خالد محمود
خالد محمود يكتب: « عيلة اتعمل لها بلوك ».. صبحى يضحكنا ويبكينا ويدهشنا !
الجمعة، 19 مايو 2023 - 11:05 ص
هل حقا يسبح الفنان الكبير محمد صبحي ضد التيار !
السؤال الكبير ظل يطاردني طوال عرض مسرحيته الجديدة “عيلة اتعمل لها بلوك”، ومع آخر مشاهدها، قلت لنفسي “إنه يسير مع التيار نفسه الذى أبغيه في رسالة الفن السامية التي أنشدها، مشتبك مع واقع، محفز لفكر، يستنهض أحلام، فن يضحكنا ويبكينا ويدهشنا ويمتعنا، فن يوقظ بداخلنا أنفسنا التي كادت أن تعصف بها متغيرات عصر”.
لطالما أعتبر الفنان محمد صبحي أن أعماله المسرحية تسبح ضد التيار بتقديم عروض جادة تحمل هم الوطن في موضوعاتها، تحترم عقل ورغبات الجمهور في مشاهدة ممتعة بكل مفرداتها الفنية، وفي الوقت نفسه تحافظ على هويته، هذا ما لمسته بالفعل في العرض الجديد، وأعترف أنني ضحكت وبكيت، وسط آهات إعجاب كبرى بما شاهدته على خشبة المسرح .
المسرحية الكوميدية الغنائية التي يقوم ببطولتها ويخرجها محمد صبحي، تتطرق إلى سؤال مهم “ماذا حدث للمصريين؟”، من خلال لوحات فنية ثرية ومدهشة بحوارها وغنائها، عبرت بنا فوق أطلال انكسارات اجتماعية متتالية أمام تأثير انفتاح اقتصادي وهوس تكنولوجي غير مسار الشخصية والأسرة سلوكا ومزاجا وإهتماما وحتى غير في رحلاتها النفسية والوجدانية، وجعلها فريسة للتنازلات، وصولا في النهاية إلى إعلاء شأن الإحساس بالوعي والأمل، بأننا مازلنا نملك الحلم على تجاوز خطايا ومحن وضعنا فيها الزمن بفعل فاعل معلوم .
تتبع العرض حياة أسرة مصرية عبر أزمنة مختلفة من تاريخ مصر الحديث، حيث نشاهد الفنان محمد صبحي خلال العرض في 4 شخصيات، انطلاقا من “زينهم” عام 1927 زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر ونضال سعد زغلول، وصولا إلى العصر الحديث، الذي طغت عليه متاهات الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الحديثة، لدرجة يتحول البشر إلى أرقام، ويستمر عبر الحقب التاريخية المتتالية بين الأب والابن والجد، راصدا الأحداث والملاحم الوطنية، والحرب والهزيمة والنصر، مرورا بالإستنزاف وبناء السد العالي، كل حدث كان هناك مغزى ورائه، قدم على المسرح بذكاء، وكم كانت لحظة وفاة سعد زغلول مؤثرة، والمعركة ضد الاحتلال مستمرة، وتأثير كل حدث، ولم يكن التركيز في المسرحية مجرد إلقاء تأثيرات أو مجرد مرور كمرور الكرام، لكن كل حدث والمغزى منه، وحينما جاءت هزيمة يونيو 1967، كان الرد حاسمًا: “سنحارب ولن نستسلم”، وكان الإستعداد للنصر الحتمي أهم من البكاء على أطلال الهزيمة.
واحتفى العمل بنصر أكتوبر وتغنى به، ثم أدان اغتيال السادات في ذكرى النصر، كما أنتقد بشدة الانفتاح وسياسته وضحاياه وتأثيره المستمر حتى اليوم .
المهم أن الحياة مستمرة، والتمسك بالوطن أيضا، وهو ما عبرت عنه كلمات الأوبريت المدهشة وموسيقاه الشجية “ومازال الحلم قائم.. يعني لازم.. أيوه لازم.. يبقى فيه وقفة بصدق.. يبقى فيه وقفة بحق.. يبقى فيه نظرة على الماضي وزمان.. اللي عدى واللي كان.. عايزين نقوله لأجل الوطن.. ضحينا وتعبنا وموتنا فداه.. عايزة أقوله الوطن هو الحياة.. أنا مهموم والحلم في قلبي.. أقفوا معايا وخليكوا جنبي.. ثم إلحق قبل اليوم ما يفوت.. عمر بلادي في يوم ما تموت.. عمر بلادي في يوم ما تموت”.
كان لتوهج الفنان محمد صبحي ورؤيته الفنية كأداء وإخراج، متعة خاصة لمسرح اشتقنا إليه، عبر نص واعي لمصطفى شهيب طاف بنا لـ100 عام، وقد ترك هذا التوهج تأثيره الكبير لتألق نجوم العرض الموهوبين الذين أدركوا رسالة ذلك المسرح في تناغم واضح، وفي مقدمتهم الفنانة وفاء صادق، ومعها كمال عطية، مصطفى يوسف، محمد يوسف، محمد سعيد، رحاب حسين، داليا حسن، منة طارق، ليلى فوزي، محمود أبو هيبة، محمد شوقي طنطاوي، أنجيليكا أيمن، مايكل وليم، لمياء عرابي، حلمي جلال الدين، داليا نبيل، محمد عبدالمعطي، وليد هاني والطفلان عبدالرحمن محمود ومريم شريف،
وشكلت أشعار عبدالله حسن، وموسيقى وألحان شريف حمدان وديكور محمد الغرباوي سيمفونية مسرحية خاصة، موحية بتلك الروح التي جعلت الجمهور يسكن أجواء العرض متفاعلا مع الفكر المطروح، كما قدمت المسرحية مواهب غنائية مدهشة تجاوزت مسألة أن تكون “السح الدح أمبو من الكلاسيكيات”، على الأقل فى وجدان المشاهد، وكذلك لعب ديكور محمد الغرباوي دورا أصيلا، ونحن نرى كيف ظهرت المكتبة في كافة المراحل كرمز، لكنها بيعت جراء توابع أطماع الانفتاح، وفي كل المراحل .
دون شك العرض قيمة فنية تستمر مع الزمن، خلاصتها إنه قد تم عمل “بلوك” على أجمل ما فينا، في الماضي، وحان الوقت لاستدعاء ذلك الجمال من جديد.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة