ميمى أشهر موديل بكلية الفنون الجميلة فى الخمسينيات
ميمى أشهر موديل بكلية الفنون الجميلة فى الخمسينيات


حقيقة «الموديل العارى» فى كلية الفنون الجميلة

آخر ساعة

الأحد، 12 فبراير 2023 - 01:02 م

أحمد الجمَّال

بين الحين والآخر يطفو على السطح جدل بشأن «الموديل العاري» الذى يعتمد عليه الطلاب فى معرفة تشريح الجسد البشري، أحد أصعب الموضوعات فى عالم التصوير والنحت. والمعروف أن كلية الفنون الجميلة أصدرت قرارًا بمنع تدريس الموديل العارى فى عام 1973، لكن تحقيقًا نشرته «آخرساعة» قبل 67 عامًا، يرشدنا إلى أن أول قرار بإلغاء الموديل العاري، كان فى مطلع عام 1956 وربما أُعيد تدريسه مجددًا لعدة سنوات قبل صدور قرار المنع النهائى فى مطلع السبعينيات.. وفى السطور التالية نعيد نشر نص ذلك التحقيق بتصرف محدود:

بدأت حملة لإعادة الموديل العارى إلى كلية الفنون الجميلة، ويقول القائمون عليها: «إما أن تعيدوه.. أو تغلقوا الكلية»!
مَنْ يتصوَّر أن الموديل العاري، ذلك الكتاب الذى تقوم عليه دراسات الفن.. الكتاب الذى يقرأ منه الطلبة، وينقلون منه الصور التى يرسمونها، يُلغى بجرة قلم؟ لأن واحدًا من مديرى العموم فى وزارة التربية والتعليم نصح بإلغائه.
والآن تعال نمسك الخيط من أوله.. نذهب إلى مشايخ الأزهر الشريف ونسألهم عن سر توترتهم ضد الموديل العاري... ستسمع من يقول لك: هذا الموديل حرام، وستسمع اعتراضات كثيرة عن حكم الشرع والدين فى وقوف الفتيات عاريات أمام الطلبة. والرد على هذه الاعتراضات حاضر، حيث يقول أحد أساتذة كلية الفنون الجميلة: «ما لهؤلاء المشايخ والموديل العاري، وما لهم والفن؟».
والأمر ذاته ينطبق على غير مشايخ الأزهر أيضًا.. إن واحدًا من الذين نصحوا بإلغاء الموديل لا يمت للفن بصلة.. قد يكون مديرًا عامًا للفنون الجميلة، وقد يكون مراقبًا عامًا لها، بل قد يكون عميدًا لكلية الفنون الجميلة نفسها، دون أن يكون فنانًا، ودون أن تكون لديه مَلكة تذوُّق الفن.

مسابقة التمثال
إن مأساة الموديل العارى هى نفسها مأساة الفن فى مصر.. المأساة التى كشفت عنها مسابقة إقامة تمثال فى ميدان التحرير، وفشل كل المثّالين المصريين فى تصميم فكرة التمثال المطلوب. لقد كانت هذه المسابقة بمثابة إنذار بأن الفن فى مصر يتدهور.
ولكن السبب معروف، إن الذين يشرفون على توجيه سياسة الفنون الجميلة فى مصر جماعة من الموظفين، ولم يكن أى واحد منهم فنانًا فى يوم ما.. إن الموديل العارى يعنى شيئًا واحدًا.. ازدهار الفن فى مصر.. أو لا فن البتة. ويكفى أن تعرف أن المثَّال مثلًا عندما يقوم بتصميم تمثال كبير فإن أول ما يحتاج إليه هو موديل عارٍ ليستعين به فى تصميم التمثال نفسه. إنه يضع التمثال فى أولى مراحله عاريًا من الملابس تمامًا كالموديل، وبعدها يكسوه بملابسه قطعة بعد أخرى.
والغريب أن بعض الأصوات التى أخذت تتردد من قلب كلية الفنون الجميلة، تطالب بإلغاء الموديل العاري، ولن تجد لذلك سببًا إلا أن هؤلاء المعترضين أصبحوا أساتذة، ومن حقهم أن يبقوا وحدهم فى الميدان، وألا تأتى بعدهم أفواج جديدة من الفنانين.

عارية بـ7 قروش
أما بالنسبة إلى الموديل العارى نفسها، فإن واحدة منهن لم تعترض على هذا القرار.. إنه يعنى شيئًا واحدًا لكل منهن.. ففى بادئ الأمر كانت تخلع ملابسها وتقف عارية أمام الطلبة مقابل سبعة قروش ونصف القرش عن كل ساعة.. كانت تبدو كالصنم لا يتحرك. والآن لن تكون فى حاجة لخلع ملابسها، وستبقى بها مقابل ستة قروش عن كل ساعة.. إن الفارق ضئيل وهو لا يتجاوز القرش الواحد عن كل ساعة.
ومن بين الفتيات اللواتى يعملن كموديلات فى كلية الفنون الجميلة واحدة اسمها ميمي، وهى أشهرهن، وقد عملت موديلًا لمدة تزيد على السبع سنوات، وكانت أمها من قبلها موديلًا معروفًا، كان اسم الأم «ستيتة»، وقد ظلت تعمل موديلًا حتى كبرت ابنتها ثم سلمتها إلى كلية الفنون لتكون موديلًا من بعدها.

واسمع قصة اثنتين أخريين من الموديلات: عطيات قالت إن أهلها يعرفون أنها تعمل موديلًا، ولكن أهل «الحِتة» لا يعرفون شيئًا من قصتها.. ويقولون عن عطيات إنها أصيبت بالصرع نتيجة تجمدها فى مكانها لعدة ساعات أثناء العمل. وجليلة موديل آخر، قالت أيضًا إنها تخرج من البيت بحجة ذهابها للعمل عند الخياطة، وأن ما تكسبه من    عملها كموديل لا يقل أبدًا عما يمكن أن تكسبه بالعمل عند الخياطة.
والطريف أن فرقة الموديل فى كلية الفنون الجميلة تضم رجلين، (هما أول من عمل فى هذا المجال بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة) أحدهما اسمه عبدالعزيز هيكل، وشقيقه الأصغر واسمه عبدالوهاب. وكان الرجلان يعملان كموديل عار أيضًا، تمامًا كالفتيات أثناء بعض الدراسات، وتقرَّر منعهما أيضًا من خلع ملابسهما بعد صدور قرار إلغاء الموديل العاري.

وفى غمرة الحماسة والمطالبة بإعادة الموديل العارى من جديد إلى الكلية، يمكن أن تسمع أصواتًا مغايرة. يقول إبراهيم جابر، المثَّال المعروف، إن إلغاء الموديل العارى يعتبر فى نظره أخطر قرار فى تاريخ الفن كله. وفى رأيه إن الموديل العارى ضرورة، وكان ممكنًا بدلًا من إلغائه الاهتمام بتنظيم استغلاله. ويعترض على أن كلية الفنون الجميلة درجت على استخدام فتيات صغيرات، وبعضهن لم يتجاوز سن البلوغ.
وفى رأيه أن البنت القاصر لا يمكن أن يحتوى جسدها العارى على الدراسة التى يحتاج إليها الطالب، ومثل هذه الفتاة يكون جسمها ضامرًا غير مكتمل النضج أو الأنوثة. ويرى أيضًا أن طريقة استغلال الموديل فى الكلية غير مبنية على أساس سليم. وعادة يُطلب إلى الموديل أن تقف فى الوضع المطلوب، ثم تُستخدم كتمثالٍ آدمي، وبمعنى أصح صنم ثابت فى وضع معين.
وقال إن مثل هذا التمثال الآدمى من السهل صنعه مرة واحدة، ثم يتداوله الطلبة فلا تكون هناك حاجة إلى الموديل، ولكن المطلوب من الموديل هو شيء آخر.. أن تصبح صورة صادقة للفكرة التى تختمر فى رأس المثَّال عن شخصية التمثال الذى بين يديه، بالتالى يمكن للمثَّال أن يستخلص هذه الشخصية ويطبعها على تمثاله.

تحريم وإباحة
أما عبدالحميد حمدي، أستاذ النحت فى كلية الفنون الجميلة، فيتساءل: ماذا يكون مصير البعثات التى ستوفدها وزارة التربية لتعلم الفن فى الخارج؟ إننا بالقرار الأخير سنحرِّم على الطالب ما نبيحه له عندما يسافر فى بعثة ويفاجأ بالموديل العارى بين برامج دراسته، وأكثر من ذلك أن الموديل العارى عنصر هام فى كيان الفن كله، وهو يخشى إن مُنع بصفة نهائية أن يفشل أعضاء بعثاتنا فى الخارج فى اجتياز امتحانات القبول للمعاهد الفنية فى الخارج.
فيما قال محمد العزازي، أستاذ النحت أيضًا، إن نظرة الفنان إلى الموديل العارى تختلف عن نظرة كل الناس.. إنه يحاول أن يجد فى جسدها عيبًا واحدًا ليتفاداه. وفى اعتقاده أن الموديل بملابسها يمكن أن تثير الطالب أكثر من الموديل العاري.
ثم تساءل: ماذا يحدث لو استبدلنا بالموديل العارى موديلًا آخر يلبس مايوه.. هل سيصدر قرار بمنع هذا الموديل أيضا؟!


(«آخرساعة» 25 أبريل 1956)

أقرأ أيضأ : في ذكرى ميلاده الـ 85.. معلومات عن الفنان سمير الإسكندراني


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة