د. محمود عطية
د. محمود عطية


يوميات الاخبار

«خليك فى نفسك»

د.محمود عطية

الخميس، 23 مايو 2024 - 06:54 م

«.. ولا أستسيغ الربط بين الفقر والنزاهة ونظافة اليد»

السبت:

جدتى العجوز

دائما ما أتذكر نصيحة جدتى المتكررة دوما كلما شكوت إليها بعضا مما ألم بى : «خليك فى نفسك» وصلح نفسك الأول «دا الجمل لو شاف صنمه كان أطمه»، وبقيت تردد نصيحتها تلك لى بمناسبة وبغير مناسبة، لم أفهمها وقتها، وبمرور العمر أدركت ما ترمى إليه جدتى، وما تريد أن تزرعه بداخلي، فأدركت أن «خليك فى نفسك» إحدى أهم الخصال التى لا بد أن نكتسبها حتى نستمتع بمنحة الحياة التى لا تتكرر، ولن نستطيع استردادها مرةً أخرى إذا نفدت، وفهمت بعد ذلك أن حياتنا أقصر من أن نقضيها فى الشكوى من الحياة ومصاعبها والاهتمام بما يردده الآخرون عنا، وما يعتقدونه فينا، وتيقنت أنه لابد أن ننتبه لما يصدر من سلوكنا فربما يكون سببا فى شكوانا ويدمر حياتنا، بمعنى أن ما تزرعه فى نفسك من خير وحب لك وللناس ستجنيه حتمًا، وتعيش فى ثمرته إن شرًّا أو خيرًا، فازرع ما تريد أن تجنيه ويثرى حياتك، وتذكر شيئًا واحدًا فى هذه الحياة: إنها قصيرة جدا على الانشغال بغير نفسك، وساعد الآخرين قدر ما تستطيع، ولا تنشغل بهم، ولا تنس أن خير الناس أعذرهم للناس، واترك حكمهم عليك، وتقبل نفسك وحالك، ومنغصات الحياة تعامل برفق معها لأنها من أصل الحياة ومن طبيعتها، ولا تضيق بالأشرار فإنهم جزء منا، لكن ابتعد عنهم كلما تمكنت من ذلك، وتمتع بالوقت الحالي، فمن الممكن ألا تجد مثل هذا الوقت ثانية!

وأدركت أن الانشغال بالنفس وما يعتريها وإسعادها هى لب الحياة وسرها، وليس أنانية، فإنك لن تتمكن من إسعاد غيرك قبل إسعاد نفسك، ولن تتمكن من مساعدتهم قبل مساعدة نفسك، ولن تتقبلهم قبل أن تتقبل نفسك وما بها من عيوب، ولا تنس أنه لك حق مُطلق فى ممارسة حياتك بالطريقة التى تحبها دون إضرار بالآخرين، وليس لأحد حكمٌ عليك، والحياة أقصر مما تعتقد وتتصور، وعليك ألا تضيعها فى القلق حول ما قد يحدث لك، وغالبا معظم ما نفكر فيه لا يحدث لنا، وتسير الحياة كما تريد، فعلينا أن نسعد بها، ونعيش بها ومعها، وننسى ما يعتقده الآخرون عنا، ولماذا أصلًا تعيشها بالشكل الذى يريده غيرك لك؟.. ولا تتبع المرويات والحكم القديمة عن العيش والحياة دون فحصٍ وتمحص، فلكل عصر له همومه ومنغصاته فلا تترك أمواتنا يتحكمون فينا، حتى لا نكون أموتا على هيئة أحياء. و»خليك فى نفسك»، وحاسب لها، وخد بالك من نفسك، «وطوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس» وتذكر: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء»».

الإثنين:

المتعلم والمثقف

السؤال الذى يحاوطنى دوما ولا أعرف الإفلات منه: لماذا أحببت أمثال طه حسين والعقاد وسلامة موسى ولويس عوض وزكى نجيب محمود والشيخ محمد عبده؟! ووعيت أن ما يشغلنى فى السؤال هو الفارق بين المثقف والمتعلم، وهؤلاء أصدق مثال للمثقف الحقيقى الذى يخدم بلاده ووعيها وفكرها، وللأسف يظن البعض أن كل متعلم هو مثقف، حيث نخلط بينهما، ولا أبالغ لو قلت نحن فى أحوج ما نكون للمثقف أكثر من المتعلم فى مجتمعاتنا الفقيرة النامية، ولا أفهم هل عن جهل أو عن عمد يتم الخلط فى تصورنا بين المثقف والمتعلم؟!

ونرى كل من حصل على قسط من العلم مثقفا، والحقيقة أن المثقف ليس من أحسن القراءة والكتابة، أو من حصل على شهادة علمية، (هناك أميون بين حملة شهادة الدكتوراه)، بل إن ما يميز المثقف فى أى مجتمع صفتان أساسيتان: الوعى الاجتماعى الذى يمكنه من رؤية المجتمع وقضاياه الحقيقية ومن زاوية شاملة، ومن تحليل هذه القضايا على مستوى نظرى متماسك، ثم الدور الاجتماعى الذى يمكن وعيه الاجتماعى من أن يلعبه، بالإضافة إلى القدرات الخاصة التى يضفيها عليه اختصاصه المهنى أو كفايته الفكرية.

والمثقف قادرٌ على تغيير قناعاته كلما جدَّت معلوماتٌ أو حقائق وبان واتضح له قدم وزيف ما يؤمن به، أما المُتعلم فقد درس بعض الحقائق وآمن بها وحفظها ولم يعد يرى غيرها، وظن -كل الظن- أن اليقين فى أن العالم يسير على ما درسه وتعلمه من حقائق ولا سبيل لتغيرها، ولو أجهد نفسه قليلًا لرأى كيف تتغير الدنيا، وتتبدل أفكارها، وتتحقق الظنون، وتتحول الأمانى إلى حقائق شاخصة أمامنا، وبين أيدينا، ولو تدبر مليا يجد أن الجديد يبلى والصغير يكبر والكبير إلى زوال، فلا شيء ثابتا ولا شيء نهائيا.. قانون الحياة أنها فى تبدل وتغير مستمرين، ومن لا يؤمن بحكمة الحياة فى التغير والتبدل تطحنه الحقائق وتتركه متخلفًا ملومًا محسورًا يبكى على ما عنده ولا يغنى عن ذلك شيئا.. كن دائمًا مستعدًّا لتقبل كل جديدٍ ومعايشة الحياة كما هي، لا كما تتصور ولا كما يرسمها لك تخيلك!

الجمعة:

إعدام أبو الكيمياء

فى فرنسا وفى مثل هذا الشهر «مايو» عام 1792 تم إعدام العالم الفذ «أنطوان لافوازييه» أبو الكيمياء الحديثة، بحجة أنه كان يعمل فى القصر الملكى، وقع ذلك إبَّان الثورة الفرنسية «1789-1792»، ويعد «لافوازييه» أحد أكبر علماء عصره.. ولد فى باريس عام 1743، وحين بلغ لافوازييه الثانية والعشرين تسلم جائزة من أكاديمية العلوم لابتكاره نظاما جديدا لإنارة شوارع باريس، وقد ظهر لافوازييه فى وقت كان فيه الكيمياء مجالا لاجتهاد طائفة من الكيماويين يجمعون الحقائق التى كثرت وازدادت الحاجة لتنظيمها وترتيبها وصارت فى حاجة إلى تجديد لسوء ما أصابها من الركود. وحينما بلغ لافوازييه الخامسة والعشرين من عمره كانت رسائله العلمية قد بلغت أكاديمية العلوم، وهو الذى أطلق اسم الأكسجين على الغاز الذى اكتشفه العالم البريطانى «بريستلى» وأول من اتخذ للعناصر والمعادلات الكيميائية رموزا، وبمقتضى هذه الرموز أصبحت الكيمياء عالمية ويمكن فهمها فى كل لغة.

وبتهم ملفقة تم تقديم «لافوازييه» مع مجموعة من أعضاء أكاديمية العلوم الملكية فى 8 مايو 1794، والتهمة كانت وضع مؤامرة ضد الحكومة، وذلك لمكانته الممتازة فى القصر الملكى، وتم تقديمه لمحكمة الثورة الفرنسية، وصدر حكم بالإعدام على هذا العالم الفذ، وقد حاول بعض أصدقائه التوسط لإخلاء سبيله لمكانته العلمية، إلا أن رئيس محكمة الثورة الفرنسية رفض ذلك رغم أن الاتهامات الموجه إليه ملفقة كما أوضح الشهود.. وذكر أحد أصدقائه لرئيس المحكمة بأن لافوازييه من أعاظم رجال العلم.. وأنه أنفق عمره فى خدمة بلاده فرد عليه رئيس المحكمة بلسان من نار «ليست الجمهورية فى حاجة إلى علماء» وأصدر الحكم بإعدام لافوزاييه وصارت العبارة سبة فى جبين العدالة الفرنسية.

الثلاثاء

لماذا نسعى للغنى؟!

تدهشنى دوما الخطب الرنانة التى تحث الناس على الزهد فى متاع الدنيا، وكأن الله قد خلقنا ليس للعيش والتمتع بالحياة ويرددون: «عمال على بطال»، «الدنيا منفاتة»، كأنهم توصلوا توًّا لاكتشافٍ عظيمٍ كنا نجهله، ولا أفهم ما السر فى اتهام الأغنياء بطرف خفى بأنهم غير شرفاء، وغالبًا نضعهم فى خانة اللصوص والجميع يُحاولون خداعهم، فتجد البائع إذا لاحظ علامات الغنى على الزبون يضرب السعر فى العالي، وإذا طلبوا أحدهم لإصلاح شيء لديهم فيغالى فى طلب أجره، ولا أستسيغ الربط بين الفقر والنزاهة ونظافة اليد، اسع للغنى ولا تخش شيئًا ولا تلق بالًا، فالله يُحب الأغنياء الصالحين، لا الفقراء الشحاتين!

علينا أن نتعلم من قصص الأغنياء كيف يحققون غناهم، اقضِ بعض الوقت مع من يحسنون التصرف فى حياتهم، وحاكِ صفاتهم وطبائعهم التى جعلتهم متميزين أغنياء، روِّح عن نفسك حتى بالقليل من المال لتُدرك قيمته كوسيلةٍ للاستمتاع بالحياة، فعندما نستمتع بالمال الذى نملكه تتولد لدينا رغبة فى الحصول على المزيد منه، احتفظ دائمًا معك ببعض النقود لتشعرَ بأنك أكثر ثراء وسوف تعتاد على امتلاكك للمال وستتعلم وأنت معك النقود كيف تأتى بها، وربما تقضى على شعورك بالخوف من فقدان المال المهم لرفاهيتك، ولا تردد: أنا لا أحمل المال لأنى سوف أنفقه، طبْ فسِّر لى أنت: كيف تأمل فى الحصول على المال وأنت لا تثق فى نفسك هكذا؟!

أنا شخصيًّا أوافق بعض نظريات العلاج النفسى بأن الفقر هو مرضٌ عقلى يحتاجُ للجهد والعزيمة القوية والشجاعة للتغلب عليه.. وإذا استسلمت له كأنه قدرٌ فسوف تكون فى ورطة.. وفى معظم القصص التى قرأتها عن الأثرياء وجدتُ أن معظمهم بدأوا من الصفر.

كلمات:

ليست للحياة قيمة إلا إذا وجدت فيها شيئا تعيش من أجله.

الدنيا ثلاثة أيام: الأمس عشناه، واليوم لن يدوم، والغد لا ندرى أين سنكون.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة