الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي | وجوه الإحسان تخدم قضية الدين

الأخبار

الخميس، 04 مايو 2023 - 10:50 م

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية «195»: وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» بقوله: إذن وجوه الإحسان في الأشياء كثيرة، وكلها تخدم قضية الإيمان، وعندما يرى الكافر المؤمنين وكل واحد منهم يحسن عمله فإن ذلك يغريه بالإيمان، وإذا سألنا: ما الذي زهد دنيانا المعاصرة في ديننا؟ فسوف نجد أن العالم ينظر إلى دين الله من خلال حركة المسلمين، وهي حركة غير إسلامية فى غالبيتها. 

صحيح أن بعضاً من عقلاء الغرب وفلاسفته لا يأخذون الدين من حركة المسلمين، وهذا منتهى العدالة منهم لأنه ربما كان بعض المسلمين غير ملتزمين بدينه، فلا يأخذ أحد الإسلام منه لمجرد أنه مسلم.

اقرأ ايضاً | علي جمعة: أهمية بذل الجهود من أجل نشر الثقافة وبناء العقول وإبراز مفهوم المواطنة

وأتباع الديانات الأخرى يعرفون أن هناك أفعالاً جرمها دينهم، وما دام هناك أفعال جرمها الدين وسن لها عقوبة فذلك دليل على أنها قد تقع، فأنت عندما ترى شخصاً ينتسب إلى الإسلام ويسرق، هل تقول: إن المسلمين لصوص، لا، إن عليك أن تنظر إلى تشريعات الإسلام هل جرمت السارق أو لم تجرمه؟ فلا يقولن أحد: انظر إلى حال المسلمين، ولكن لننظر إلى قوانين الإسلام، لأن الله قدر على البشر أن يقوموا بالأفعال حسنها وسيئها، ولذلك أثاب على العمل الصالح وعاقب على العمل السيئ.

والعقلاء والمفكرون، يأخذون الدين من مبادئ الدين نفسه، ولا يأخذونه من سلوك الناس، فقد يجوز أن تقع عين المراقب على مُخالف في مسألة يحرمها الدين، فلا تأخذ الفعل الخاطئ على أنه الإسلام، وإنما خذه على أنه خارج على الإسلام.

وساعة يرانا العالم محسنين فى كل شيء فنحن نعطيهم الأسوة التى كان عليها أجدادنا، وجعلت الإسلام يمتد ذلك المد الخرافى الأسطورى حتى وصل فى نصف قرن إلى آخر الدنيا فى الشرق، وإلى آخرها فى الغرب، وبعد ذلك ينحسر سياسياً عن الأرض، ولكن يظل كدين، وبقى من الإسلام هذا النظام الذى يجذب له الناس، إن الإسلام له مناعة في خميرته الذاتية إنه يحمل مقومات بقائه وصلاحيته، وهو الذى يجذب غير المسلمين له فيؤمنون به، وليس المسلمون هم الذين يجذبون الناس للإسلام.

ولذلك أقول: لو أن التمثيل السياسى للأمم الإسلامية في البلاد غير الإسلامية المتحضرة قد أخذ بمبادئ الإسلام لكان أسوة حسنة، وانظر إلى عاصمة واحدة من عواصم الدول الغربية تجد فيها أكثر من 63 سفارة إسلامية، وكل سفارة يعمل فيها جهاز يزيد على العشرين، هب أن هؤلاء كانوا أسوة إسلامية في السلوك والمعاملات في عاصمة غير إسلامية، حينئذ يجد أهل ذلك البلد جالية إسلامية ملتزمة ولم تفتنها زخارف المدنية: لا يشربون الخمر، ولا يرقصون، ولا يترددون على الأماكن السيئة السمعة، ولا تتبرج نساؤهم، بالله ألا يلفت النظر سلوكُ هؤلاء؟ .

لكن ما يحدث للأسف هو أن أهل الغرب على باطلهم غلبوا بني الإسلام على حقهم وأخذوهم إلى تحللهم، وهذا الاتباع الأعمى يجعل الغربيين يقولون: لو كان في الإسلام مناعة لحفظ أبناءه من الوقوع فيما وقعنا فيه.

إذن الإحسان من المسلمين أكبر دعاية ودعوة إلى دين الإسلام، إن الحق يقول: «إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين» والحب كما نعرفه هو ميل قلب المحب إلى المحبوب، وذلك الأمر يكون بالنسبة للبشر، لكن بالنسبة للحق هو تودد الخالق بالرحمة والكرامة على المخلوق، والحق سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يكونوا على خُلقه، فكما أن الله أحسن كل شيء خلقه «الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» يريد من عباده وقد تفضل عليهم بالعقل المفكر فيخطط، وبالطاقات فتبرز التفكير إلى عمل يريد الحق منا أن يكون رائدنا في كل عمل أن نحسنه، حتى نكون متخلقين بأخلاق الله، فتشيع كلمة (الله) هذا اللفظ الكريم الذى يستقبل به الإنسان كل جميل في أي صنعة فيقول: (الله).

إذن تشيع كلمة (الله) نغمة فى الوجود تعليقاً على كل شيء حسن، حتى الذى لا يؤمن بذلك الإله يقول أيضاً: (الله)، كأن الفطرة التى فطر الله الناس عليها تنطق بأن كل حسن يجب أن يُنسب إلى الله سواء كان الله هو الذى فعل مباشرة كالأسباب والكونيات والنواميس، أو خلق الذى فعل الحسن، فكل الأمور تؤول إلى الله.

ولو علم الذين لا يحسنون أعمالهم بماذا يحرمون الوجود لتحسروا على أنفسهم، وليتهم يحرمون الوجود من كلمة (الله)، ولكنهم يجعلون مكان (الله) كلمة خبيثة فيشيعون القبح فى الوجود، وحين يشيع القبح فى الوجود يكون الإنسان فى عمومه هو الخاسر.

فقول الله: «إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين» تشجيع لكل من يعمل عملاً أن يحسنه ليكون على أخلاق الله.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة