جلال عارف
جلال عارف


في الصميم

جلال عارف يكتب: بين حديث «الحرب» وحديث «الأمازون».. إلى أين يمضى صراع الأقوياء؟

جلال عارف

الجمعة، 14 يوليه 2023 - 08:14 م

دخول الحرب شىء، والخروج منها أمر مختلف تماما، فى حرب أوكرانيا وسواء كان الأمر فخاً نصبته أمريكا وانساقت إليه روسيا أو كان السبب «الشهوة الجبانة» للأرض والسلطة كما قال الرئيس الأمريكي بايدن مؤخراً فى أقسى هجوم على الرئيس بوتين.. سواء كان هذا أو ذاك فالنتيجة واحدة.. والحرب التى كان من الممكن جداً تفاديها تستمر للعام الثانى، والقتال الذى ظن الكثيرون أنه سيفتح باب التسوية التفاوضية سريعاً يقترب الآن من خطر المواجهة المباشرة بين روسيا وحلف الناتو بكل ما يعنيه ذلك من كوارث إنسانية تطال الجميع وتهديد بصدام نووى لا أحد يتمناه.

والمشكلة الآن أن كل الأطراف.. ربما باستثناء الولايات المتحدة فقط.. قد نالها التعب... روسيا تخوض الحرب وتواجه عقوبات اقتصادية شديدة وحصاراً تحاول جاهدة تخفيف آثاره، وأوربا دفعت ثمناً فادحاً بعد أن انقطع عنها الغاز الروسي الرخيص وتحملت العبء الأكبر فى تمويل أوكرانيا ومضاعفة ميزانياتها العسكرية. وأوكرانيا دمرت وقدمت عشرات الآلاف ضحايا للحرب التى فقدت فيها حتى الآن ثلث أراضيها.. وكل الأطراف تعترف بأن الحرب لن يكون فيها منتصر ومع ذلك تستمر الحرب وتزداد معدلات التصعيد ورغم فشل الهجوم الأوكرانى المضاد فإن المخاطر تزداد مع دخول أسلحة أخطر وغياب أرضية مشتركة للتفاوض حول إنهاء الحرب.

قادة الغرب حرصوا على تأكيد عزمهم على مواصلة تقديم الدعم الكامل لأوكرانيا الآن ومستقبلاً فى قمة «الناتو»، والرئيس بوتين والقادة الروس سبقوا ذلك بالتأكيد على أن أى شىء - بما فى ذلك مؤامرة «فاجنر» لن يعوق استكمال  «العملية الخاصة» وهو الاسم الذى تطلقه روسيا على الحرب فى أوكرانيا لكن وزير  الدفاع البريطانى «والاسى» كشف عن وجه آخر للقضية حين أبدى شيئاً من الغضب لأنهم فى بريطانيا لم يسمعوا كلمة امتنان على مايقدمونه من أسلحة لأوكرانيا رغم أن ذلك استهلك مخزون الاسلحة والذخائر، مشيراً الى أنه قال للمسئولين الاوكرانيين عندما تلقى منهم قائمة بطلبات أسلحة « أنا لست متجر أمازون»!!

هذا الجانب من القصة هو الأخطر.. فما بدأ بتقديم بعض البنادق والخوذات العسكرية من دول أوربا لأوكرانيا، وصل الآن إلى القنابل  العنقودية والصواريخ بعيدة المدى.. وفى الطريق «الفانتوم» الأمريكية ولأن هذه حرب لم يستعد أى طرف لها فإن الطرفين معاً عانا من نقص الذخائر  ولكن فى الجانب  الاوكرانى كانت هناك اتهامات بالفساد وبسوء استخدام  السلاح فليس معقولاً أن تستهلك القوات الاوكرانية كل انتاج مصانع السلاح الغربية من الذخائر ثم يقال ان القنابل العنقودية ستمنحها أمريكا لأن أوكرانيا لا تملك الذخائر الكافية بعد فشل الهجوم المضاد!!

الجانب الأهم فى «حديث أمازون» من جانب وزير الدفاع البريطانى هو أن الموقف يزداد تعقيداً..  أوكرانيا التى دفعت ثمناً فادحاً فى هذه الحرب تعتقد أن كل إمكانيات الغرب لابد أن تكون معها فى هذه الحرب، و«الناتو» لن يقبل بالهزيمة وكذلك روسيا ولابديل عن التسوية وفى نهاية الأمر إلا الحرب النووية المدمرة للجميع.. وباستثناء أمريكا البعيدة عن ميدان الحرب والمستفيدة الاساسية من استمرارها لاستنزاف روسيا، فإن كل الأطراف أصابها التعب، وكلها تريد أن ترى نهاية لحرب تعرف أن أحداً لن ينتصر فيها وأن الكل خاسر، وأن كسر الخطوط الحمراء فى توريد السلاح يمكن أن يضع أوربا كلها فى قلب الحرب بالمباشرة مع روسيا، وهذا هو ما لاتريد أوربا أن تقترب منه لأنها تعرف ماذا تعنى الحرب النووية ولا تريد أن تكون ساحة للحرب العالمية الثالثة بعد أن كانت كذلك فى حربين سابقتين.

على الجانب الآخر.. لم تهتم روسيا كثيراً بتزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية المحظورة دوليا لأنها لا تؤثر كثيراً فى الحرب ولأنها تملك المقابل وتعرف أن استخدام هذه القنابل لا يعنى إلا المزيد من الضحايا بين الاوكرانيين.. فى الحرب أو بعدها حين تتحول بقايا هذه القنابل إلى ألغام تنفجر فى وجوههم. لكن روسيا ردت بإنذار حاسم على احتمال تسليم أوكرانيا طائرات «فانتوم» الأمريكية حين قال وزير الخارجية الروسى «لافروف» إن روسيا  ستعتبر ذلك «تهديداً نووياً» لها، لأن هذه القاذفات تستطيع استخدام القنابل النووية وتمثل تهديداً مباشراً لأمن روسيا التى ستكون مضطرة للرد على ذلك.

تصعيد مقابل تصعيد ولكن.. مخازن الذخائر فارغة، والخطأ فى الحسابات سيكون ثمنه فادحاً، وتقديم الدعم لأوكرانيا لابد أن يكون محكوماً بالبحث عن نهاية للحرب وليس باستمرارها «وحديث الأمازون» من وزير دفاع بريطانيا المؤيدة بشدة لأوكرانيا لا ينبغى أن يفهم على أنه يحث عن كلمة امتنان بل هو إشارة لضرورة البحث عن حل بدلاً من البحث عن المزيد من السلاح الذى لن يحسم الصراع.

«حديث أمازون» ينبغى أن يذكرنا بأن ألمانيا التى ترسل الآن أحدث دباباتها الى أوكرانيا اكتفت فى بداية الحرب.. بإرسال عدة آلاف من «خوذات» الجنود وكان ذلك هو البداية التى يبحث لها الجميع عن نهاية والتى يرى البعض أن التصعيد الحالى يمكن أن يقربنا منها لأن كل الأطراف تعبت، لكنها مازالت تبحث عن باب الخروج!.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة