يوسف القعيد
يوسف القعيد


يوسف القعيد يكتب: أوبرا البحيرة وأدباء من دمنهور

يوسف القعيد

الإثنين، 20 فبراير 2023 - 07:04 م

إنهم فى الأوبرا يتحاورون مع شباب المحافظات لدراسة أفكارهم عن الموسيقى

عائدٌ من البحيرة. حيث حضرت اجتماعاً لمجلس إدارة أوبرا دمنهور كعضو به. فأنا من أبناء البحيرة وأفخر وأعتز بذلك. كان الاجتماع برئاسة الدكتور مجدى صابر رئيس الأوبرا السابق، وتولى بعده الدكتور خالد داغر الموسيقار المعروف. ومن المتوقع أن تنطلق الأوبرا - أوبرا مصر - إلى آفاق جديدة فى عهده وتحت رئاسته.

بعد أيام من توليه أمور الأوبرا بقرارٍ من الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة. أعلن عن خططه وقال للزميلة الصحفية نيرمين مُقبل فى جريدة الدستور أنه يفكر فى مهرجانات أوبرالية فى معظم المحافظات مثل: أبيدوس، والرومانى، ودندرة. ويتمنى أن تكون دار الأوبرا متربعة على عرش الريادة الفنية. وملهمة للمجتمعات. وتُسهم فى تطوير الثقافات والحفاظ على التراث. وأن تتوافر لنا الإمكانات التى تجعلنا قادرين على تطوير عملنا دون عوائق.

ولديه استراتيجية لتطوير الأوبرا تتوافق مع التوجهات العالمية والتقنيات الحديثة. ويعمل على زيادة الموارد لعلاج مشكلة ارتفاع أسعار المعدات والخامات. وأنهم فى الأوبرا يتحاورون مع شباب المحافظات لدراسة أفكارهم عن الموسيقى. ومنهجه فى الإدارة يتبنى التغيير المستمر فى القيادات لتحقيق روح المنافسة والتطوير وتجديد النشاط. وأعلن عن أن اختيار الرئيس الجديد لمهرجان الموسيقى العربية لم يتم. لكنه سيكون فناناً كبيراً لديه خبرة وأفكار فى التواصل بين الأجيال.

لا أملك سوى أن أتمنى له النجاح فى مهمته التى سيقوم بها. فمصر كانت من أوائل دول العالم التى تمتعت بأوبرا لها تاريخ طويل، وارتبط وجودها فى مصر بنهضتنا الحقيقية، ليس فى الفنون والثقافة والآداب فقط. ولكن نهضتها بمعناها الشامل الذى يحتوى كل مناحى الحياة.

نجيب محفوظ
لا يعرف كثيرون أن نجيب محفوظ إسمه بالكامل: نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم الباشا. والباشا عائلة من عائلات رشيد. ورغم أن نجيب محفوظ ولد فى الجمالية بالقاهرة. وكتاباته الروائية تدور أحداثها بين القاهرة والإسكندرية. إلا أنه ينتمى إلى عائلة فى البحيرة. وأذكر أن أحد أبناء عائلة الباشا تواصل معى سنة 2006 من أجل أن يحضر ومعه بعض أبناء العائلة لمقابلة نجيب محفوظ ودعوته لزيارة رشيد فى البحيرة باعتبارها تُشكِّل الأصل والأساس له.

وعرضتُ الأمر يومها على صاحب الشأن، على الأستاذ نجيب محفوظ الذى أبدى دهشته الكاملة، ورحَّب ترحيباً حاراً بهم. ولكن شاءت الأقدار ولا رد لما تشاء، أن يمرض ويدخل مستشفى الشرطة القريبة من منزله بحى العجوزة بالقاهرة ويتوفاه الله دون أن يستقبل أحدا من عائلة الباشا برشيد .

كامل مصطفى رحومة
عدتُ من دمنهور بعد حضورى اجتماع مجلس إدارة أوبرا دمنهور ومعى أجمل هدايا ممكن أن أعود بها من هناك، الكتب. فالبحيرة هى المحافظة التى أهدت لمصر توفيق الحكيم، وعبد الحليم عبد الله، وأحمد محرم، والفنان عبد العزيز مخيون، ومحمود الحدينى، والفنانة عبلة كامل. فهى محافظة غنية بالمواهب الفنية والأدبية الجيدة.

عدتُ ومعى ثلاثة كتب للصديق كامل مصطفى رحومة. أولها: روافد القوى الناعمة المصرية، البحيرة فى القرن العشرين. وفيه رصد للوجه الثقافى للبحيرة التى تميزت وستظل متميزة بأبنائها من المبدعين. الكتاب الثانى عنوانه: التنمية المحلية بخيال سياسى. وهو رؤية شاملة لتجربة وجيه أباظة عندما كان محافظاً للبحيرة. ووجيه أباظة من البناة الأساسيين، ساهم فى إنشاء البحيرة الحديثة. وهذا الكتاب قدمه الإعلامى عبد الوهاب قتَّاية. وصدر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة.

أما الكتاب الثالث وهو كتاب ضخم، فعنوانه: النبى إدريس: - منف - دمنهور. وقدم الكتاب الدكتورة هدى درويش، والدكتور محمد رفعت الإمام. ويحاول المؤلف أن يتوقف أمام تجذُر التوحيد ومحوريته فى الحضارة المصرية القديمة. ويؤكد أن ما قيل عن النبى إدريس غير صحيح. فدوره مهم فى حركة الحضارة والعمران. وهذا الكتاب يقدم للقارئ مصر الجديدة وبنائها ومستقبلها.
وللعلم فإن المؤلف كامل مصطفى رحومة لم يغادر دمنهور أبداً ولم يفعل مثلما فعلنا جميعاً. فنحن نبدأ عندما نكون فى البحيرة، ولكن ما إن نضع أقدامنا على أول الطريق حتى نهجرها جرياً وراء سحر القاهرة الذى لا يقاوم. كامل رحومة بقى فى دمنهور وعاش فيها ويُنتج نتاجاته الأدبية وهو هناك.

صلاح اللقاني
وكعادتى عندما أسافر إلى دمنهور، فإننى أحرص على العودة من هناك ومعى أهم ما يمكن العودة به، وهو الكتب. وقد عدت ومعى أحدث ما أصدرته المطابع من كتب لأدباء البحيرة. صحيح أنها مطبوعة فى القاهرة أو الإسكندرية، وأتمنى أن نصل لليوم الذى تُطبع فيه هذه الأعمال «البحراوية» فى البحيرة نفسها. وأن تنشأ فى دمنهور حركة نشر ضخمة تليق بتاريخ البحيرة.

وصلاح اللقانى إبن البحيرة. مولود فى دمنهور، وشارك فى إصدار مجلتين: مصرية، وإضاءة. وأصدر ثمانية دواوين شعر، وحصل ديوانه: مسرح البحرين على جائزة أفضل ديوان فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2014، أى منذ 9 سنوات مضت. وحصل صلاح اللقاني على جائزة التميز من اتحاد كُتَّاب مصر عام 2016.

الدكتور علاء عبد الهادي
وبالمناسبة فإن رئيس اتحاد كُتَّاب مصر الآن الدكتور علاء عبد الهادي هو ابن من أبناء البحيرة. ينتمى إلى عزبة زبيدة التابعة لمركز إيتاى البارود محافظة البحيرة. وهى العزبة التى خرج منها أدهم الشرقاوى، البطل الشعبى المعروف. ورغم أن الدكتور علاء عبد الهادى انتقلت أسرته للغربية، إلا أن اعتزازه بالبحيرة يبدو مؤثراً وما من مرة أقابله إلا ويتكلم معى عن البحيرة بحبٍ نابع من القلب.

من النتاج القصصى لأبناء البحيرة: من سيناريو الأخضر واليابس، للقاص الشاب رضا الإمام. نشرته هيئة الكتاب. وهو قصص قصيرة، يُصدِّره بعبارة بليغة وموحية لجلال الدين الرومى: متى أتوب من الذنب؟، توبتى ذنبى، متى أجأر إذا العشق صار لى جاراً؟. وقصصه تبدأ من فرضيات فى الواقع وجزئيات فى الحياة التى نحياها. لكنها تُحلِّق فى الخيال، وتقترب كثيراً من دنيا الشعر. وأجمل القصص هى ما يمكن أن نجده فى الأعمال الأدبية.

محمد اللبودي
روايته المنشورة فى مركز الحضارة العربية عنوانها: الكاحول. وهى منشورة سنة 2021، ويبدأها بأطول إهداء قرأته فى كتاب يوشك أن يكون صفحة كاملة. ويعترف أنه خلف عبث الطفولة البريئة تخفّى. وصنع من جريد النخل خيولاً. وارتدى حُلة الفرسان متحدياً القمر. وحرق سنين الحرمان فى زمن العولمة. وأطلق عينيه تتلصصان على الأسرار خلف الأبواب المغلقة بعد أن قُطِّعت الرءوس من قبل داعش بسنوات.

ويعترف أنه عندما يئس من الأحياء المعاصرين له أيقظ الأموات. وجعل التاريخ يدور فى اتجاه معاكس. وقفز فوق الألوان. وتعدى كل الخطوط الحمراء. وحاول المشى على قوس قزح. وأنه جاء اليوم لكى يُصافح قُراءه ومُحبيه وهو يحمل كل المرايا المسطحة والمقعرة والمحدبة، وكل الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية لنشاهد جميعاً كيف استطاعت أصداف البحر أن تجعل الكثير منا كواحيل. وهى جمع كاحول التى أعطاها عنواناً لروايته.

أتمنى لو أن دار النشر القاهرية طرحت الرواية الجميلة والمهمة فى الأسواق مرة أخرى. ستجد القُرَّاء ومن يتابعون الأدب الجيد والرصين.

الدكتور محمد رفعت الإمام

يقدم دراسة نشرتها له الثقافة الجماهيرية بالقاهرة عن نفى الآخر، باعتباره جريمة القرن العشرين. والكتاب الذى يرصد ويتجول فى موضوع شديد العمومية رغم أن كاتبه يعيش فى دمنهور. ويتناول فى دراسته نشأة وتطور مفهوم الإبادة حتى إقراره فى المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع إبادة الجنس والعقاب عليها فى 9 ديسمبر 1948. ومدى انطباق هذا المفهوم على الحالات الإبادية التى شهدها القرن العشرين. ثم يتطرق فى كتابه المهم إلى إبادة النوع والإبادة الأم. وهو إبادة النوع الذى يستهدف قطاعاً بشرياً بذاته.

المهم أنها دراسة عميقة وجيدة وثبت المراجع فى آخر الكتاب يحتل مساحة ضخمة. وقد اعتبرته من نتاجات البحيرة رغم أن مؤلفه من مواليد محافظة الدقهلية سنة 1966، ولكنه عمل أستاذاً للتاريخ الحديث والمعاصر بآداب دمنهور. وعميداً لكلية الآداب جامعة دمنهور. ثم تولى مسئوليات ثقافية فى دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة.

وفى قائمة أعماله التى نشرها فى آخر الكتاب كتب ترصد موضوعات يلهث الإنسان وراءها، مثل: أولاد الشوارع فى مصر. وعصر الصورة فى مصر الحديثة. والأرمن والغرب والإسلام. جناة وضحايا ومتهمون.

***

من المؤكد أن هناك أدباء آخرين فى البحيرة. بعضهم نشر وبعضهم الآخر لم ينشر. فالبحيرة مليئة بالمواهب الجيدة والممتازة التى لو وجدت فرصتها لتغيرت الأحوال إلى الأحسن والأفضل والأجود.

من ذكرياتى الدمنهورية أننى ذهبت إلى قصر ثقافة دمنهور ومعى كتابى الأول: أُمسيات قُرب قرية الضهرية. والضهرية هى قريتى من أعمال مركز إيتاى البارود لنشره، ويوم ذهابى كانت هناك بالصدفة ندوة لعبد الحليم عبد الله. إبن كفر بولين بالبحيرة. وتعرفت عليه والتقيته. وجئت إلى القاهرة لكى أقابله فى بيته بمنيل الروضة.
وكانت بداية الرحلة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة