الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الأمام الشعراوي | ليلة القدر

الأخبار

الأحد، 16 أبريل 2023 - 08:19 م

يقول الشيخ الشعراوى في خواطره حول قوله تعالى: «إنا أنزلناه فى ليلة القدر»: الحق قال «إِنَّا أنزلناه» أى جاء بضمير الغيبة، وضمير الغيبة يتطلب مرجعًا، واستهل الله سورة القدر «إِنَّا أنزلناه فى ليلة القدر»، ب «إِنَّا» لا «إنى»، والمقصود بذلك أنه حين يتكلم الله عن شىء يتطلب تكتل صفات الجلال والجمال فيه دائمًا يقول «إنا»، لكن إذا أراد عز وجل أن يتكلم عن ذاته ويريد من عبده أن يتوجه إليه لا يقول «إننا نحن الله» لكن يقول «إننى أنا الله» أى عندما نتوجه إلى الله بالعبادة نمنحه صفة التفرد، وحين يعرض علينا ما أنعم به علينا نلمح صفة الجمع لأن نعمه تتطلب تكاتل صفات متعددة، لكن فى مقام العبادة والتوحيد والتوجه يأتى ضمير التفرد دائمًا، فيقول: «إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِى» وليس «فاعبدنا»، أما حين يريد الله عز وجل الامتنان بوجود شىء فيقول: «خلقنا، قدرنا، أنزلنا».

فالقرآن الكريم يتعرض لمنهج الخلق إلى أن تقوم الساعة، ولأنه منهج وضعه الحق فلابد أن تتكاتف فيه كل صفات الجلال والجمال فلم يقل «إنى أنزلته» ولكن قال: «إِنَّا أَنْزَلْنَاه».

اقرأ ايضاً| مع الصحابيات | رفيدة الأسلمية.. أشهر طبيبة وصيدلانية فى الإسلام

وفى قول الله تعالى «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى ليلة القدر» بين الله لنا فى مجموع ما أوصله إلينا رسول الله أنه سبحانه وتعالى خلق الزمان ولا زمان وخلق المكان ولا مكان، ثم فضل سبحانه بعض الأزمنة، ثم فضل بعض الأماكن، ثم الإنسان الذى خلق منه الزمان والمكان فضل منه البعض، فالأزمان والأماكن ليس لها خصوصية فى ذاتها إنما خصوصيتها موهوبة لما وهبها الله، فقول الله «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» يدل على أن الليلة لها قدر، فكأن الليلة التى اختارها الله ليفرق فيها كل أمر حكيم اختارها لنزول القرآن وهو أكبر فرقان، وهذا يعنى أن القرآن اختيرت له ليلة لأن لها قدرًا.

وهناك رأى آخر أن هذه الليلة جاء لها القدر بنزول القرآن، فليلة القدر تعدد فيها نزول القرآن، فنزل أولا من الله فى أول مشهد، ثم نزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا أو إلى بيت العزة فى سماء الدنيا.

وبعد ذلك أنزلته السفرة على جبريل كل عام، وبعد ذلك نزل به جبريل فى كل مناسبة حسب ما تقتضيه الأحداث، وتم اختيار الليل هنا لأن الليل محل السكون والهدوء، بينما النهار محل حركة.

وفى قوله تعالى «وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ» يخاطب الله سبحانه وتعالى الرسول، فإذا كان هناك علم لدى البشر فيكون عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن «وَمَا أَدْرَاكَ» تدل على أنها شىء فوق إدراكك وكأنه شىء بالذاتية.

وهذا يعنى أنها تضمنت معنى فوق مدلول اللفظ الوضعى، ولا يقال «مَا أَدْرَاكَ» الا لشىء يعظم على المخاطب أن يدركه بذاته، فهناك فرق بين «أدراك» و«يدريك» فالأولى المقصود بها ما أدركت قبل خطابه لك، وجاءت فى زمن الماضى لتعنى أن الله أدراه به، أما «ما يدريك» فهى نفى فى المضارع بمعنى لم يعلمه الله به ويظل سرًا من أسرار الكون.

ثم يقول تعالى: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»، حيث أعطى الله سبحانه وتعالى هذه الليلة إكرامًا لرسول الله ولأمته بحيث إذا وفق الإنسان إلى العمل فيها قيامًا واحتسابًا لوجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه، ولذلك جاءت الآية «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»، أما لماذا جاءت «ألف»، فلأن الألف عند العرب كانت أقصى عدد.

وكانوا يعتقدون أن الألف هى نهاية الأرقام، ولذلك إذا زادوا عليها كانوا يكررونها مثل ألف ألف فلم يكن قد استحدث بعد المليون أو البليون أو المليار، إذن معناها أن ليلة القدر خير من الزمن كله.

«تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» يدل على أن الملائكة نازلون لأمور، ولذلك فهم المدبرات أمرا، أى إنهم المتعلقون بالخلق، أما « الروح» فهى نوع متميز من الملائكة، والمراد بها جبريل «نزل به الروح الأمين».

وقوله تعالى «مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» تعنى وكأنهم ينزلون بكل أمر، والأمور هى التى بها نظام الكون، فالكون يريد أمورًا تتعلق برزقه من الأمطار، وأمورًا تتعلق بالحروب والنكبات وبالموت «عزرائيل»، وأمور تتعلق ببقية الأعمال «إسرافيل»، فكل ملك له مهمة بالنسبة لأهل الأرض.

و«سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ»، تعنى أن الأمور يجب أن تقاس ليس بما ترغب فيه نفسى، لكن بالنسبة لحكمة الله، فالسلام لا يتحقق إلا إذا دفع الله الناس بعضهم بعضًا، فعندما يحدث للإنسان مصيبة يجب عليه أن يفسر الأحداث حين لا يكون له يد فيها أنها لحكمة الله عز وجل، فكل ما يجرى به القدر مما يأتى به الملائكة وتتنزل به من كل أمر سواء كان خيرًا فى نظرنا أو شرًا فكل أمره سلام، وقوله «سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» تعنى أن الملائكة ينهلون للتسليم على المؤمنين، لأن ذلك يعتبر بالنسبة لهم تشريفًا عظيمًا بالرسالة المحمدية وبنزول القرآن وبهذه الليلة المباركة التى هى خير من ألف شهر.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة