مأكولات شم النسيم
مأكولات شم النسيم


«شم النسيم».. عادات تاريخية يعيشها المصريين في أحضان الطبيعة

شيرين الكردي

الإثنين، 17 أبريل 2023 - 02:55 م

يُعد شم النسيم، يومًا من الطبيعة وتجدد الحياة وإشراقة أمل يعيشه المصريين بين الحدائق ووسط النيل وطعامهم الأسماك والخس والملانة ويتوج رؤسهم عقود الياسمين.

ومن هذا المنطلق، نتعرف على مفردات وأصول عادات "شم النسيم" التاريخية مع خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، الذي أشار إلى أن شم النسيم عيدًا للطبيعة ولا علاقة له بأى دين فهو عيد مصرى قديم احتفل به قدماء المصريين منذ عام 2700 قبل الميلاد، حيث تتجدد الحياة، وكان يطلق عليه "شمو" أى بعث الحياة، ثم تحرفت إلى شم وأضيف إليه النسيم، وكانت السنة عندهم تبدأ بعد اكتمال القمر الذي يقع عند الانقلاب الربيعى فى 11 برمودة "باراحاموت بالهيروغليفية"، واعتقد قدماء المصريين أن يوم شم النسيم هو بدء خلق العالم، ولقد سجل على جدران المعابد أن المعبود رع يقوم فى ذلك اليوم بالمرور فى سماء مصر داخل سفينته المقدسة ويرسو فوق قمة الهرم الأكبر وعند الغروب، يبدأ رحلته عائدا للأرض صابغا الأفق باللون الأحمر رمزا لدماء الحياة، الذى يبثها من أنفاسه إلى الأرض معلنا موت المعبود "ست" إله الشر وبالتالى فهو عيدًا للخير.

البيض

ونوه الدكتور ريحان إلى أصول الأطعمة المرتبطة بشم النسيم، فالبيض يرمز إلى خلق الحياة كما ورد فى متون كتاب الموتى وأناشيد إخناتون ونقش البيض وزخرفته ارتبط بعادة قدماء المصريين نقش الدعوات والأمنيات على البيض ثم يعلق فى أشجار الحدائق لتحقيق الأمنيات مع الشروق والفسيخ "السمك المملح" من بين الأطعمة التقليدية فى شم النسيم منذ الأسرة الخامسة عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل نهر الحياة حيث ورد فى متونه المقدسة أن الحياة فى الأرض بدأت فى الماء ويعبر عنها بالسمك الذى تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع حسب المعتقد المصرى القديم طبقًا لما جاء فى دراسة علمية للدكتور على أحمد الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.

إقرأ أيضًا:تراث وفنون بنجلاديش في ختام الليالي العربية والإسلامية بالأوبرا

قدماء المصريين

وذكر المؤرخ الإغريقى هيرودوت أن قدماء المصريين كانوا يأكلون السمك المملح فى أعيادهم ويرون أن أكله مفيد فى وقت معين من السنة وكانوا يفضلون نوعًا معينًا لتمليحه وحفظه للعيد أطلقوا عليه اسم "بور" وهو الاسم الذى حور فى اللغة القبطية إلى "يور" وما زال يطلق عليه حتى الآن ، وعرف الخس منذ الأسرة الرابعة وكان يقدم فى سلال القرابين وعلى موائد الاحتفال بالعيد وكان يسمى بالهيروغليفية "حب" كما اعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود "من" إله التناسل ويوجد رسمه منقوشًا دائمًا تحت أقدام المعبود "من" فى معابده ورسومه وأمّا الملانة وهى ثمرة الحمص الأخضر أطلق عليها "حور –  بيك" أى رأس الصقر لشكل الثمرة التى تشبه رأس حور الصقر المقدس وقد ذكر الخس والملانة فى البرديات الطبية وكانت الفتيات يصنعن من حبات الملانة الخضراء عقودًا وأساور يتزين بها فى الاحتفالات بالعيد كما يقمن باستعمالها فى زينة الحوائط ونوافذ المنازل فى الحفلات المنـزلية .

ومن بين تقاليد شم النسيم المصرية القديمة التزين بعقود زهور الياسمين وهو محرف من الاسم المصرى "ياسمون" وكانوا يصفون الياسمين بأنه عطر الطبيعة التى تستقبل به الربيع وكانوا يستخرجون منه فى موسم الربيع عطور الزينة وزيت البخور الذى يقدم ضمن قرابين المعابد عند الاحتفال بالعيد.

وأوضح الدكتور ريحان أن البصل كان ضمن أطعمة عيد شم النسيم منذ أواسط الأسرة السادسة فى مصر القديمة وارتبط ظهوره بما ورد فى إحدى أساطير منف القديمة أن أحد ملوك مصر القديمة كان له طفل وحيد وكان محبوبًا من الشعب وقد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة وعجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه ولازم الفراش عدة سنوات واستدعى الملك لعلاج الطفل  الكاهن الأكبر لمعبد آمون فنسب مرضه إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه وتشل حركته بفعل السحر وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الطفل فى فراشه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ ثم شقها عند شروق الشمس ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها.

البصل الطازج

وتابع: "طلب الكاهن منهم تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة وشفى الطفل وأقام الملك الأفراح فى القصر لأطفال المدينة ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس فى العيد وتعليق حزم البصل على أبواب دورهم".

وأكمل: "ما زالت حتى الآن فى بعض قرى الصعيد توضع بصلة أمام كل منزل يوم شم النسيم وحديثًا أكد الدكتور جميل القدسي استشاري التغذية أن البصل هو الحل الأمثل للحد من انتشار فيروس البرد فبعد تقطيع البصل في الغرفة يمنع ‏الفيروسات‬ ونزلات البرد حيث يمتص البصل الفيروسات وأن ‏رائحة‬ البصل أو المركبات الفعالة الموجودة في البصل عندما تتطاير تقوم بقتل الفيروسات في الغرفة".

وتابع الدكتور ريحان بأن مدينة بورسعيد الباسلة تحتفل بشم النسيم احتفالًا خاصًا يرتبط باللورد "اللنبي"، حيث الحركة الوطنية الشعبية في بورسعيد فتصنع دمية  كبيرة الحجم وتُقام عليها "زفة اللنبي" لتتحرك في شوارع بورسعيد  بمصاحبة الرقص والغناء على أنغام السمسمية والطبل والرق ويرددون هذه الأغنية :

ياللنبي يابن حلمبوحة
ومراتك عرة وشرشوحة
ياللنبي يابن حلمبوحة
مين قالك تتجوز توحة 
ياللمبي يابن الخواجاية
مين قال لك تعمل حكاية
ياللنبي يابن الأمبوحة
أمك مليانة ملوحة
دي راسك عالحيط مدبوحة
إخية عليه
اللمبي بيه

وبعد ذلك يتم حرق الدمية في الشوارع في فجر يوم شم النسيم  ثم يحضرون السامر ومائدة شم النسيم حيث البيض الملون وفسيخ وخس ملانة وبصل أخضر والطماطم والفلفل والليمون، وفي المساء يقومون بعمل نزهات واحتفالات على الفالوكة في البحر.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة