طالب الرفاعي
طالب الرفاعي


في الكويت.. بدأت رحلتي لاكتشاف عالم «طالب الرفاعي» وأبطاله

أخبار الأدب

الثلاثاء، 13 يونيو 2023 - 04:03 م

مرت أكثر من ثلاث سنوات على مغادرتى للكويت، ولكن تلك الذكريات الثمينة والصور، التي لا تنسى، لا تزال تظهر دائما في خاطرى؛ قاعات الجامعة، سوق المباركية، أبراج الكويت، متحف الكويت الوطنى، بيت السدو، حديقة الشهيد، متحف طارق رجب، أشجار النخيل الخضراء، والبحر الأزرق.. كل ذلك يحثنى على كتابة شىء ما حول قصتى مع الكويت.

حياتى الدراسية كطالبة صينية وافدة فى جامعة الكويت

وفى أواخر شهر أكتوبر من عام ٢٠١٨، سافرت مع أصدقائى الصينيين من بكين إلى الكويت، حاملة تصورات وتطلعات إلى الحياة فى الكويت خلال الأشهر العشرة المقبلة، وذلك تحت برنامج تبادل الطلاب الوافدين بين الحكومة الصينية والحكومة الكويتية.

اقرأ أيضاً |  أحمد فؤاد الدين: لا أكتب إلا عن نفسي

سكنت أنا وزميلاتى فى سكن الطالبات لجامعة الكويت فى منطقة «كيفان»، وكنا نركب باص السكن إلى مركز اللغة الواقع فى منطقة «الشويخ» كل يوم. لا أزال أتذكر بعض التفاصيل فى فصل المستوى الخامس: تتكون المهام الدراسية من ثلاث مراحل وهي: المرحلة الدراسية الأولى، المرحلة الدراسية الثانية، والمرحلة الدراسية الصيفية بعد شهر رمضان. أما المواضيع، فهى؛ تراث الثقافة العربية، الشعر العربى، تطورات المجتمع العربى، الدين والمجتمع، الأدب والفنون، العامية الكويتية وغيرها.

بالإضافة إلى ذلك، استمعنا أنا وصديقاتى أحيانا إلى بعض المحاضرات فى كلية الآداب، قسم اللغة العربية فى منطقة كيفان. وفى تلك الأيام، ساعدتنى الصديقات العربيات، اللاتى تعرفت عليهن فى كلية الآداب كثيرا، سواء فى دراسة اللغة العربية وآدابها أو فى أمور الحياة.

وفى وقت الفراغ، شاركت مع زميلاتى من مختلف الدول فى الأمسية الشعرية التى أقيمت فى «رابطة الأدباء الكويتيين» للشاعرين جعفر الحجاوى وعائشة العبد الله، والنشاطات الممتعة التى أقيمت فى الجامعة بمناسبة العيد الوطنى الكويتي.

جدير بالذكر أننى وجدت كثيرا من الكتب الأدبية الكويتية فى مكتبتى الشويخ وكيفان، وجمعت بعض المصادر المتخصصة التى لا أستطيع الحصول عليها فى الصين، منها روايات إسماعيل فهد إسماعيل، ليلى العثمان، طالب الرفاعى، ديوان سعاد الصباح، وأعمال الدكتور سليمان الشطى وغيرها من العلوم اللغوية والاجتماعية. وأخيرا، جذبنى توقيع الكاتب طالب الرفاعى على كتاب «سرقات صغيرة» فى مكتبة الشويخ، الأمر الذى حثنى على البحث عن ذلك الأديب المملوء بالسحرية والجمال، وكتابة بحث حول روايته الممتعة «فى الهنا».

لقاءاتى مع طالب الرفاعى

أتذكر بشكل واضح أن اليوم الذى التقيت فيه بأستاذ طالب لأول مرة هو اليوم الثانى من شهر يناير عام ٢٠١٩، حيث أنه ألقى فى ذلك المساء محاضرة عن الأدب الكويتى فى رابطة الأدباء الكويتيين. وفى نهاية المحاضرة، طرح الحاضرون والمهتمون بالأدب بعض الأسئلة حول العلاقة بين الأدب والمجتمع، الأمر الذى شجعنى على طرح السؤال أيضا. كنت متوترة جدا أمام الحاضرين، لكننى سمعت فى نفس الوقت صوتا قويا فى قلبى يخبرنى بأننى أحتاج إلى بعض التغيير.

ولم يخطر ببالى أنّ الأستاذ طالب أجاب على سؤالى بكل مودة واحترام، وقال إنّ اهتمام الصينيين والأجانب بأعماله الأدبية ليس شرفا فقط لنفسه، بل شرفا لوطنه الكويت أيضا، الأمر الذى ترك بصمة عميقة فى نفسي. وبعد انتهاء المحاضرة، صافحنى الأستاذ طالب الطويل القامة بمحبة وابتسامة، وبطلبى أعطانى رقم هاتفه للاتصال، وكل هذه التصرفات المؤدبة تشعرنى بالصفات الحميدة التى يتحلى بها الكاتب.


وفى شهر رمضان، زرت الأستاذ طالب فى مكتبه فى مبنى «المدرسة القبلية» التابع للمجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب فى منطقة المباركية، وذلك بمساعدة ومصاحبة أستاذى العزيز عباس الدشتى، مدير متحف طارق رجب. طرحت له أسئلة كتبتها سابقا حول روايته «فى الهنا» التى سأبحث عن تقينة السرد الفضائى فيها فى وقت لاحق، ولم يجب الأستاذ على جميع الأسئلة من الناحية الأدبية فقط، بل شرح لى حتى «السر» الذى يختفى فى هذه الرواية.

فى ذلك الحين، انتهيت من الجولة الأولى لترجمة الرواية إلى اللغة الصينية، فوافق الأستاذ طالب مبتسما على نشرها فى الصين. وبعد نحو شهرين، وفى اليوم الرابع من شهر أغسطس، يومين قبل مغادرة الكويت والعودة إلى الصين، التقيت بأستاذ طالب مرة أخرى فى مكتبه، حيث قال لى عند وقت التوديع أننا سنلتقى «هناك» فى الصين يوما ما فى المستقبل، مما خلق تطلعات حلوة بيننا.

تجربتى لترجمة الروايتين الكويتيتين إلى الصينية

لقد انتهيت حتى الآن من ترجمة روايتين للأستاذ طالب الرفاعى، الأولى هى رواية «فى الهنا» التى تمَّ إدراجها على قائمة الجائزة العالمية للرواية العربية عام ٢٠١٦. أما الثانية، فهى رواية» النجدي» التى تمَّ إدراجها على قائمة الجائزة العالمية للرواية العربية عام ٢٠١٨، وتُرجمت للعديد من اللغات العالمية.

تتحدث رواية «فى الهنا» عن قصة فتاة كويتية شيعية «كوثر»، التى وقعت فى حب رجل سنى متزوج «مشاري»، الأمر الذى أدّى بها إلى ترك البيت تحت الضغوط الاجتماعية، لتتجه نحو المستقبل المجهول بوحدها. التحدى الأكبر الذى واجهنى فى عملية الترجمة هو الخلاف اللغوى والثقافى بين اللغتين الصينية والعربية، واختيار الأسلوب المناسب للتعبير عن عواطف البطلة الحسّاسة والعوالم النفسية للشخصيات الرئيسية فى هذه الرواية التى تجسّد سعى المرأة العربية وراء الحرية والاستقلال، وفى تلك الأيام، كنت أفكر دائما كيف أترجمها بشكل أجمل كى يفهمها القراء الصينيون بصورة أفضل.

وفى رأيى أنّ عملية الترجمة هى فى الواقع عملية «الكتابة من جديد»، فهى لا تحتاج إلى القدرة اللغوية الكافية والمعلومات المتخصصة فحسب، بل تحتاج أيضا إلى البحث والصبر والمثابرة والحب تجاه الأدب العربي. هذه هى الصفات اللازمة التى يجب أن يتحلى بها المترجم الكفء. بحثت عن كثير من الكتب والمعلومات على الإنترنت التى تتعلق بالعناصر الثقافية والدينية فى الدول العربية بشكل عام، وفى دولة الكويت بشكل خاص، بالإضافة إلى أعمال التنقيح والمراجعة مع المؤلف التى استمرت أكثر من سنة. على الرغم من مواجهة كثير من الحالات غير المؤكدة بسبب انتشار وباء كوفيد-١٩ والضغوط الدراسية والنفسية التى واجهتنى تلك الأيام، لم أترك أملى لنشرها باللغة الصينية، ولم تنقطع أيضا الاتصالات بينى وبين الأستاذ طالب على الإنترنت. وتحت مساعدة وتشجيع أستاذتى المشرفة للماجستير، تمَّ نشر هذه الرواية المترجمة أخيرا فى شهر سبتمبر عام ٢٠٢١، بدار «world affairs press» الصينية الرائدة.

أما رواية «النجدي»، فعجبتنى أكثر بعد قراءتها، وهى رواية تختصر مشاهدها السردية الساعات الأخيرة التى عاشها النوخذة الكويتى على ناصر النجدى وصديقاه سليمان وعبد الوهاب الهولى على سطح قارب الصيد، لتقدّم حكاية إنسانية باقية لعلاقة الإنسان بعشق البحر. ولقد استوقفنى كثيراً ترجمة الرواية للغات عديدة منها: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والتركية.

فى الواقع، بدأت قصة ترجمتها فى يوم من أيام الجمعة عندما كنت أدرس فى الكويت. تجولنا أنا وزميلتى الإيرانية ذلك اليوم فى مكتبة ذات السلاسل. عندما رأينا «النجدي» على رف الكتب، سألتنى عما تتحدث هذه الرواية، فشرحت لها بالتفاصيل. وقف أحد موظفى المكتبة بجانبنا بابتسامة واستمع إلى شرحى لهذه الرواية لوقت طويل، ثم قال لى إنه لم يشهد فتاة أجنبية تستطيع أن تشرح رواية عربية باللغة العربية بشكل دقيق، الأمر الذى شجعنى كثيرا ودفعنى إلى ترجمتها بعد عودتى إلى الصين.

وقد بدأت أعمال ترجمة «النجدي» فى شهر يوليو عام ٢٠٢١، أى شهر قبل نشر الرواية السابقة «فى الهُنا» بشكل رسمي. بعد نشر الرواية الأولى بنجاح فائق، كسبت المزيد من التجارب حول الأسلوب اللغوى للكاتب، فوضعت لنفسى مقاييس عليا لرفع جودة الترجمة، بما فيها المشاهد الجوهرية السردية، الحوار بين الشخصيات الرئيسية، وصف الكاتب للمناظر البحرية، مونولوج بطل الرواية وتغيير الزمان والمكان.... كل ذلك يحتاج إلى بذل المزيد من الجهود الدؤوبة والبحث عن المعلومات المتعلقة ببيئة الكويت قبل النفط، وعلاقة الكويتيين بالبحر، والدين والأغنية البحرية الكويتية وأسماء الأماكن الجغرافية الموجودة فيها... نعم، قد تكون هذه العملية شاقة وصعبة فى عيون الكثيرين، إلا أنّ السعادة الهادئة كسطح البحيرة تصحبنى دائما عندما أتفحص الصفحات المترجمة. وبعد وقت طويل من الترجمة والتنقيح، من المتوقع أنّ القراء الصينيين سيقرأونها هذا العام. 

انتهت دراستى فى الكويت قبل ثلاث سنوات، إلا أنّ قصتى مع الأدب الكويتى، ومع كاتب الكويت الأول طالب الرفاعى لم تنته ولن تنتهي. كلما فتحت الكتب الأدبية العربية التى جمعتها فى الكويت، سمعت دائما صوتا خفيا، كأنه ينادينى إلى الاستمرار فى البحث والاكتشاف والترجمة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة