أمل دنقل مع نصار عبدالله وجابر عصفور
أمل دنقل مع نصار عبدالله وجابر عصفور


الضوى محمد يكتب: الأب الأيقوني

أخبار الأدب

الأحد، 28 مايو 2023 - 10:22 م

على مدار سنواتٍ ثلاثة مضت، أقرر نص (الجنوبى- الورقة الأخيرة) مثالًا لقصيدة التفعيلة على طلاب ليسانس الآداب وليسانس التربية بجامعة المنيا، أتتبع معهم مظاهر تطور القصيدة الموزونة فى ذلك النص، لتتحرر جزئيًا من النظام العروضى التقليدى، على مستوى ثبات عدد التفعيلات فى البيت الواحد، وثبات التقفية، وثبات الشكل الطباعى للبيت السطر الشعرى، وأرصد معهم كيف استطاع أمل تضفير ما أطلقُ عليه (إيقاع التشكيل الطباعى)، مع (الإيقاع الصوتى)، مع (الإيقاع التصويرى)، ليصنع بهم معًا وَحدةً شديدة التآلف والدقة والنفاذ والشاعرية، كأنها نصلُ بلطة، تقطع ضبابية المخيلة، باللمعان البرّاق، والأثر الناجز الفذّ.


أمل دنقل أميز من أن يكون أبًا شعريا لى، لأن عادة علاقاتنا بالآباء الشعريين فى بداية مشاريعنا الشعرية، أن نحبهم فنقلدهم، ونظن فى تقليدنا لهم أننا نكتب أنفسنا، بينما يكون واضحًا لغيرنا -وليس لنا- أننا نكتب كتابة تشبه كتابتهم، أما أمل فشاعر أيقونى، يكتب بثقة مُفرطة، ثقة تقول للقارئ هذا هو الشعر «أيها الشعر يا أيها الفرح المختلس!» وهذه الثقة المستحقة تجعله واضحًا فى طريقته، فى رؤيته، فى طريقة صياغته للجملة، واختيار المفردات، فى طريقة التصوير، فى التقفية (خاصة القوافى الساكنة) كل هذا يجعل الذين يتخذونه أبًا شعريا -إن كانوا ذوى مواهب حقيقية واعتداد بما يقدمونه- لا يسمحون له بالمرور عبر مسام كتاباتهم، لأن وضوح أسلوبه هذا أجلى من أن يتماهى فى كتابة أحدهم دون أن يلتفت.

اقرأ ايضاً| عبدالله العقيبي يكتب: صوت الصارخ من قلب الطوفان

ويراه من يقلده فى كتابة نفسه قبل أن يراه غيره فى كتابته، ولا يغض الطرف عن هذا فيسمح لنفسه بتقليده إلا متغافل دَعِى، أو عاجز عن تجاوز أثره الواضح، لكن مع ذلك فإن مثل أمل إن جاز أن يُسمّى أبًا شعريًا، بالمفهوم الصحى للاصطلاح، الذى لا يجعل الأب شَرَكًا للأبناء، فإن أمل دنقل هو الأب الأيقونى، الأب الذى تطمح أن تبلغ ما بلغ، لكنك لا تجرؤ على تقليده، لأن تقليد الأيقونة سيرٌ فى ركبها، والشعر ليس للسير فى دروب الآخرين، الشعر الحق، الذى يصدر عن الشاعر الحق، دربٌ وَحدَهُ.

وإن كنتُ قد تأثرتُ بأمل فى شىء، ففى نظرته للتراث بوصفه معينًا للرؤية والتشكيل، فالطريقة التى توجه بها للتراث العربى، والمسيحى، والإسلامى، كل منهم على حدة، طريقة خلابة تُضىء للمبتدئ، وتعينه على استكشاف منابع ينهل منها إذا أراد أن يشكل الشعرى من زاوية رؤيةٍ تخصه هو، تأثرت به أيضًا فى ولعه بالمشهدية فى شعره، ولعه بعدسة الكاميرا أداةً لتشكيل الصورة الشعرية، بتقديم ما أسميه بـ (القصيدة السيناريو)، أمل شاعر عظيم، إنه أحد أهم ثلاثة أو أربعة أسماء فى الشعرية العربية الحديثة والمعاصرة، دون مبالغة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة