديدة يحتاج إلى أخصائيين، وهؤلاء هم الذين أسقطوا عبدالحليم حافظ فى امتحانين، وقالوا إن داليدا المطربة التى أصبحت نجمة عالمية لا تصلح للغناء، وأنا أقول إن نظام الإذاعة سيظل عقبة فى وجه تطور الأغنية، وأن الإذاعة لم تقدِّم أغنية جديدة إلا لأسباب خارجة عن إرادتها، كأن يكون المطرب والمؤلف والملحن قد اتفقوا على الأغنية بعيدًا عنها، فهى تقوم الآن بتوزيع الأغانى على الملحنين والمطربين، وهذا نظام فاشل مثل الزواج والمراسلة.. والعجيب أن نظام الإذاعة يأتمن اثنين أو ثلاثة على أغانى الجمهورية كلها، ولا يأتمن ثلاثة على أغنية واحدة وهم مؤلفها وملحنها ومغنيها!
التلفزيون متخلف

 وماذا عن التلفزيون؟
ـ إنه يمشى فى نفس الطريق الذى تمشى فيه الإذاعة، ولهذا لم يقدِّم من الأغنيات الناجحة إلا مقتطفات من أغانى الأفلام، إن جو التلفزيون غير ملائم لخلق الأغنية التلفزيونية.. فالتلفزيون متخلف فى ميدان الأغنية مع أن إمكانياته يمكن أن تتيح له فرصًا ذهبية فى هذا الميدان الواسع، ولكن دور لجنة النصوص فى التلفزيون يقتصر على مراقبة الأغانى التى تُقدَّم فى المناسبات المختلفة، فإذا ذاع صيت أغنية أو استلطف أحد المخرجين فى التلفزيون مطربًا معينًا فإنه يأخذ الأغنية ويسجل مناظر تعبِّر عنها.

حكايتى مع أم كلثوم

 غنت لك أم كلثوم ثلاث أغنيات فى موسمين.. قل لى حكايتك مع مطربة الشرق؟
ـ حكاية ترجع إلى ثمانية عشر عامًا، والسبب الذى حرم كلماتى من صوت أم كلثوم كل هذه الفترة هو غرورى واعتدادى بنفسي، فأول أغنية ألفتها لتغنيها السيدة أم كلثوم كانت "حبيب العمر" عام 1944، وقدمتها لها وأبدت بعض ملاحظاتها على عدد من كلماتها وطلبت تغييرها فركبنى الغرور والاعتداد بالنفس وقلت: أنا مبسوط من الأغنية دى كده.. وأعطيت الأغنية لفريد الأطرش فعمل لها فيلمًا وسماه "حبيب العمر"، وهو الفيلم الذى بدأ فيه اسمه فى التألق الحقيقي، وقد عاشت هذه الأغنية إلى اليوم.. وكذلك أغنية "الربيع" فقد كانت هى الأغنية التى ألفتها لأم كلثوم وكان لها نفس المصير، حيث أخذها فريد الأطرش الذى لحنها وغناها وما زال يغنيها رغم مرور عشرين عامًا عليها، ويجمع الناس دائمًا على أنها من أحلى ما غنى.

وكانت المحاولة الثالثة مع أم كلثوم أغنية "كلمنى عن بكره"، التى قدمتها لها قبل العدوان (يونيو 1967) بأيام، فقالت لى بصراحة إنها لن تغنى أغانى عاطفية وأصوات المدافع حولنا، وفوجئت بكمال الطويل يجرى بروفات للأغنية مع المطربة نجاة الصغيرة، ثم مضت بعد ذلك سبعة أعوام حين قدمت لأم كلثوم أغنية "أنساك يا سلام"، وحين بدأت تقرأ الأغنية بدأت أقرأ رأيها على وجهها، ثم قالت لي: برضو فيه حاجات صغيرة محتاجة لتعديل.. فقلت لها: مافيش مانع. وقد غنت لى بعد ذلك "كل ليلة وكل يوم"، ثم الأغنية الأخيرة التى قدمتها فى أعياد الثورة فى نادى الضباط، وقد كرَّمت كلماتى حين قرأتها بنفسها فى مستهل التسجيل على الأسطوانة، وهذا لم يحدث من قبل لأية أغنية أخرى من أغانيها.

مدرسة عبدالوهاب

 ما قصتك مع عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم؟
ـ هو فى رأيى لم يعد مطربًا.. أصبح مدرسة ودخل التاريخ هكذا.. التقيت به لأول مرة عن طريق أحد أصدقائنا جاء يقول لى إن عبدالوهاب يريد أن يراني، فلما جلسنا أسمعنى لحنًا حلوًا، وقال لي: "أنا عاوزك تفصل لى كلام على اللحن ده"، وبعد يومين قدمت له أغنية "أنت وعزولى وزمانى حرام عليك"، ومن يومها وعلاقتى به وثيقة.
أما علاقتى بفريد الأطرش فهى قديمة أيضًا، هو من المطربين الذين يجأرون بأصواتهم وهو من القلائل فى فن الغناء الذين يتسمون بالصوت القوي، ويُخيل له أنه يستطيع أن يزيح الميكروفون جانبًا ويغنى فتسمعه وتطرب له جماهيره.. فى الماضى كانوا يسمون المطربين من مدرسة فريد (الصييتة) لاعتمادهم على قوة الحنجرة وجمالها.
أما عبدالحليم حافظ فهو أبرع مطرب فى نطاق صوته.. يخرجه بطريقة جميلة وسليمة، فهو عازف بارع جميل على أوتار صوته، يسمو بك أداؤه إلى آفاق أبعد من رياضة الحناجر.

 دعنا نتجول أكثر من هذا فى دنيا الأصوات.
ـ تعجبنى الشخصية فى صوتى محمد قنديل ومحمد عبدالمطلب، ويعجبنى صوت شكوكو، وتعجبنى الخبرة فى صوت نجاة، ولا أستطيع أن أرشح للمجد أحدًا من المطربين الجُدد لسبب بسيط هو أن للجماهير حكمها النهائي.. ولكن القاعدة العامة هى أن المطرب يستطيع أن ينجح إذا نطق الحروف جيدًا واحترم الكلمة التى يقولها.. وأكثر من هذا تأثَّر بها لينقل إلى الجماهير هذا التأثر.
أنا متردد

 وسألت مأمون الشناوي:
ـ لماذا أنت كسول.. مجموع أغنياتك فى العام لا يتجاوز ثلاث أو أربع أغنيات؟..
فقال: ـ هذا صحيح فيما يتعلق بكميات الإنتاج ولكنى أرجعه إلى أننى متردد.. إننى أفكر فى كل جملة وكل كلمة وأقلبها على كل وجوهها.. وأذهب بها لأنام.. وأصحو عليها.. وأدخن لها وأتوه مع الأفكار.. كل هذا لتخرج (مستريحة) فى موضعها.
الملحنون بلا رسالة

 وما رأيك فى الملحنين؟
ـ هم فى منافسة حادة لأن الجماهير أصبحت واعية ولا يرضيها إلا الفن الأصيل النابع عن مجهود ومعاناة، ولذا يتفوقون الواحد على الآخر فى موسم أو فى أغنيات، ولا يلقى أحدهم السلاح أمام أى هزيمة، وهذا التنافس يفيد الأغنية والفن، ولكنى أعيب عليهم أنهم لا يحددون لأنفسهم رسالة، وليس لهم اتجاهات فنية جديدة ومدروسة، إنما الحكاية كسباق الموضات، وبعضهم يلحن بتفكير وإحساس، والآخرون يلحنون بأصابعهم حين تجرى على العود، وهم غالبًا لا يفكرون ماذا يريدون أن يقولوا.. كالكاتب الذى يجلس للكتابة فيكتب أى شيء لأن رأسه خالٍ من أى فكرة بعينها.


 ("آخرساعة" 10 نوفمبر 1965)

أقرأ أيضأ : نشرتها «آخرساعة» قبل 43 عاماl قراءة نقدية في الرواية الوحيدة لـ يحيى الرخاوي

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة