عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

أخطار حقيقية محدقة بالديموقراطية

الأخبار

السبت، 11 مارس 2023 - 07:11 م

لا جدال فى أن الديموقراطية فى العالم تعيش أشد مراحلها غموضا وصعوبة عبر التاريخ، إذ وجدت نفسها محاصرة بإكراهات وتحديات أفرزتها تطورات الأوضاع فى العالم، و تسببت فيها إرادات تخدم مصالح معينة.

فقد حاصرت جائحة كورونا الممارسة الديموقراطية فى مختلف دول العالم طيلة أكثر من سنتين، وأقنعت الناس بالضرورة الحتمية للتخلى طواعية عن العديد من الحقوق والمكتسبات، بسبب تدابير وإجراءات الإغلاق و العزل، التى ألغت حقوقا كثيرة تهم التنقل والتجول والتعبير والاختيار.

وانتهزتها بعض الأنظمة السياسية المغلقة فرصة لتثبيت اختياراتها المعادية للديموقراطية. وما إن خفت حدة الأزمة الصحية العالمية، وما إن بدأ التطلع إلى الانعتاق من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة جدا التى فرضتها الأزمة، حتى اندلعت شرارة حرب تكاد تكون كونية بين القوى العظمى المتحكمة فى مجريات النظام العالمي، لتجد قضية الديموقراطية و حقوق الانسان نفسها مرة أخرى، محاصرة بقرارات وباختيارات منافية لمبادئها ولشروطها. إن الحملة الإعلامية الحادة و العنيفة المرافقة لمجريات الحرب فرضت تشكيل رأى عام دولى خاضع لإرادة المتسببين فى الحرب والمشاركين فيها، وساهمت الحرب الإعلامية الموازية ، بما حفلت به من معلومات مضللة فى خضوع جزء كبير من الرأى العام الدولى لما تسوق له الأطراف المعنية مباشرة بهذه الحرب القذرة. ولم يعد بإمكان الأفراد والجماعات تشكيل قناعاتهم الخاصة المرتكزة على المعلومات الصحيحة والمعطيات الدقيقة بصفة مستقلة وعن طواعية غير خاضعين لأية تأثيرات.

و بالتالى لا غرو فى القول اليوم إن الرأى العام الدولي، أو جزءا مهما منه على الأقل، أضحى ضحية سهلة المنال للتسويق الإعلامى الذى يسلب الحق فى تكوين قناعة معينة وتشكيل رأى و إعلان موقف مستقل. وهذا يندرج فى عمق إفراغ الديموقراطية من محتواها .

إن حالة اللايقين السائدة فى مختلف أرجاء العالم، و عدم القدرة على التنبؤ بما قد يحدث فى المستقبل القريب أو البعيد، زادت من حدة تضخم التهديدات المحدقة بالديموقراطية، مما وضع العالم فى مسار غامض يترتب عنه القلق والخوف مما هو قادم، وهذا ساهم إلى حد بعيد فى ضعف القدرة على حسن الاختيار والقرار فى اللحظة المناسبة لذلك، وهكذا أصبح من المسلم به أن الانتخابات كآلية ديموقراطية حاسمة تعكس إرادة الناخبين لم تعد قادرة على إفراز مؤسسات تمثيلية و تنفيذية قوية و فاعلة ومستقلة بإرادتها.

ففى كثير من التجارب الديموقراطية المتقدمة لم تنجح الديموقراطية حتى فى إفراز سلطات تنفيذية، وبقى بعضها لمدد طويلة بدون حكومات، واضطرت أخرى إلى إعادة الانتخابات أكثر من مرة فى أفق إفراز أغلبية حاسمة، دون جدوى. ثم إن ظاهرة تنامى الحركات الشعبوية فى كثير من التجارب الديموقراطية تسببت فى إفراغ الديموقراطية من محتواها، اذ تفوقت فى توظيف ارتفاع معدلات انعدام الثقة فى الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة وما ترتب عنها من تداعيات سلبية على أوضاع الناس، لتفرض نفسها كبديل عن التنظيمات السياسية التقليدية التى كانت تستند إلى البرامج والرؤى المستقبلية، لكنها لم تعد كما كانت عليه فى السابق و أنهكها العياء والتراخى وانغلاق مسالك التجديد فى أجهزتها، و هكذا أضحى بإمكان فصيل معين معاد للمهاجرين مثلا اكتساح صناديق الاقتراع والوصول إلى سدة الحكم، بمعنى أن الحسم فى اختيارات ديموقراطية أضحى مقتصرا على ردود فعل الأشخاص على قضية ما أو ظاهرة معينة أو حدث محدد.

و هنا يتعلق الأمر بطبقة سياسية جديدة وافدة على الحياة السياسية معادية لأصول الديموقراطية، وهم بذلك طغاة جدد يتنكرون بألبسة وأقنعة ديموقراطية لمحاربة الديموقراطية، وهم فى حقيقة الأمر أعداء لها، مدمرون لقواعدها ولمبادئها .

ثم إن تلاشى الثقة فى المؤسسات السياسية التقليدية يضع الديموقراطية فى حالة تيه غير مسبوقة تماما، لأنه يفضى إلى حالة الفراغ، ما دامت جهود ومخططات تدمير هذه المؤسسات لا يطرح و لا يقدم بدائل فعالة، لأنها ليست موجودة أصلا. وفى تقديرنا فإن أخطر ما يهدد الديموقراطية يكمن فى تجريد المؤسسات، من أحزاب و برلمانات وحكومات و جماعات ترابية و هيئات مهنية تمثيلية من محتواها وعزلها عن المواطنين وعن المجتمع، وتقديمها كمراتع للفساد، والناشطين فيها كانتهازيين و فاسدين، لأن ذلك يقود فى نهاية المطاف إلى الحكم المطلق سواء من طرف شخص حاكم أو جماعات متطرفة أو ذات مصالح اقتصادية و مالية تسعى إلى الهيمنة على الحكم. وربما يكون الهدف من وراء مخططات تجريد المؤسسات من الثقة، هو تعبيد الطريق لأعداء الديموقراطية .

ثم إن النفاق الغربى بالخصوص تعاطيه مع سيادة الديموقراطية فى العالم يمثل أحد أخطر معاول هدم الممارسة الديموقراطية، لأنه يخضع علاقات الدول العظمى مع وجود الديموقراطية من عدمها إلى خدمة أجندات استراتيجية واقتصادية صرفة، ولهذا لا غرابة فى أن نرى الغرب يتعامل بمكاييل متعددة مع حالات ممارسة الديموقراطية فى العالم، ومع درجات الرضوخ والخنوع للإملاءات الخارجية. وهكذا فإن شعارات الديموقراطية المرفوعة فى الغرب ليست صالحة فى سياسة هذا الغرب لجميع شعوب العالم .

لذلك كله وغيره كثير، فإن الديموقراطية تعيش أتعس أيامها الحالكة فى الزمن الحالي.

نقيب الصحفيين المغاربة
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة