أقوى عصابات تهريب المخدرات
أقوى عصابات تهريب المخدرات


«وردة النيل».. أقوى عصابات تهريب المخدرات في الخمسينيات

أحمد الجمال

الأربعاء، 29 مارس 2023 - 08:33 م

قبل نحو 73 عامًا نشرت «آخرساعة» تقريرًا عن ضبط واحدة من أقوى عصابات تهريب المخدرات، حيث رصدت أجهزة الدولة المعنية فى سبتمبر 1950 انتشار مخدر الحشيش فى البلاد بأسعار رخيصة وكانت تلك إشارة تدل على وجود عمليات تهريب من خلال البحر، وبالفعل تم رصد السفينة المحملة بالحشيش بعد وضع خطة محكمة للرصد والضبط، وتم الإيقاع بأفراد العصابة أثناء عملية تسليم البضاعة.. وفى السطور التالية نعيد نشر هذا التقرير.

انخفضت أسعار الحشيش فى مصر فى الشهور الأخيرة! وكان معنى ذلك أن كميات كبيرة قد تسربت إلى داخل البلاد.. والنتيجة الطبيعية لهذا أن الإدارات التى تشرف على مكافحة التهريب شعرت فى الأسبوعين الأخيرين أنها بحاجة لمضاعفة جهودها ونشاطها لتتمكن من مقاومة المهربين.. ورافقت «آخرساعة» رجال خفر السواحل فى حملة على المهربين.

كانت التحريات تشير إلى أن المهربين سيقومون بغزو منطقة الإسكندرية، وبدأ رجال السواحل يستعدون للدفاع عن شاطئ الإسكندرية ومواجهة المهربين وبث الصاغ على الراكشى رئيس قلم المخابرات السرية، وبعث معاونيه يستطلعون الأنباء وينقلون إليه الهمسات.. وأندس المخبرون فى أوساط تجار المخدرات.. فى بؤرهم ومقاهيهم وفى المغارات والجبال.. فى مناطق المكس والدخيلة وأبى قير ورشيد.. وبين تجار الأسماك وأدعياء تجارتها من مهربى المخدرات!

ورأت العيون كثيرًا.. وسمعت الآذان همسات.. وتكدست المعلومات فى مكتب رئيس قلم المخابرات لتشير إلى الهدف.. ولم يكن هذا الهدف سوى «وردة الليل».

أما «وردة الليل» فهى هى السفينة السوداء ذات الأشرعة البيضاء التى تصل سرعتها إلى 24 عقدة بحرية فى الساعة، ويملكها «عسقل الدمشقي» من كبار تجّار المخدرات، وأخطر مهربيها فى الشرق الأوسط. وقالت التحريات إن «سليمان أبوشفة» سيخرج من الإسكندرية بسفينة من سفن الصيد ليقابل «وردة الليل» فى عرض البحر وتحت ستار الظلام، حيث ينقل منها المخدرات إلى سفينة الصيد ويدفع الدمشقى خمسين ألفًا من الجنيهات، ثم يظل فى البحر يصطاد حتى يبعد الشك عن سفينته، وبعد ذلك يقترب من الشاطئ حيث ينقل المخدرات إلى قارب صغير يصل بها إلى الرمال، حيث يتلقفها المهربون من رجال البر.

علامات الاستفهام

وسكت رجال المخابرات، وتجمعت علامات الاستفهام حول مسألتين: متى تظهر وردة الليل لتضرب ضربتها وإلى أى مكان سيرسل سليمان أبوشفة البضاعة المهربة؟ إلى أبى قير؟ الميناء؟.. المكس؟.. العجمى؟.. متى؟.. وأين؟.. وكان لا بُد من عقد اجتماع.

وضم الاجتماع السرى مدير المصلحــــة ورئيــــس قــــلم المخابرات وكبار الضباط، وعُرِضــــت المعلومات والتحــــــريـــات.. واســــتعان الضـــبّاط بخبرتهم الماضية، وبحوادث المهربين السابقة، وانفضوا بعد أن حددوا الزمان والمكان اللذين سيقع فيهما التهريب.

المراقبة والاستعداد

وســـرعــــان مــــا بــــدأت الـــدوريات المسلحة تجوب المنطقة كلهــا ما بين أبى قير والعجمى حتى لا تثير شك المهربين، وبدأت العيون ترصد سفن الصيد، ولاحت سفينة سليمان أبوشفة تسير على غير هدى فى محاذاة الساحل وتدور حول نفسها.. تسير من الغرب إلى الشرق.. ثم تعود فتقطع المسافة من الشرق للغرب.. ترفع أشرعتها ثم تخفضها ثم تعود فترفعها، ونظّارات الضباط المُقرِبة تكشف رجال السفينة الواقفين على سطحها ولا عمل لهم سوى مراقبة الشاطئ ينتظرون الإشارة والوقت المناسب.

وشوهدت بعض الإشارات الضوئية على الساحل الصخرى ما بين المكس والدخيلة، وكان هذا المكان هو ما حدده الضباط فى الاجتماع السري، وفى ذلك المكان كانت قوة من الجنود منقسمة إلى ثلاثة أقسام، قسم اختفى بين الصخور على الشاطئ، وقسم ثانٍ اختبأ فى الخنادق التى تخلفت عن الحرب الماضية، والقسم الأخير يرابط بعيدًا عن الشاطئ فى بعض المغارات. وكان مع رجال القوة أحد قصاصى الأثر من الأعراب المجندين فى خدمة مصلحة خفر السواحل.

المعركة فى البحر

وفى صـــبر وحـــذر كـــان القـــارب البخــــارى الســــريع لمصلحــــة خفـــــر السواحل يرقب سفينة الصيد.. كان بالإمكان مهاجمة السفينة والقبض على أبوشفة، لكن رجال القوة آثروا الانتظار حتى يأتى المهربون فى قاربهم الصغير ليحملوا المخدرات فيصيب رجال المصلحة عصفورين بحجر واحد.

وفى ضوء الفجر الباهت، وبين ظلال الضباب الذى انتشر فى تلك المنطقة، بدأ القارب الصغير يلوح للمراقبين وهو يضرب بمجدافيه فى مياه البحر الهادئة. وكانت أفواه المدافع تتبع أصوات المجدافين! وتحت ستار الضباب نقلت المخدرات، وبدأ القارب يعود أدراجه، وإذ ذاك تحرك القارب البخارى السريع لرجال خفر السواحل، وفى منتصف الطريق إلى الشاطئ انهالت الطلقات حول القارب وأحس المهربون بالخطر، فألقوا ما معهم من المخدرات فى البحر ليتخصلوا من جسم الجريمة ومن عقوبتها ولينقذوا المخدرات من أيدى رجال خفر السواحل.

وحينما اقترب قارب خفر السواحل من القارب الصغير لم يكن به سوى ثلاثة من المهربين، أما الباقون فقد أسرعوا بالهرب سباحة للشاطئ، وهم على يقين من أن أحدًا لن يستطيع ملاحقتهم فى المياه الضحلة.

معركة فى البر

ولكن الهاربين لم يفلتوا من رجال خفر السواحل، فقد قبض عليهم عقب خروجهم من الماء عدا واحدا استطاع الفرار، إلا أنه وقع أخيرًا فى الأسر حينما توغل فى جبال المكس وقبع فى إحدى المغارات، فقد تتبع خطواته الأعرابى قصاص الأثر الذى يرافق قوة خفر السواحل واهتدى إلى مكانه.

البحث عن المخدرات

وفى هذه الأثناء، كان الضباب قد انقشع تمامًا وأخد القارب البخارى يبحث عن المخدرات التى أُلقيِت فى البحر.. وقد أعتاد المهربون أن يثبتوا فى الجوالات المحملة بالمخدرات كرة من المطاط صغيرة تطفو فوق سطح الماء حتى يمكنهم بعد الإفلات من رجال خفر السواحل أن يعودوا فيلتقطوا المخدرات من قاع البحر مستعينين فى ذلك بالكرة الطافية فوق سطح الماء.. واهتدى رجال المصلحة إلى المخدرات المضبوطة، وانتشلت من الماء، لتُقدَّم مع المهربين إلى نيابة المخدرات.. وانتهت مهمة رجال خفر السواحل، وعادوا إلى قاربهم البخارى السريع يمشطون البحر بحثًا عن صيد جديد!

(«آخرساعة» 6 سبتمبر 1950)

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة