صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


منى عبد الكريم تكتب :فرغلى عبد الحفيظ.. الذى ارتبط بروح الحياة

أخبار الأدب

الجمعة، 04 أغسطس 2023 - 03:59 م

«الفن جزء أصيل من الحياة.. ليست هناك فواصل حاسمة بينهما.. وأنا شديد الإيمان بأن الفن للحياة ولا فن بدون ارتباط بالحياة.. ولذلك فإن أصدق الفنانين هم الذين يعيشون أحداث الفن والحياة بشكل متجانس ومتفاعل.. فلا حدود يمكن أن نطلقها لرسم شواطئ الحياة.. وطبعًا نجد فى هذا الإطار أن هناك توجهات وفلسفات ورؤى متنوعة ومذاهب شتى فى تفسير عنصر الزمان والمكان والذاكرة.. وفنوننا المصرية القديمة كانت من أشد الفنون ارتباطًا بالحياة.. بل أنها امتدت إلى الحياة الأخرى أيضا.. وأنا من الفنانين شديدى الارتباط بالروح الكونية للحياة أو بالبعد الكونى للحياة».


حول العلاقة بين الفن والحياة جاءت كلمات الفنان فرغلى عبد الحفيظ فى الحوار الممتد الذى أجراه معه الكاتب نبيل فرج فى التسعينيات ونشر بكتيب تحت عنوان «التنقيب عن الطاقة الروحية» كاشفاً عن تلك الطاقة الداخلية التى حركت الفنان فرغلى عبد الحفيظ طوال رحلته الفنية التى امتدت لأكثر من ستين عامًا لآخر لحظة بحياته التى كانت فيها الألوان هى رفيقته التى سجل بها تفاصيل حياته، حتى وافته المنية يوم 27 يونيو الماضى مثيرا حالة من الحزن بين أصدقائه وطلابه ومحبيه، فقد كان رحمة الله عليه - داعما لكل من حوله، حريصا على نشر حالة من البهجة والتفاؤل والأمل قولا وفعلا، ولذا خرجت أعماله الفنية  لتحتفى  بالحياة والأرض والجذور والنيل والطبيعة والشمس، وتحتفى كذلك بالمرأة المصرية وبالألوان وبهجتها، حتى أنه خصص معرضين من معارضه اللذين استضافتهما قاعة الزمالك للفن احتفاء باللون ومنها «إيحاءات اللون الأصفر».

 

اقرأ ايضاً| حوار: محمد الشربينى شبانة : أشرف العشماوى.. الرواية محاكمة عادلة للتاريخ

الذى قال فى وصفه: ذلك اللون الذهبى الساطع الوضّاء.. لون الشمس، وأحد رموز الفن المصرى القدیم.. فالأصفر لون له القدرة على تحفیز التفاؤل والدفء.. ھو لون السمو والوضوح والنقاء والنماء.. ھو لون الثراء والنشاط والحركة، إضافة إلى معرضه  «إيحاءات اللون الوردى» بما يحمله اللون من مشاعر إنسانية تتراوح بين الرومانسية والعاطفة من جهة والبهجة والتفاؤل من جهة أخرى، فقد انفعل فرغلى بأشكال الحياة التى دفعت كما ذكر- فى نفسه بمعانى المحبة، والبطولة، والتخطى، والتجاوز، والتواصل، والإقدام، والتآلف، والعزيمة، والتآزر، والقوة والشحن، والامتداد، والانطلاق، البشر، ليلخص تجربته بعبارة «التفاؤل.. هذه هى الحياة التى أعشقها.» وقد انعكس ذلك طوال رحلته الفنية مؤمنا بأن العمل الفنى عليه ان يتحول ليصبح أو يعود نشاطا إنسانيا إيجابيا قادرا على الإسهام فى تحسين حياة وحيوية الإنسان.. قادرا على زراعة التفاؤل والأمل.


ولد الفنان فرغلى عبد الحفيظ فى ديروط عام 1941، وسافر إلى القاهرة والتحق بمعهد التربية الفنية فى 1958، وتخرج منه عام 1962 وفى أغسطس من نفس العام عُيِّن معيدًا بنفس المعهد، وفى عام 1964 سافر إلى العديد من البلاد الأوربية حيث زار إيطاليا لأول مرة وقضى هناك شهرا زار خلاله متاحف روما وفينيسيا، ثم سافر إلى إنجلترا وزار متاحفها،  وسافر إلى أثينا فى اليونان لأول مرة.  وفى العام التالى سافر مرة أخرى إلى إيطاليا فى منحة حكومية للدراسة فى أكاديمية الفنون الجميلة بروما لمدة سنة، ثم بعد ذلك انتقل إلى أكاديمية الفنون الجميلة بفلورنس إلى أن تخرّج فى 1967 قبل أن يعود إلى القاهرة حيثُ عمل كأستاذ الفنون والتصميم بجامعة حلوان.  


وتكشف تلك الفترة من حياة الفنان فرغلى عبد الحفيظ عن اتصاله بالحضارة الغربية وتعرفه على فنونها، إلا أنه ومع ذلك كان حريصا طوال رحلته الفنية على تعميق صلاته بالجذور وبالأرض، ليؤكد على ذلك قائلا «امتدت يداى واتجهت أفكارى إلى أبعاد شديدة التنوع مع إنها تهدف جميعا إلى الخروج بالفن المصرى المعاصر من ورطة التبعية إلى حالة شديدة الحيوية فأنا شديد الولع بمد جسور عديدة مع مجدنا القديم. وأنا أشعر فى هذا الموقف بمسئولية كبيرة هى  التى تدفعنى باستمرار إلى التعبير والتعبير والتعبير من أجل بناء هذا الجسر الكبير.. إننى مناضل من أجل تعميق الاتصال بالجذور.. كما إننى مناضل كذلك فى تعميق الاتصال بالحضارة الإنسانية..» 


ولهذا السبب يشكل مفهوم  «الانبثاقية» محور مهم من المحاور التى شكلت جوهر مرحلة ممتدة فى تجربة الفنان فرغلى عبد الحفيظ، منذ أواخر السبعينات وقدم من خلالها العديد من الأعمال الفنية، إذ يرتبط مفهوم «الانبثاقية» بفكرة الجذور والأرض التى تحتضن البذرة حتى تنبثق وتنمو لتخرج إلى السطح، بل إن استمرارية الحياة ذاتها مرتبطة بفكرة الانبثاق. 


أما الطبيعة فكانت كذلك ملهمته التى تجلت بشتى الطرق فى أعماله، نراها فى أعماله، فى عشقه للنخيل والورود، وحتى فى تصويره للصحراء، ولذا  وقع اختياره على مدينة دهشور ليؤسس الأتيليه الخاص به، فمن جهة تتمتع دهشور بخصوصية تاريخية، كما أن تلك البقعة أصبحت المكان المخصص لإبداعاته لما توفره من بيئة هادئة وروحانية.


أقام الفنان أكثر من 40 معرضا فرديا بخلاف المعارض الجماعية، وشارك فى أكثر من 20 معرضا دوليا وحصل على والميداليات الذهبية والشهادات التقديرية.


 وقد عُرضت أعماله الفنية فى بينالى ساوباولو عام 1985 وفى بينالى فينيسيا الدولى أعوام 1972، و1986، و1993 (عارض منفرد)، وتم اختياره قوميسيرا للجناح المصرى فى بينالى فينيسيا عام 1997،  وفى الدورة الثانية والخمسين عام 2007. وتعرض أعمال الفنان ضمن مقتنيات المتحف المصرى للفن الحديث والعديد من المتاحف الإقليمية والدولية، وتتضمن مسيرة الفنان فرغلى عبد الحفيظ عدة إنجازات مهمة وعلى رأسها تصميمه لديكور وإضاءة أوبرا عايدة لمسرح أوبرا براج بجمهورية التشيك عام 1997.

ومنذ عام 1997 تم نشر ثلاثة كتب عن الفنان وأعماله بعنوان: «فرغلى»، «التنقيب عن الطاقة الروحية»  فى جزأين وقد أجرى الحوار معه فى الجزء الثانى الناقد كمال الجويلى و «أسطورية البتراء». 


كذلك كان الفنان مؤمنا بأهمية الجماعات الفنية ودورها فى إثراء الحركة التشكيلية فقد أسهم فى تأسيس جماعة الفنانين الخمسة فى الستينيات، وفى عام 1981 أسس مع الفنانين  أحمد نوار، وعبد الرحمن النشار، ومصطفى الرزاز «جماعة المحور» والتى تعد واحدة من أهم الجماعات الفنية.. كما أسس عبدالحفيظ مع سبعة فنانين آخرين جماعة الحنين المستقبلى عام 2015، والتى قامت فلسفتها على العودة إلى الجذور للبحث فى ثناياه عن ملامح الغد، فيغوص فنانو الجماعة فى تاريخ مصر تطلعا لمستقبل أفضل موصول بالماضي، وهى الفكرة التى استلهمها عبد الحفيط من المصرى القديم الذى صنع حضارة وهو يعرف أنها تنظر إلى المستقبل الذى كان كل شاغله ومن ثَمَّ كان يحِنّ إليه.


رحل الفنان فرغلى عبد الحفيظ لكنه بلا شك لم يرحل، أتذكر صوته المميز فى حوارات عدة جمعتنى به، ولأستعيد وأنا أكتب تلك الكلمات مفهوم «الحضور الباقى» الذى أطلقه والذى كان يعنى به تخليق الزمان والمكان الذى يسمح بالالتحام بين الماضى والحاضر والمستقبل، ولكننى هنا أستعيره بمفهوم البقاء بحضور أعماله وبفكره وفنه الذى سيؤكد دوما أنه بيننا حتى وإن رحل بجسده.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة