صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


الرضوخ للقارئ!

أخبار الأدب

الخميس، 06 يوليه 2023 - 01:19 م

فى حركة غريبة أعلنت الكاتبة الأمريكية إليزابيث جيلبرت، مؤلفة الرواية الرائجة «طعام، صلاة، حب»، تأجيل روايتها الجديدة «غابة الثلوج»، التى كان من المقرر صدورها فى فبراير 2024 إلى أجل غير مسمى، استجابة لردود فعل غاضبة من القراء.


نعم، ما فهمته صحيح عزيزى القارئ، ردود فعل غاضبة ومضادة لرواية لم تُقرَأ بعد! الحكاية أن جيلبرت أعلنت قبلها مباشرة أن روايتها هذه تدور فى روسيا فى منتصف القرن العشرين حول عائلة روسية تعيش فى غابة بسيبيريا منقطعة عن العالم وما يحدث فيه، وهو ما أثار موجة غضب عارمة من «قراء» أوكرانيين رأوا أن فى اختيار روسيا كمكان لأحداث الرواية عدم احترام لآلام الأوكرانيين ومعاناتهم جراء الحرب الروسية. 


على الفور، تراجعت جيلبرت عن نشر الرواية مثيرة عاصفة من ردود الفعل المتباينة بين من رأوا فى فعلها هذا دعمًا لثقافة «الإلغاء» والصوابية السائدة فى الغرب حاليًا مما يشكِّل خطرًا على حرية التعبير وعلى الأدب ذاته، وبين من هللوا لقرارها هذا ومعظمهم بالطبع من الأوكرانيين.


أشارت جريدة «الجارديان» إلى أن الرواية تتناول مقاومة القمع السوفييتي، لكن يبدو أن هذا لم يشفع لها لدى الراغبين فى محو كل ما هو روسى من الوجود دون تمييز بين الحرب والعدوان وبين الأدب والثقافة والفنون التى لطالما مثَّلت حائط صد ومقاومة ضدهما.


ما يهمنى هنا بالأساس، ليس موقف الغاضبين، بل ما قامت به الكاتبة من رضوخ فورى دون حتى أن تطالب بقراءة الرواية قبل إدانتها. ماذا لو سار خلفها كتاب آخرون؟ هل سيؤدى هذا إلى تحويل الكُتَّاب إلى مجرد مُرفِهين عن الجمهور يعزفون اللحن المطلوب منهم؟ وفى هذه الحالة، أى جمهور سيعملون على خدمته فى ظل تباين الجماهير، ولن أقول القراء، فى اتجاهاتهم وتفضيلاتهم؟ وما جدوى الأدب فى هذه الحالة؟


الحقيقة أننى لم أتوقع الكثير من إليزابيث جيلبرت كما لا أتوقعه من أمثالها ، هى فى النهاية كاتبة خفيفة، كتابها الأشهر «طعام، صلاة، حب»، مع تقديرى للهوس العالمى به، أقرب إلى كتاب تنمية ذاتية عن التعافى واستعادة الذات والعثور على الحب. وهى نفسها قالت مرة عن علاقتها بقرائها إنها تحولت بالنسبة لهم إلى خبيرة سفر وطبيبة نفسية وإنهم يسألونها كيف يتخلصون من الإدمان أو كيف يتصرفون حيال زيجاتهم الفاشلة أو أى مدينة إيطالية يُفضَّل السفر إليها. فى مثل هذا النوع من الكتابة، العلاقة بالجمهور هى كل شيء، لا أسئلة شائكة تخص الأدب ذاته وقيمته ودوره وجدواه، لا انشغالات أبعد من درجة النجاح وكيفية الحفاظ على موطئ قدم فى قائمة النيويورك تايمز للكتب الأفضل مبيعًا، لذا فمن الطبيعى الهلع إن حدثت ردود فعل غاضبة تهدد مبيعات الكتاب المستقبلية.


غنى عن القول إن كل هذا الصخب انطلق من الإنترنت بالأساس، وأنه تزامن على نحو كاشف مع حدث محلى هو فوز إحدى «القارئات» بمسابقة قراءة على أحد تطبيقات الكتب الإلكترونية، وتصريحها بعد الفوز بأنها قرأت خلال المسابقة بمعدل أربعين كتابًا يوميًا، فى تفريغ لفِعل القراءة من معناه. لكن لا يهم، طالما أن هناك من يدفعون فى اتجاه تسييد هذه الأنماط الثقافية المفرغة من المعنى بحثًا عن مكاسب صغيرة ومؤقتة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة