عــلاء عــــابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب
عــلاء عــــابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب


المعادلة الأصعب إرضاء الناس أم جلد الذات؟

أخبار اليوم

الجمعة، 10 مارس 2023 - 06:52 م

قديمًا قال أجدادنا الحكماء: إرضاء الناس غاية لا تُدرك.

وذات يوم جاء أحدهم إلى الإمام الشافعى، رضى الله عنه، يشكو له ألسنة الناس الحِداد، وأنه عمل كثيرًا لإرضائهم، لكنه فشل فى ذلك. فقال له الشافعى: إن رضا الناس لا يُملك وألسنتهم لا تُضبط، وكيف تسلم مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله، ألم يتهموا نبينا محمدا () بأنه «شاعر مجنون»؟!

ورغم ذلك، هناك أشخاص يسعون إلى إرضاء الآخرين، وهى سمات شخصية يطلق عليها علماء النفس «التوجه الاجتماعى المُفرط»، حيث يسيطر عليهم شعور بالقلق الدائم تجاه إرضاء الآخرين، ولو على حساب أنفسهم.

وفى كتابه «قلق السعى إلى المكانة»، يقول الفيلسوف البريطانى آلان بوتون، إن التقدير إمّا أن يكون ذاتيًا من الشخص لنفسه أو خارجيًا، يعتمد على تقييم الإنسان لذاته بناء على تقييم الآخرين له.

والإنسان السويّ حقًا، هو الذى يجمع بين هذين النوعين من التقدير، ولا يطغى عنده التقدير الخارجى الاجتماعى على تقديره الذاتى، فيحتقر ذاته ويزدريها، ويجعلها وَقفًا على أنظار الآخرين وآرائهم فيه.

وتشير عالمة النفس الأمريكية إلين هندريكسن، إلى أن داء إعجاب الآخرين يُعرف فى علم النفس باسم «اضطراب الشخصية الاعتمادية»، الذى قد يكون نتاج تربية اجتماعية خاطئة، بحيث لا يشعر صاحب هذه الشخصية بالأمان إلا إذا حصل على موافقة الآخرين، ويصبح الاختلاف بالنسبة له يعنى «النبذ الاجتماعي»

وتقول «هندريكسن»: «رغم أن الأشخاص الذين يسعدون الناس هم أكثر انسجامًا مع الآخرين، وغالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم مقبولون اجتماعيًا؛ إلا أنهم يواجهون صعوبة فى الدفاع عن أنفسهم، مما قد يؤدى بهم إلى نمط ضار من التضحية بالنفس، أو إهمال الذات بشكل غير سوي».

ولن نذهب بعيدًا، فقد جاء فى الأثر أيضًا، قولهم: «إنك إذا صدعت بقول الحق، فأنت غليظ جسور. وإذا حافظت على صمتك، فأنت مُتغطرس مغرور. وإذا زُرت الناس كل يوم فأنت ثقيل مذموم. وإذا انقطعت عن زيارتهم فأنت القاطع الملوم».

وفى صحيح الترمذى، أن رسول الله  قال: «مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ». 
إذن، من السهل إرضاء ضميرك بفعل ما تراه صوابًا، ومن ثم إرضاء الله سبحانه وتعالى. وهنا يكون الرضا الحقيقى، الذى هو - فى حد ذاته- شيمة إنسانية سويّة، مبنية على قيم سامية، مثل القناعة، والحمد لله، فى كل وقت وحين.

والرضا من صفات الله الثابتة له، فقد أجمع العلماء على إثبات الرضا لله تعالى، وهو رضا حقيقى يليق به جلَّ جلاله، ومن نعم الله وكرمه علينا أننا نؤمن بأنه تعالى يرضى، وهذا يدفعنا إلى طلب رضاه، الذى هو غاية عظمى فوق كلّ شيء، ومن أكبر ما يمُنُّ الله به على عباده الصالحين.

ونختتم هذه الكلمات، بأشرف الكلم، بقول الله تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام، (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ). صدق الله العظيم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة