حسن علام
حسن علام


يوميات الأخبار

الإتيكيت والبروتوكول من الإسلام

الأخبار

الخميس، 09 فبراير 2023 - 06:44 م

استفدت كثيرًا من هذه الدورة، وأن ما دفعته من رسوم على حسابى الخاص يُعد قليلاً أمام فن السلوك المهذب، والذوق والتحضر لمواجهة أى موقف فى المجتمع

منذ حوالى ربع قرن التحقت بدورة تخصصية حرة نظمتها مؤسسة الأهرام، لتعلم أصول الإتيكيت والبروتوكول، وأعترف أننى استفدت كثيرًا من هذه الدورة، وأن ما دفعته من رسوم على حسابى الخاص يُعد قليلاً أمام فن السلوك المهذب، والذوق والتحضر لمواجهة أى موقف فى المجتمع والأمور الحياتية، ومع ذلك فقد اكتشفت أن هذا الفن الرفيع من السلوك والآداب الإسلامية تحدث عنها القرآن الكريم، وطبقها رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، قبل أن تعرفها المجتمعات الغربية منذ آلاف السنين!!

فى حياتنا اليومية كثيرًا ما  نقابل هذا الإنسان الذى يسميه الشارع المصرى بـ«الجلياط»، لا يعرف معنى وقيمة الذوق، ولا الذوق عدى عليه فى يوم من الأيام، يتصرف بتلقائية وعفوية شديدة ولا يعرف أنه جرح أو أساء لمن حوله دون قصد، لكن هذه النوعية من البشر خطر جدًا علينا، فلو عاملته باحترام وتحضر لم يعتاده فسوف يعاملك بقلة احترام وتقدير تصل إلى «البجاحة» ويحسبك ضعيفًا وتعمل له ألف حساب وتخشاه، فيتمادى فى ارتكاب أخطائه وغلطاته، ولوصدر منه سلوك غير متحضر أمامك، و«كبرت دماغك» وعملت إنك من «بنها» و«مخدتش بالك» سيتمادى  فى الخطأ بغباوته، ولو التمست له عذره وتغاضيت عن حماقته، فإنه لن يقدر ترفعك عن صغائره أبدا، لأنه ببساطة فاقد أصول «الإتيكيت»، وفن السلوك المهذب الذى يعلم من درس أصوله احترام كل البشر أيا كانت ثقافاتهم أو دياناتهم أوأعمارهم، وسواء كنت تعرفهم أو لاترتبط معهم بأى صلة اجتماعية!

وكثيرا من المشاكل تحدث فى حياتنا اليومية بسبب الجهل بقواعد «الإتيكيت»، كأن يسأل رجل سيدة عن سنها، فتغضب منه وترد عليه: هذا السؤال لا يجب أن يسأل «أصلًا»، والصحيح أنه جرى العرف عالميًا ألا يطرح هذا السؤال، ويمكن سؤاله للأطفال فقط!

شخص يسلم عليك بيد «رخوة» وبعدم اهتمام، أو العكس يشد على يديك بقوة وعنف، وكلا السلوكين مرفوضً!!

رجل يغضب من امرأة لأنها أهملته ومدت يدها فقط وهى تصافحه  ولم تنهض من مجلسها، وطبعًا ليس عنده أى حق فى غضبه، لأن المرأة تظل جالسة عند تقديم الرجل إليها وإذا لم تمد يدها للمصافحة فعلى الرجل أن يكتفى بعبارة ترحيب لطيفة!

ليس عيبًا أن الرجل هو الذى يمد كلا ذراعيه لمساعدة زوجته فى لبس معطفها أو خلعه وليس العكس أبدًا، المرأة تفعل ذلك فى حالة واحدة إذا كان الرجل الذى أمامها مريضًا أو مسنًا، لكن «للأسف الشديد» بعض الرجال يعتقد أنه اشترى زوجته ومن حقه أن تلبسه كل ملابسه بما فيها حذاءه، ولو فعلت المرأة كل ذلك بإرادتها وبدون أوامر كان ذلك تفضلًا منها وبالمناسبة على الرجل أن يتولى فتح باب سيارته للسيدة حتى تدخل وتجلس، وعليه أن يغلق الباب بعد ذلك، ولا حرج أبدًا فى مثل هذا التصرف قواعد الإتيكيت  تقول ذلك!

استخدام الشخص لكلمات بالإنجليزية أو الفرنسية «على سبيل المثال لا الحصر» فى وسط مجموعة لا تتقن اللغات الأجنبية، سيعرضه للحكم عليه من قبل الآخرين بأنه يتباهى «بالمنظرة» ويخفى شخصيته الطبيعية لسبب ما، فعلى الإنسان أن يتبسط بقدر الإمكان مع مجتمعه وإلا سيصبح محلًا للانتقاد!

من غير اللائق أن يتحدث أى منا عن أوجاعه كثيرًا وبأن صحته معلولة ويعانى من آلام فى جسمه أمام مجموعة لا ترتبط بصداقات حميمة معه، ونفس المبدأ لا تتحدث عن أقارب أو أصدقاء انتقلوا إلى رحمة الله، ما ذنب هؤلاء بآلامك وأحرانك، لابد وأن تدخل البهجة والسرور والتفاؤل على من حولك لا العكس!
تجنب «الخرس» أو الصمت الدائم وعدم الحديث مع من يجلس بجوارك، الذوق يلزمك أن تتبادل معه الحديث حتى لو كان قصيرًا لتضفى جوًا من المودة!

إذا أصابتك «كحة» فى مجتمع ما فحاول بقدر الإمكان أن تكون هادئة مع وضع المنديل أو اليد على الفم حتى لا تثير جوًا من الامتعاض  والأشئمزاز، وأصحاب الكحة المزمنة «الإتيكيت» يجنب حضورهم الحفلات الموسيقية أو العروض المسرحية، ومن حق هذا المريض ألا يحضر سرادقات العزاء ويعتذر عن ذلك بلباقة شارحًا ظروفه الصحية!

احذر «الهرش» فى أى مكان بجسمك أمام الآخرين، وإذا اضطررت فعل ذلك فبطريقة سريعة وغير ملحوظة، وطبعًا تجنب عدم الهرش فى الأماكن الحساسة، كما رأينا ذلك للرئيس الأسبق محمد مرسى أمام كاميرات العالم وكان محلًا للسخرية!

لا تملأ فمك بالطعام، ولا تمضغ بقوة حتى لو كنت جائعًا وفمك مفتوحًا، ولا تصدر أى صوت أثناء المضغ، ولا تتكلم أبدًا والأكل فى  فمك، واستخدام «خلة» الأسنان لها أصول إذا يجب تغطيتها باليد الأخري، وإذا لم تجدها على المائدة تجنب أن تستبدلها بأصابعك للتخلص من الفضلات بين أسنانك.. هذا سلوك  يدعو إلى الاشمئزاز لكن البعض يمارسه بلا خجل لأنه لم يتعلم فن الإتيكيت»  الذى أصبح ضرورة.. لا رفاهية ومنظرة!

لا تنتقد طعامًا تم تقديمه إليك حتى ولو كان بسيطًا، وعيب جدًا ألا تشكر المضيف على حفاوته واستقباله وطعامه حتى ولو لم يعجبك، وإذا اتسخت ملابس ضيف بجوارك فلا تركز معه أو تلفت النظر إليه حتى لا تحرجه!

اذا كنت مدعواً على العشاء وترغب فى تقديم الزهور لمن دعاك، فإما أن ترسلها قبل موعد الدعوة حتى يسهل على ربة البيت أمر تنسيقها، أوترسلها فى اليوم التالى للعزومة حتى تعبر عن شكرك، وإذا صحبت «هدية» أخرى معك لا تنسى أن تضع «الكارت الشخصى»، وتكون مغلفة بشكل بديع!

لو دعوت أصدقاءك على الغذاء أو العشاء، فيجب أن تذكر زوجتك بألا تتحدث أمام الضيوف عن الغلاء فى الأسعار، وكم اشترت هذه المأكولات بأسعار ملتهبة حتى لا «تسمم» هذه الكلمات ضيوفك  وتشعرهم بالمن والتفضل!

لكن تبقى حقيقة مؤكدة «قد لا يعلمها البعض»، وهو أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أول من علم العالم «الاتيكيت» وسبق منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة المدرسة الغربية، تأمل حديثه الشريف على سبيل المثال: « من نام وفى يده غمرُ ولم يغسله فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه»، والمقصود هنا بالغمر آثار اللحم الذى تناوله من دسم أو غير ذلك نتيجة عدم غسل اليد، منتهى النظافة التى يسعى إليها الجميع، كذلك قوله «صلى الله عليه وسلم»: «الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».

الإتيكيت الغربى مثلًا يسعى فى التعاملات الإجتماعية عدم إحراج الآخرين بالأ يتحدث شخص «مثلًا» وسط مجموعة بصوت هامس فيعتقد بعض الحاضرين أن الهمس عليه، لكن تعالوا لحديث سيدنا النبى «صلى الله عليه وسلم»: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من اجل أن يحزنه»..

من أفضل الهدايا فى المجتمع الغربى الورد بكافة أنواعه وألوانه وأشكاله، وكان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» ذا ذوق رفيع عندما قال: «من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح».

ولقد ذكرت فى بعض سطورى السابقة أن من الإتيكيت الغربى أن يفتح الرجل باب سيارته لزوجته حتى تدخل وتجلس، ثم يغلق الباب بعد ذلك، وتعالوا نحلل هذا الموقف الراقى لسيد البشر «صلى الله عليه وسلم» فقد كان مجهدًا فى إحدى غزواته، وكانت زوجته السيدة صفية تريد أن تركب الناقة، فرفع «صلى الله عليه وسلم» فخذه الشريف حتى ترتقى إلى الناقة، هكذا كان تقدير المصطفى لزوجته وللمرأة تقديرًا واحترامًا لقدرها!

لقد استمد رسولنا الكريم فن السلوك الرفيع من هدى القرآن وكتاب الله العزيز، فكل المدارس الأجنبية والدبلوماسية تقدم المأكولات على «طاولات» الطعام كما نراها بكميات معتدلة لأسباب صحية واقتصادية، لكن القرآن الكريم تطرق إلى الاعتدال وعدم الإسراف فى الطعام فى عدة آيات قرآنية منذ آلاف السنين فقد قال تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا»، ليحافظ الإنسان على صحته، فالإتيكيت فى الدين الإسلامى هو مجموعة من القواعد والضوابط لسلوك الإنسان مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد ثبت أن الخلافة الإسلامية الراشدة طبقت هذه القواعد والضوابط، وأن هناك العديد من الكتب أيام الخلافة دون فيها قواعد «الإتيكيت» منها كتاب صبح الأعشى فى صناعة الإنشا للقلقشندي»، وكتاب التاج فى أخلاق الملوك «للجاحظ»!

وإذا كان «الإتيكيت» كلمة معناها التهذيب واللياقة وقدرة الفرد على تحسين علاقته مع غيره، فإن «البروتوكول» مجموعة التصرفات والسلوكيات التى تحكم الدبلوماسية وشئون الدولة، وكانت واضحة بقواعدها الثابتة فى المجتمع الإسلامى أيام الرسول «صلى الله عليه وسلم »، فالإسلام كان سباقا فى توفير الحصانات للرسل قبل أن نعرفها فى العصر الحديث!
 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة