محمود الورداني
محمود الورداني


محمود الورداني يكتب: أبونا وليم وأنا

أخبار الأدب

الأحد، 21 مايو 2023 - 04:40 م

ليس مصادفة أبدا أن ينعقد كل هذا الإجماع على محبة واحترام أبونا وليم سيدهم الذى غادرنا الأسبوع الماضي. ليس من قبيل المصادفة أيضا هذا الطابع الشخصى الذى غلب على أغلب مانُشر عنه، فالرجل كان صديقا لكثيرين وترك أثرا بعلاقاته الشخصية.

  لو تأمل الواحد دور الرجل وسيرته العطرة، فسوف يلحظ أنه دخل الرهبنة عام 1972 وحصل على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة، ثم الماجستير من السوربون، وكان موضوع رسالته «فلسفة التأويل عند ابن رشد»، وعمل بعدها مدرسا فى مدرسة العائلة المقدسة.

اقرأ أيضاً| محمد شاهين يكتب: سعد زغلول يكتب لصديقه ولفرد بلنت

والمعروف أنه كان من أوائل المتضامنين مع ثورة 25 يناير، وانضم إلى متظاهرى ميدان التحرير، وأصدر بالفعل كتابه «يوميات كاهن فى زمن الثورة» عن الفترة بين 2011 و2013.

 انشغل الرجل بالعمل الفكرى وأصدر 21 كتابا، من بينها كتابه «لاهوت التحرير» الذى احتفى بتجارب الرهبان الذين اختاروا الانضمام لقطار الثورة، والانخراط فى محاولات شعوب ومنظمات ثورية عديدة فى أكثر من بلد للتحرير والمقاومة.

وبعد تقاعده تفرّغ لتحقيق حلم حياته. أسس جمعية النهضة  للفنون والآداب، واقتطع لها مكانا صغيرا ملحقا بالمدرسة وبدأ نشاطا فنيا لا أظن أن هناك مكانا رسميا أو أهليا حقق ماحققه. وقد أنشأ أكاديمية صغيرة ونظّم ورشا تعلم فيها شباب الفنانين فى القاهرة، ثم فى أسيوط والأقصر، فنون السينما والمسرح، وتخرج فيها دفعات نفذّ طلابها مشاريع ليكتسبوا التجربة العملية.

ولم يكن كل هذا معروفا لدىّ عندما التقيت به للمرة الأولى قبل ثلاث سنوات تقريبا. كنت محكما فى جائزة يحى حقي، ووافق أبونا وليم على استضافة اجتماعات لجنة الجائزة فى جمعية النهضة. وأُبلغت بمكان الاجتماع وتوجهت إليه بالفعل.

وكان المقر ضيقا فقيرا يشغل طابقين فى الفجالة، لكنه خلية نحل وممتلئ بشابات وشباب فى الممرات والقاعات صغيرة التى  تواجهك فى كل مكان. رحبّ بى أبونا وليم ولم أكن أعرفه ولا أعرف صلته بالمكان. رحنا نتجاذب أطراف الحديث وهو جالس بملابسه البسيطة مجرد قميص وبنطلون، ويرتدى شبشبا فى ساقيه ويتوكأ على عصا. سار الحديث بيننا سهلا، وبدا وكأننا نواصل حديثا كنا قد بدأناه من قبل.

الرجل يملك هذا السلام الداخلى والتواضع والحياء ويستطيع أن يتواصل معك بسهولة. وفجأة تذكرت أن صاحبى الكاتب والمترجم بدر الرفاعى كان قد حدّثنى طويلا عنه، فهو صديقه منذ كان يعمل بالتدريس فى المدرسة التى يدرس فيها إبن وبنت بدر، وانعقدت بينهما صداقة عميقة، وسافرا معا إلى سيوة، وبينهما ود لاينقطع منذ أن كان بدر يتردد على المدرسة لمتابعة ابنيه.

وانتهزت فرصة توقف الحديث بين أبونا وليم وبينى وسألته هل يعرف شخصا إسمه بدر الرفاعي؟.. وهكذا بدأت العلاقة بيننا. لاحظت إلى أى مدى يحب الرجل مهمته السامية: تعليم الفنون، وكم كان فخورا إلى حد الزهو بما حققته أكاديميته الصغيرة.

وكان مهتما بشدة بأن يشرح لى عدد كل دفعة من الدفعات، وعدد الطلاب فى كل قسم على حدة، والأعداد التى كانت قد تخرجت من قبل، فى الوقت الذى يقتحم فيه جلستنا طالبات وطلاب يسألون أبونا وليم عن هذا الأمر أو ذاك، وهو حاضر دائما وقادر على أن يحل المشاكل الطارئة بكل سهولة ويسر دون أن يتوقف عن الحديث معي.

مرات قلية هى التى التقيته فيها، أهدانى خلالها كتابين له، ولكم اشعر الأن أننى سعيد الحظ، بإتاحة هذه الفرصة الخاطفة والتعرف إلى رجل يملك كل هذه المحبة والاحترام فى قلوب من يعرفونه. وداعا أبونا وليم .. لروحك السلام...

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة