إمانى ضرغام
إمانى ضرغام


يوميات الأخبار

الحكاية .. حكاية شعب

أماني ضرغام

السبت، 01 يوليه 2023 - 10:59 م

فى مساء 30 يونيو وبعد يوم حافل بالأحداث والإرهاق والتعب.. كنا محبطين.. يائسين.. فقد كان كل واحد من الـ 33 مليون مصرى يشعر أن نزوله فى سبيل استرداد مصر لا بد أن تكون نتيجته فورية بالإطاحة بنظام الجماعة وإعلان المشير السيسى رئيسا للجمهورية ولكن المشير لم يفعلها!

الثلاثاء 25 يونيو 2013

تفتكر الناس حتنزل معانا؟ الناس خايفة من الإخوان أصلهم لسانهم طويل على السوشيال ميديا، وإيديهم مليانة بارود ورش، تفتكر حيسكتوا على كتابتنا على جدران المبانى واليفط والأعلام اللى فى البلكونات بتقول ارحل يا مرسى ولا لحكم المرشد؟ أسئلة كثيرة كانت تدور فى كل بيت لكن الحمد لله كان الوطنيون الذين يخافون على بلدهم أكثر..

حننزل؟ سؤال حائر لم يكن أحد يجيب عنه.. كل يضمر فى نفسه الإجابة ولا يقولها، فى هذا اليوم كنت عائدة من مدينة الإنتاج الإعلامى ونفد بنزين سيارتى إلا قليلا..

وأخذت أبحث عن محطة بنزين بها بنزين ولم تغلق مداخلها وأسفل كوبرى أكتوبر فى منطقة العجوزة عرفت أن الطابور الذى ينتهى هنا بدايته محطة البنزين فى ميدان الجلاء بالدقى..

فوقفت.. كان الطقس حارا رغم أننا بعد العصر وإذا بسيدة كبيرة تقف على جانب الطريق، يمد لها كل عابر يده بورقة ويأخذ منها ورقة ثم يعيدها إليها، شدنى المنظر فسألتها ماذا تفعل؟ قالت لى: دى استمارات حملة تمرد..

لو مكنتيش عملتى استمارة لازم تجيبى صورة بطاقتك، قلت لها: تصورى زوجى طبع على حسابه الشخصى أكثر من 100 ألف استمارة تمرد وكمان استضافهم وفرد لهم 6 صفحات من الجريدة التى يرأس تحريرها تتحدث عما يفعلون، وعندما قلت له امضى استمارة بدالى قال لى لا دوَّرى عليهم انت وامضى استمارة..

ضحكت وهى تشير لى على كشك قريب يمكننى فيه تصوير البطاقة، وأول ما مضيت استمارة تمرد تنفست الصعداء، و لم أنس أن أحدث زوجى بالتليفون أقوله ربنا وفقنى الحمد لله ومضيت استمارة تمرد ليقابل ما أقوله بضحكة وفرحة ويقول لى: احكى لى بقى السيدة الفاضلة دى شكلها إيه والناس مقبلة على التوقيع ولا لسه شوية، وأكمل: تمرد خلال أيام حتسلم ما يفوق 20 مليون استمارة للمحكمة الدستورية.

الثلاثاء 26 يونيو 2013

كنا فى ذلك الوقت كأسرة تركنا الشقة التى نسكنها فى شارع متفرع من شارع مكرم عبيد، لأن العمارة تقع بجوار مسجد هو مصلى قيادات الجماعة والذى تخرج منه المظاهرات بعد صلاة الفجر لتسب كل من يقف ضد الجماعة الإرهابية وطبعا أصابنا من حبهم الكثير والكثير جدا كمان، وتركنا بيتنا واضطررنا أن نعيش فى مكان بعيد عن جامعة ابنتنا ومدرسة أولادنا بناء على تعليمات الأمن فقد كان اسم زوجى -رحمه الله- موضوعا على قوائم الاغتيالات؛ كل القوائم وليس قائمة واحدة، كان زوجى لا يهمه وضع اسمه ولا حتى اغتياله بالعكس كان يتمنى الموت شهيدا فى سبيل الوطن فلا معنى لتركنا البيت والشحططة وهو يذهب الى مكتبه كل يوم وإلى المقهى فى المساء.. لكنه كان يخاف علينا فقد كنا نحن مستهدفين معه! وفى صباح هذا اليوم سافر زوجى إلى لندن لمراجعة دكتور القلب فقد كان خارجا قبلها بأسبوع من المستشفى وقد ركب دعامتين جديدتين بالقلب، وعليه مراجعة حالته المرضية، ولكنه كان معنا ومع الأحداث بالتليفون لحظة بلحظة.

الأربعاء 27 يونيو 2013

يا حبيبى اهدا بقى انت مسافر يومين تراجع الدكتور وانت مريض قلب.. هكذا بادرت زوجى وهو يسألنى عن تفاصيل ما يحدث فى الشارع المصرى والإعلام ويطالبنى بتقرير يومى على كل ما يقال على السوشيال ميديا والشاشات وكنت أفعل.. بينما هو يحكى لى عمن قابلهم من شخصيات عامة هناك وأنا أصرخ: والدكتور والمستشفى انت مسافر علشان تكشف مش علشان 30 يونيو.. يا عالم الناس حتنزل ولا لا، فيرد بكل ثقة: على الأقل حينزل من 10 إلى 15 مليون مش أقل متقلقيش. لم أكن أنا قلقانة على العدد كان هو القلقان ولكن كعادته يضع قلقه على عاتقى ثم يتحدث إلى نفسه حتى أهدأ.

الخميس 28 يونيو 2013

فيه خطاب للرئيس مرسى فى المساء.. وقيادات القوات المسلحة موجودة ووزير الدفاع موجود.. هكذا بادرت زوجى فى أول مكالمة وحكى لى أنه ذهب للدكتور فى الصباح وأن الدكتور حوَّله على دكتورة أكبر منه وأكثر تخصصا وعلما وأنها وجدت فيتامين (د) لديه بعد التحليل منخفضا جدا وقالت له: أنت تحتاج إلى عملية قلب مفتوح..

لكنه قال لها: الوقت غير مناسب سأعود بإذن الله بعد أن تتطهر مصر من الجماعة الإرهابية.

وفى المساء جاء خطاب الرئيس مرسى مخيبا لكل الآمال وتحدث فيه عن المجموعة التى تجلس على مقهى فى الحارة المزنوقة وفاكرين إنهم حيغيروا مصر.. وكان يقصد ياسر ومجموعة من الوطنيين الشرفاء الذين اعتادوا الجلوس على مقهى فى منطقة الزمالك أسفل بيت الكاتب الراحل بهاء طاهر، وفى خطابه الملعون ذكر أيضا الأستاذ مكرم محمد أحمد وتحدث عن أحد البلطجية فى الشرقية وآخر فى المعادى، وكأنه كان يهذى أو ربما هى كلمات أنطقه الله بها لا أحد يعلم سوى الله.. المهم أن هذا اليوم كان هناك تدبير لحركة اعتقال كبار قيادات الجيش والشرطة وتصفيتهم ولكن يقظة الرجال أفسدت المخطط الملعون.

الجمعة 29 يونيو 2013

فجر الجمعة وصل زوجى من لندن.. وما إن دخل المنزل حتى قال لى: حنام ساعتين وصحينى علشان نروح نفطر زى كل جمعة عند مجدى..

وكنا قد اعتدنا صباح كل جمعة على الذهاب إلى مقهى ريش فى وسط البلد وكان صاحب المقهى الذى ورثه أبًا عن جد الطيار مجدى ملاك -رحمة الله عليه- صديقا شخصيا لزوجى، وفى ريش يكون فى انتظارنا ومجموعة من الإعلاميين والكتاب والصحفيين والمهتمين بالشأن العام يجمعنا إفطار أسبوعى جميل غنى بالفطير المشلتت الذى يصطحبه أحدنا وهو عائد من برج المنوفية أو طبق فول صنعته إحدى السيدات فى بيتها وربما طبق سلطة أو جبنة وساعات رنجة المهم أن كل واحد يصطحب طبقا أو ميصطحبش ففى ريش كل ما نحتاجه وزيادة..

كان الإفطار فى هذا اليوم غير.. الوجوه مترقبة والسؤال الملح: الناس حتنزل ولا لا؟ كنا قلقين لكن مش خايفين الناس حتنزل آه بس قد إيه حيقدر يسيب الكنبة وينزل فى عز الحر؟ وكان البعض يقترح أن يكون النزول مساء أو بعد صلاة العصر تفاديا لحرارة الشمس، كان الحديث مليئا بالحب والخوف على الوطن وليس الخوف من الإرهاب، فقد كنا نسمى الجماعة بالجماعة الإرهابية لأنهم يرهبوننا بالتخويف والتهديد.. لكننا حتى هذا اليوم لم نكن رأينا إرهابا مثلما رأينا بعد ذلك منهم..

كان إرهابهم (متدارى) وليس فى بجاحة ظهور البلتاجى فى التليفزيون ليقول: طول ما فيه 30 يونيو ستظل سيناء مشتعلة. أنهينا الفطار والقعدة قرب الساعة 4 عصرا وكنا آخر ناس غادروا المكان فجلسة ياسر مع مجدى لا ينهيها إلا كثير من إلحاحى الذى قد يستدعى قولى: الأولاد حيتغدوا فى البيت ولازم أطبخ.

السبت 30 يونيو 2013

تعودت منذ تم رفد زوجى من منصبه كرئيس تحرير الأخبار على يد الجماعة الإرهابية، أن أذهب للجريدة بمفردى بعد أن كنا لسنوات لا نذهب إلا معا.. فى الجريدة كان كثير من الزملاء ينوى النزول لكن لا أحد يتحدث فى الأمر.. على الظهر بدأت الناس تتوافد على ميدان التحرير وبالفعل ذهبت إلى مسيرة نقابة الصحفيين إلى ميدان التحرير..

لكن فى الميدان بسبب الزحام الشديد تهنا من بعض ووجدت نفسى أمام عمارة مصر للتأمين وحذائى مقطوع فرميته وبقيت بالشراب فقط على أرض ملتهبة بفعل حرارة الطقس وحرارة الوطنية التى تغلى فى عروقنا جميعا حتى أنقذتنى سيدة لا أعرفها ترتدى عباية سودة وأعطتنى قطعة من ورق الكارتون أقف عليها وأنا حافية القدمين.

وفى المغرب علمت أن ياسر فى طريقه إلى ريش وأن عليَّ الذهاب له هناك لكنى ذهبت للأخبار أولا حتى أحصل على حذاء جلبته لى تلميذتى ومررت بصالة التحرير التى تحولت إلى شعلة من العمل والأمل.. وليردد عدد من الزملاء: فين الجيش؟ عاوزين نخلص من الهم ده بقى.. كان هذا هو لسان حال الشارع فى ذلك الوقت..

نحن نزلنا وعملنا اللى علينا فين القوات المسلحة؟ تركت الأخبار وذهبت إلى مقهى ريش لأفاجأ بنفس الإحباط الذى تركته على وجوه زملائى فى صالة تحرير الأخبار، لكن ما هى إلا دقائق حتى نزل ياسر إلى قبو قهوة ريش وهو القبو الذى كانت تطبع فيه منشورات ثورة 19 وما زالت المطبعة موجودة به، وأغلق عليه مجدى الباب وقال: ياسر مرهق حيستريح شويه، 10 دقائق ليس أكثر وخرج ياسر من القبو ووجهه يضحك مطمئنا وطلب أن يأكل، ثم على شاشة التليفزيون جاء خبر إعطاء مهلة الـ 48 ساعة استجابة لرغبة الشعب فى الإصلاح، كانت المهلة سياسيا عظيمة ولكن بالنسبة للجماهير كانت محبطة بعض الشىء.. فقد كنا جميعا نتصور أن معنى نزولنا هو الإطاحة بحكم الجماعة الإرهابية وتولى المشير السيسى حكم البلاد ولكنه لم يفعل.

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة