أمل دنقل
أمل دنقل


أب أم ضمير شعري؟.. كيف ينظر الشعراء الشباب لأمل دنقل؟

أخبار الأدب

الأحد، 28 مايو 2023 - 09:48 م

 

ليس هناك من الشعراء، من لم يتأثر فى بداياته بشاعر آخر سبقه فى التجربة، سواء كان هذا الشاعر الذى تأثر به حيًا أو ميتًا، أو ابن بيئته أو بيئة أخرى، وسواء أيضًا كان هذا الشاعر الذى تأثر به يكتب جنسًا آخر من الشعر الذى يفضله أو الجنس ذاته.

وفى حالة أمل دنقل، فنكاد نجزم ألا أحد من شعراء جيله أو الأجيال التى تلته حتى يومنا هذا لم يتأثر به، ولم يتخذه أبًا شعريًا له، حتى لو سرًا، فتجربة أمل جديرة بالتوقف أمامها والتحديق فيها طويلًا، تجربة أيضًا تثير الغبضة داخل المرء، فما من شاعر لا يطمح فى أن تكون قصيدته عابرة، وقادرة على التأثير فى الناس، وفى الوقت القريب رأينا كيف كان الناس يرددون فى الثورات مقاطع شعرية لأمل دنقل، كأنه كتبها لهم خصيصًا.

اقرأ ايضاً| إيهاب بسيسو يكتب: أمل دنقل أو المجدل «كلمات سبارتكوس الأخيرة» 


توجهنا هنا لعدد من الشعراء الشباب، ليحكوا عن علاقتهم بأمل دنقل، كيف يرونه، وهل يمثل لهم أبًا شعريًا، وضميرًا حيًا بداخلهم؟ فالأبوة الشعرية ليست بالضرورة أن تمارس فوقية أو تسلطًا أو بطريريكية على الشاعر الشاب، ولكنها من الممكن أن تكون مرشدًا وضميرًا حيًا لحظة الكتابة، ولحظة أن يقرر الشاعر أن ما كتبه ليس جديرًا بأن يقرأه الناس.

أمل دنقل، هذا القطب الكبير، الفارس العربى، والشاعر المؤسس، لا أعرف ماذا يمكننى أن أتخذه جسرًا للعبور إلى الحديث عن أمل دنقل؟! 


الشاعر الفذ، الذى تعيش تجربته طويلًا هو الذى لا ينفصل وعيه وإنتاجه عن تراثه وراهنه، قوميًا وإنسانيًا، وهو الذى لا تنظر قصيدته أسفل قدميها، ولا تظل مثبّتةً عينيها على الماضى، وإنما يأخذ من الماضى ما يُثرى به الحاضر، ويتأملهما معًا ليستشرف المستقبل، وهذا ما فعله ببراعةٍ مذهلةٍ أمل دنقل.


عرفته رافضًا بنبرته الحادة وخطابه اللاذع، مُدليًا بدلوه فى ما يحيط به من أحداث بلا مداهنة ولا مهادنة، عرفته مُعتدًّا بنفسه، محترمًا لذاته وتجربته، مُخْلصًا لثقافته، قارئًا لغده ببصيرة عرّاف حاذق.


مثَّل لى أمل دنقل مشكلةً منذ عرفته، لأننى اصطدمت بتجربة حقيقية فى هذا النمط الجديد من الشعر الذى اسمه «قصيدة التفعيلة» رغم أن الشكل لا يعنى لى شيئًا، ولا يكون بحال من الأحوال سببًا للحكم على تجربة أحد، إلا أنه فى حالة دنقل لا بد من الوقوف أمامه قليلًا، لأنه أجاد التحليق والرقص والوثب، بينما سلاسل الإيقاع تحاول أن تمسكه، فتفشل فى ذلك! وعليه، فقد أخذت أضع بقية التجارب الشعرية المجايلة له واللاحقة عليه فى مقارنة معه، وأصبحت أرى فى قصيدته ذوقى لامعًا، ذوقى كلمة أعنى بها أننى لو كتبت شعرًا لتمنيت أن أكتب قصيدته! 


بالرغم من أن أمل دنقل تأثر بنزار والماغوط على سبيل المثال، إلا أنه عاد وانتصب مرة أخرى، مثل طائر الفينيق، مجددًا ذاته وروحه، وهكذا فعل كل الشعراء الكبار. أمل مثقف حقيقى، يعرف ثنائية الأصالة والحداثة، ولا ينحاز لأى منهما، وإنما الحضارة طائر يطير بجناحين، هما: الأصالة والحداثة معًا. وذلك على حد تعبيره.


من وجهة نظر فنية، فإن أمل دنقل فى مصاف شعراء الحداثة العربية، وذلك ليس لأنه ولد فى زمن ما، سمح له بأن يُحسب من جيل الروّاد، وإنما لأن قصيدته حيّة وباقية، ذلك لا يتأتَّى لكل أحد، لأنه يحتاج إلى تخطيط وهندسة للمشروع الكتابى، فلا مقعد شاغر فى قاعة الخلود لمن يعتمد فى مشروعه على الخبط عشواء. ما يميّز تجربة أمل أن جملته حادَّة ومكثَّفة ومكتنزة بالدلالة، تعلق فى الذهن، وتمس الروح، ليس لأنها جملة شعرية بامتياز، وإنما لأنها مبلَّلة بماء القلب.


أعتقد أن أمل دنقل استطاع أن يحفر اسمه فى الوجدان العربى، والشعرية العربية، بحروف من ذهب، لأن مشروعه الشعرى -فى وجهة نظرى- قريب من فكرة التكامل، من حيث: موضوعاته، أساليبه، معالجته، ثقافته، رؤيته للماضى والحاضر والمستقبل، ذاتيّته، حسّه التجريدى، لا سيما فى المجموعة الأخيرة، كتب للعامة مثلما كتب للنخبة، ناقش القضايا الكبرى فى زمنه، كما اهتم بأدق التفاصيل فى نفس الإنسان، كل ذلك كان مؤدَّاه أن أمل دنقل صار فارسًا كبيرًا فى ميدان الشعرية العربية، وشاعرًا جعل المهمة صعبة على من سيأتى بعده.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة