الجمعة، 27 يناير 2023 - 07:27 م

كنا فى نهاية السبعينيات حين أعلن عن اختيار بيوت بحرى فى الإسكندرية كأنظف بيوت فقراء فى العالم، وكانت البيوت فعلا شديدة النظافة رغم بساطتها الشديدة فى عفش لا يزيد عن كنبة بسحارة وحصيرة وراديو وكم صينية نحاس وكوب زجاج صنعت فى مصنع ياسين.

الفقر ليس مرادفًا للقبح، والعشوائية لا تولد من رحم الفقر.

لكن كُرة قبح بدأت صغيرة على استحياء ثم كبرت وأخذت فى طريقها تفاصيلنا الجميلة، حتى الوردة المزروعة فى جنينة فى الشارع والكلمة الحلوة والرائحة الجميلة التى كانت تطل من البيوت، كرة قبح لم ننتبه إلى أنها ستجعل كل جميل فى متحف ذكريات نشاهد ما فيه عبر حاجز زجاج ونتحسر!

الجمال فكرة رقيقة نتبادلها لتبقى وتكبر وتتحول إلى واقع موجود فى كل التفاصيل، من كلمة جميلة إلى تصرف جميل إلى ذوق نبيل، الجمال إذا بدأ بقوة انتشر وبسط نفوذه على كل الاشياء التى تشكل لوحة حياتنا.

الجمال يجب أن يبدأ من البيت، الجمال اسلوب حياة وثقافة وعادات وأصول وطقوس، للأسف تم تشويه معانى الجمال وقواعده بطريقة مُنظمة ومتعمدة زمنا بعد زمن، أُهدرت التفاصيل التى كانت تمنح بيوتنا جمالها المدهش منذ بدأنا بالتخلى عن الشيش الخشب واستبداله بالألومنيوم!

نقطة فاصلة للقبح بدأت، تخلينا فيها عن العمارات التى تمنح أصحابها بيوتا لها أسقف مرتفعة بعمارات مظلمة لها مدخل ضيق وأسقف منخفضة تمنع الحلم والتأمل!

فى غفلة من الوقت تغلبت المكاسب على الروح!

ترنحت تفاصيل الجمال والذوق تحت قبضة الأرباح!

أغلق الخياط دكانه بعد زمن من الذوق الرفيع ودِقة التصميم ليأتى من يبيع الملابس الجاهزة الخالية من الحب!

قواعد الجمال الأربعون تبدأ بالحب والتفاصيل والذوق والصبر والكلمة والتذوق والخجل والترفع والحلم والخيال والسعادة والعشق والحرية والنُبل والصمود والرُقى، وهى عكس السرعة والأرباح العاجلة والوجبات الجاهزة والخوف والزحام والبخل والتردد!

قواعد الجمال التى نسيناها منذ سقط المنديل من يد أم كلثوم هى التى نحتاج لها لنعلم أطفالنا أن الجمال هو المعنى الحقيقى للحياة السعيدة، وأن الفلوس لا تصنع الذوق إنما الخيال هو الذى يمكن أن يحول القبح إلى جمال!

كانت بيوت بحرى جميلة بنافذة واسعة تطل على البحر ومزهرية فخار تعلوها وردتان و مطبخ لا يتعدى وابور جاز وحلة نحاس مطلية وراديو ضخم يذيع أغانى حب وابتسامات رائعة من عائلات تحب الحياة!

الجمال يكمن فى التفاصيل البسيطة.. والبساطة.