جلال عارف
جلال عارف


في الصميم

جلال عارف يكتب: إسرائيل المأزومة.. هى الأخطر

جلال عارف

الجمعة، 28 يوليه 2023 - 06:34 م

لم يمر الكيان الصهيونى من قبل بمثل حالة الانقسام التى يعيشها الآن. الصراع الذى يتفاقم وينذر بالمزيد من المخاطر ليس صراعا بين حكومة ومعارضة فقط، لكنه شرخ كبير يقسم المجتمع بأكلمه بين تيار يمينى متطرف يضم إرهابيين ومتشددين دينيا، وبين تيار آخر يرفض ذلك ويعتبر أن فاشية الحكم اليمينى سوف تقود إسرائيل نحو أسوأ أزماتها.

نتنياهو الذى يقود تيار اليمين المشتدد يرأس حكومته راهن على قدرته على المناورة السياسية من جانب، وعلى أن المعارضة لمخططاته لن تستمر طويلا.. لكن حساباته اثبتت خطأها. فلو هو قادر على المناورة التى اشتهر بها بعد أن أصبحت القوانين التى بدأ فى تمريرها لاخضاع السلطة القضائية هى سبيله الوحيد للهروب من محاكمة قد تلقى به فى السجن بتهمة الفساد والرشوة والاحتيال«!!» وبعد أن أصبحت الكلمة فى الحكومة فى قبضة بن غفير وتسيمو تريتش اللذين يفرضان شروطهما على نتنياهو وإلا فقد مكانه فى رئاسة الحكومة.

ومن ناحية أخرى.. سقط الرهان الآخر على أن المعارضة ستتفرق، والمظاهرات ستضعف بمضى الوقت. فالتحدى كبير، والشعور بخطر سقوط كل أجهزة الدولة فى قبضة زعماء عصابات اليمين المتطرف الحاكم وحدت كل القوى الأخرى ضد ما تعتبره «فاشية» ستعصف بالجميع. ولاكثر من ثلاثة أشهر استمر التظاهر، وتضاعفت الأعداد، والآن ومع صدور أول قوانين قمع السلطة القضائية- بدا خطر العصيان المدنى يزداد مع الإضرابات التى ينظمها الأطباء وغيرهم. ومع انضمام قيادات سياسية وعسكرية سابقة لمظاهرات الاحتجاج، ومع تزايد أعداد ضباط وجنود الاحتياط الذين أعلنوا عدم استمرارهم فى الخدمة العسكرية. ومع التهديد بإضراب عام من اتحاد العمال القوي، وبتجميد استثمارات كبيرة من رجال أعمال ومستثمرين كبار.

ورغم خطورة الموقف، مضى نتنياهو فى تنفيذ مخططات اليمين المتطرف وأًر على اصدار أول قوانين الهيمنة على القضاء، مراهنا مرة أخرى على أن هناك عطلة للبرلمان «الكنيست»، لشهرين تتيح له الفرصة للمناورة من جديد، وربما لمحاولة شق صفوف المعارضين. ومراهنا أيضا على إمكانية أن تغير الإدارة الأمريكية موقفها منه ومن التعديلات القانونية التى ترفضها مع احتدام معركة الرئاسة فى أمريكا!!

وحتى الآن فالمرجح أن يستمر الانقسام وأن تتعمق الأزمة. وهنا ينبغى الحذر من الجانب الآخر لهذه الأزمة التى تتجاوز أزمة القوانين الخاصة بالهيمنة على القضاء. فالواضح أن حكومة زعماء عصابات اليمين ماضية فى تنفيذ مخططاتها للهيمنة الكاملة على كل الأجهزة والمؤسسات مستغلة سيطرتها على البرلمان «ولو بأغلبية صغيرة» وعلى الحكومة وتحصين قرارات الحكومة والبرلمان من أى رقابة قضائية.

والخطر هناك وجهان: الأول أن تذهب حكومة نتنياهو وبن غفير إلى حرب محدودة تجبر المعارضين على أن يقفوا وراء الجيش وهو يخوضها، كما حدث أثناء الهجوم الوحش الأخير على مخيم ومدينة «جنين» ويجبر أيضا جنود وضباط الاحتياط على إنهاء ومقاطعتهم للخدمة العسكرية أو مواجهة المحاسبة القانونية!! أما الوجه الثانى للخطر فهو أن تمضى حكومة نتنياهو «فى حماية الأغلبية البرلمانية الصغيرة والسيطرة على القرار القضائى»  فى مخططاتها لحسم الأوضاع فى القدس والضفة الغربية بمضاعفة الاستيطان، وباستخدام آلة القتل الإسرائيلية، وتشديد الحصار الاقتصادى على الضفة ووضع الفلسطينيين أمام الاختيار المر بين القتل أو التهجير أو الرضوخ لمخطط الاستيلاء على الأرض واغتيال أى فرصة قد تكون باقية لقيام الدولة الفلسطينية.

ولا بديل لمواجهة هذه المخاطر وغيرها عن وحدة وطنية فلسطينية لم يعد ممكنا أن تتأخر مهما كانت الأسباب لأن الشعب الفلسطينى قد تجاوز بالفعل كل الانقسامات وهو يواجه باللحم الحى خروقان المستوطنين ورصاص ميليشيات «بن غفير» وصمت عالم مازالت قوى كبرى فيه ترى فى جرائم إسرائيل دفاعا مشروعا عن النفس!! ولعلنا نرى فى اجتماع قادة الفصائل الفلسطينية المرتقب فى القاهرة برئاسة «أبومازن»، ما يؤكد جدية الجميع فى التعامل مع الموقف الخطير الذى تمر به القضية الفلسطينية. ولعلنا نرى تحركا حقيقيا لاعادة بناء الوحدة الوطنية. وإنهاء الانفصال الذى دفع شعب فلسطين ثمنه الفادح بدماء شهدائه. ولعلنا نشهد توافقا على برنامج عمل وطنى وقيادة موحدة لنضال الشعب الفلسطينى فى مرحلة بالغة الاهمية قد تكون فيها إسرائيل أضعف، لكنها- تحت قيادة الفاشيين- أخطر بكثير!!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة