د. شوقى علام
د. شوقى علام


مفتى الجمهورية:أحكام الشريعة صالحة لكل زمان ومكان بسبب مرونتها ويسرها

توظيف الأموال العشوائى محرم لتضمُّنه مخاطر توقع الضرر بالناس

الأخبار- ضياء أبوالصفا

السبت، 01 أبريل 2023 - 09:05 م

ضوابط التيسير تحافظ على وسطية أحكام الشريعة بين الإفراط والتفريط

أكد د. شوقى علام، مفتى الجمهورية أن من المعالم الأساسية للشريعة الإسلامية الغراء المرونة واليسر والوسطيةَ، وتلك السماتُ هى التى تجعل أحكامها المطهرةَ صالحةً لكل زمان ومكان ومراعية لما يحقق مصالح العباد فى العاجل والآجل، ودارئة عنهم جميع المفاسد والشرور فى الدين والدنيا معًا.

أضاف أن هذه السعة والمرونة فى أصلها معانٍ قرآنية تجلت فى كثير من آيات الله تعالى، منها قول الله- تعالى-: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ «سورة البقرة:185»، وقوله- تعالى-: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ «سورة المائدة:6».
وأشار إلى أن هذه الأصول كذلك هى أصول نبوية راسخة، دلت عليها السنة النبوية الشريفة قولًا وفعلًا، فمنها ما أخرجه البخارى فى صحيحه: أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن قال لهما: «يَسِّرَا ولا تُعسِّرَا، وبشِّرَا ولا تُنفِّرَا، وتطاوعا ولا تختلفا»، وهى وصية نبوية من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم تمثل الرسالة التى أراد النبى  أن يبعث بها أصحابه إلى أقطار الدنيا، وهى أن هذه الشريعة إن كانت تتمثل فى شيء فإنما تتمثل فى السعة والمرونة والتيسير على الخلق، ورفع الحرج عنهم. وقد لخص الحبيب المصطفى هذا المعنى فى عبارة وجيزة بليغة من جوامع كلمه الشريف صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى وغيره عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ).
وأوضح أن المرونة قبل أن تكون عمل الفقيه ومسلكًا للمجتهد هى مَعْلم أصيل من معالم الوحيين الشريفين، وإنما تنوعت مناهج العلماء فى المرونة والتيسير تبعًا لإدراكهم أصالة ذلك المعنى فى شريعة الإسلام، وتلك المرونة هى التى تسمح للفقهاء والمجتهدين بالاجتهاد والتجديد فى القضايا المعاصرة، وتلك المرونة هى التى تجعل الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وموفية بكافة الإجابات عن الأسئلة التى تشغل الناس فى هذا العصر فى شتى المجالات، سواء أكان ذلك فى مجال العبادات أم المعاملات.
 وأوضح أن مراعاة المرونة والسعة قد أثرت فى مجال أصول التشريع قبل الفروع، فإن الأصوليين جميعًا يوسعون باب النظر فى منطوق الشريعة ومفهومها وفق ضوابط وقواعد تضبط قضية التيسير والمرونة وتحافظ على وسطية أحكام الشريعة بين الإفراط والتفريط، ويتجنبون كذلك الاقتصار على الأخذ بظواهر النصوص والجمود عليها، فتكلموا بعمق عن مفهوم الاجتهاد والقياس وأكدوا على ضرورة إدراك علل الشريعة، ومعانيها الجامعة، وهو ما يدل على إدراك الفقهاء إدراكًا تامًّا لقضية تعدد الوقائع واختلافها مع انحصار النصوص وتناهيها، مما يلزم عنه وجود قدر من المرونة فى التوصل إلى أساليب إعمال قواعد الشريعة كما سماها الإمام الجويني، فيثمر ذلك سعة فى الفقه، ومرونة فى تنزيل الوقائع لمن تمرس بتلك الأساليب.
 وأشار المفتى إلى أن من أبرز أصول التشريع دلالة على المرونة والتيسير الأخذُ بمفهوم المصلحة المرسلة، واعتباره أصلًا شرعيًّا تبنى عليه الفتاوى والأحكام، حتى وإن لم يرد شاهدها منصوصًا عليه، وذلك باب واسع من أبواب التعامل مع الوقائع والقضايا المختلفة، التى لها مناسبات شرعية معتبرة، لكن لم يرد بها نص أو شاهد.
وأوضح المفتى أن الأصوليين والفقهاء قد تكلموا على اختلاف مذاهبهم أيضًا عن ضرورة مراعاة واعتبار العرف المستقر المتلقى بالقبول من أصحاب العقول السليمة فى الفتاوى والأحكام ما لم يتغير أو يتبدل وما لم يكن عرفًا فاسدًا مخالفًا لثوابت الدين.
وقال: «أما جانب المعاملات فالأصل الشرعى فى هذا القسم من التشريع المرونة والسعة، وقد يبدو ملمح المرونة والتيسير فى الإسلام بشكل أوضح فى جانب المعاملات حيث إن المعاملات متجددة متغيرة بخلاف العبادات»، موضحًا أن معنى المرونة فيها أى أن يلاحظ فيها من الناحية الاجتهادية ما يطرأ عليها من التَّغيُّر وأن يكون الاجتهاد فيها متسعًا بما يحقق المصالح ويدرأ الضرر والمفاسد، ويحكم هذه المرونة خطوط عريضة، وقواعد عامة، ومبادئ أساسية، وهى المبادئ والقواعد التى نستطيع رصدها فى أمرين مرتبطين ببعضهما تمام الارتباط.
وقال: «إن أصول التشريع الإسلامى فى جميع المذاهب فى باب المعاملات والعقود المالية قائمة على رفع الغَبن، والغش، والغرر، والضرر، والجهالة، وكل ما يفضى إلى إحداث نزاع أو خصومة بين المتعاملين، وقامت كذلك على مبدأ انتقال وتلقى الأموال والمنافع بالطرق المشروعة التى لا تحدث ضرراً بالأفراد ولا بالمجتمعات، وذلك وفقاً لما ينظمه القانون والدستور والمؤسسات الاقتصادية والمالية الرسمية».. وضرب مثالاً على ذلك بمنع وتحريم ما يحدث فى بعض المعاملات المالية غير القانونية كمعاملات توظيف الأموال العشوائية التى تتم خارج النظام الرسمى وخارج الأوعية التى حددتها الدولة للاستثمار والادخار، وهذه المعاملات قد يظنُّ البعض أنها فى ظاهرها معاملة صحيحة شرعًا، لكنها على العكس من ذلك فهى فى الحقيقة مليئة بالجهالة والظلم والغش والتدليس والغرر وإهدار المال بل وأكل أموال الناس بالباطل الذى نهينا عنه، وبالإضافة لذلك هى خارجة عن الإطار القانونى الذى يحمى المعاملات المالية من أن يحدث فيها أى نوع من من التلاعب بالأموال. فتوظيف الأموال خارج الأطر الرسمية معاملة مليئة بالمخاطر، لأن ما يحكم ويضبط صحة المعاملات الشرعية غير موجود فيها، وبالتالى فإنها لا تراعى مقاصد الشريعة الإسلامية، وهو ما رأيناه بصورة متكررة منذ فترة قريبة.
وأكد أنَّ المعاملات الخارجة عن الإطار الذى حددته الدولة هى من المعاملات المحرمة، لعدم الإحاطة بها ومعرفتها تمام المعرفة، ولعدم توافر سبل الأمان فى توثيق تلك العقود، بما يعد إهدارًا للمال وقد نهانا الله عز وجل عن ذلك.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة