مصطفى بكرى
مصطفى بكرى


مصطفى بكرى يكتب| الحلقة الأخيرة.. مذبحة كرداسة.. الحقيقة العارية

إشارة البدء جاءت من اعتصام رابعة.. والخطة كان متفقًا عليها

أخبار اليوم

الجمعة، 01 سبتمبر 2023 - 07:33 م

مسلحون ينتمون للجماعات الإرهابية اقتحموا قسم الشرطة وقتلوا 15 من قوات الأمن ونكلوا بجثثهم

قتلوا الجرحى رميًا بالرصاص بعد أن طافوا بهم أنحاء المدينة .. ثم قاموا بالتمثيل بالجثث

 

ستظل مذبحة كرداسة عارًا يلطخ وجه الجماعة الإرهابية التى أصدرت تعليماتها لعناصرها وحلفائهم باقتحام مركز شرطة كرداسة، وإحراقه وقتل كل من فيه، والاستيلاء على الأسلحة، وإطلاق سراح المحبوسين داخل المركز، بزعم الرد على أحداث فض الاعتصام المسلح فى رابعة العدوية، والنهضة.
لقد سبقت عملية قتل رجال الأمن عمليات تعذيب واسعة، وبعد قتلهم جرى التمثيل بجثثهم بطريقة لا تمت للدين، أو الأخلاق بصلة.

وقد جرت محاكمة المتهمين، والطعن على الأحكام الصادرة بحقهم، فصدر الحكم العادل بإعدام 20 متهمًا، والسجن المؤبد لـ 80 شخصًا، والمشدد 15 عامًا لـ 34 متهمًا، وسجن طفل حدث عشر سنوات.

فى وقت مبكر من صباح الأربعاء الموافق 14 من أغسطس 2013 ، كانت الأنباء تصل تباعًا إلى هؤلاء الذين صدرت إليهم التعليمات بأن يكونوا على أهبة الاستعداد فى حال إقدام الشرطة  المصرية على فض اعتصامى «رابعة»، و«النهضة»..

وكانت «كرداسة» هى واحدة من أهم المناطق التى عولت عليها جماعة الإخوان، نظرًا لوجود أعداد كبيرة من المنتمين للجماعة، وبعض الحركات المتطرفة الأخرى، وبمجرد وصول الأخبار، بدأت تحركات عناصر الجماعة تأخذ طابع العلن، تحركت مجموعات مسلحة إلى قسم كرداسة، ومعها المئات من الذين جرى تحريضهم، لقد اكتظت الصدور بالغضب والضغينة.

وبدأوا فى تحريض الأهالى ضد رجال الشرطة الذين حملوهم مسئولية ما جرى فى رابعة والنهضة من سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين كما كانوا يرددون. وصوروا الأمر على أنه اعتداء من الشرطة على الشرعية والمشروعية، وقاموا بحث المواطنين على  الجهاد من أجل نصرة الإسلام، مما أثار حفيظتهم، فهرع البعض منهم بالاحتشاد فى مسيرات يحملون خلالها الأسلحة النارية بكافة أنواعها، علاوة على العصى والشوم، والأسلحة البيضاء، وبعضهم جاء من خارج مركز كرداسة.

بدأ المحتشدون التجمع فى الشارع السياحى، وشارع باتا، وغيرهما من شوارع كرداسة. ومع وصول طلائع المتظاهرين إلى ديوان المركز، بدأوا فى ترديد الهتافات العدائية ضد رجال الشرطة، مرددين «شعارات معادية لوزارة الداخلية».

وقالوا «الشرطة قتلت إخوانا فى رابعة والنهضة ولازم ننتقم منهم»، كان العشرات يحملون الأسلحة، وقنابل المولوتوف، وبدأوا بإلقاء الحجارة على ديوان المركز، ولوحوا بالعنف ضد الضباط والجنود. وأمام تصاعد الهتافات، بدأت الاحتكاكات وقام عدد منهم بإغلاق مداخل كرداسة من كافة الاتجاهات، وذلك لمنع وصول أى إمدادات، ومنع خروج رجال الشرطة منها.

وقام آخرون باعتلاء أسطح العقارات المحيطة بديوان المركز، كما تمركز المئات منهم بموقف سيارات الأجرة المواجه للمبنى، وقاموا بإلقاء الحجارة، والزجاجات الفارغة، وزجاجات الوقود (المولوتوف) صوب مركز الشرطة، كما قاموا بإشعال إطارات السيارات أمامه؛ حتى يتمكنوا من اقتحام المركز، لتنفيذ مخططهم..

ورغم مطالبة رجال الشرطة للمحتشدين بالانصراف، وتكرار النداءات إلا أن المتجمهرين أطلقوا وابلا من الأعيرة النارية صوب القوات المتمركزة أمام، وداخل المركز بقصد قتلهم انتقامًا لفض اعتصامى رابعة والنهضة.. وقد حاولت قوات الشرطة إثناءهم عن منع اقتحام المركز، والتوقف عن أعمال الشغب، إلا أنهم رفضوا التوقف قبل تحقيق غرضهم، مصممين على إخلاء المبنى حتى يتمكنوا من السيطرة عليه، وقد تعالت هتافاتهم للثأر من رجال الشرطة.

ومع تصاعد لغة التحريض؛ أطلق أحد عناصر الجماعة قذيفتى (آر بى جى) صوب المركز، فكانت النتيجة أنه تم هدم الحائط الخارجى للمركز عبر إحدى القذائف، بينما دمرت القذيفة الثانية المدرعة الخاصة بالشرطة، والتى كانت تقف أمام المركز، وكثفوا من إطلاق الأعيرة النارية، والقنابل الحارقة، مصرين على اقتحام المركز، وإضرام النيران به، قاصدين إحداث الفوضى. وقد حاول رجال الشرطة الدفاع عن أنفسهم، وبعد فترة من الوقت نفدت ذخيرتهم، واحتموا داخل جدران المركز بالدور العلوى.

وقد أصدر رموز هذا التجمهر من عناصر الإخوان الأوامر إلى المتجمهرين بالقبض على الضباط والجنود، واقتيادهم ناحية مسجد سلامة الشاعر.
فى الوقت الذى تلقى اللواء مصطفى إبراهيم الخطيب مساعد الفرقة عيارين ناريين صوب رأسه وعنقه وبغرض قتله فأحدثت به إصابات خطيرة أدت إلى استشهاده، وينتمى اللواء مصطفى الخطيب إلى عائلة كبيرة فى مدينة المنصورة، وهو ابن عم الكابتن محمود الخطيب رئيس النادى الأهلى، وسبق أن تولى منصب مأمور مركز أبو النمرس..

وقد تمكنت عناصر الإخوان وأعوانهم فى هذا الوقت من قتل اللواء محمد عبد المنعم جبر مأمور المركز، والعميد عامر محمد عبد المقصود نائب المأمور، وعدد من الضباط منهم: إيهاب أنور مرسى، محمد فاروق وهدان، هشام جمال الدين محمود شتا، محمد سيد أحمد عبد الله، أكرم عيد حفنى، محمد محمد فهيم بدوى، هشام إبراهيم بيومى، معتمد سلطان عباس محمد، عماد سيد محمد، رضا عبد الوهاب محمد سعد، وأمين الشرطة تامر سعيد عبد الرحمن، وأيضًا إبراهيم عطية على زيتون، ومصطفى أحمد شيخون اللذين تصادف مرورهما بمحل الواقعة.

ويذكر شهود العيان ان العقيد عامر عبد المقصود نائب المأمور عندما حاول الخروج من الشارع السياحى، تعدى عليه المتجمهرون ضربًا بالأجسام الصلبة فأصيب فى مناطق متفرقة من الجسد، ثم قام أحد المتجمهرين بضربه بسيخ حديدى على رأسه قاصدًا قتله، فأحدث كسورًا بجمجمته وتهتكًا بالمخ، وقام آخر بقطع الأوعية الدموية برسغه الأيسر مستخدمًا سلاحًا أبيض بهدف قتله، ثم قام بعض المتجمهرين بوضعه فى صندوق سيارة نصف نقل، تحمل لوحات معدنية قادها مالكها، وجابوا به البلدة متفاخرين بفعلتهم إلى أن فارق الحياة.

وقام النقيب هشام جمال الدين، وأمين الشرطة تامر سعيد عبد الرحمن  بالاحتماء بأحد العقارات إلا أن أحد المتجمهرين علم بمكانهم بمنزل المواطن حامد هليل فتوجه لمكانهما، ومعه آخرون وأخرجوهما للمتجمهرين الذين اعتدوا عليهما بالضرب، كما أن أحدهم أطلق عيارًا نارياً صوب رأس النقيب هشام جمال مما أودى بحياته، بينما قاموا بمطاردة أمين الشرطة تامر سعيد عبد الرحمن، وأوسعوه ضربًا ثم وضعوه فى سيارة وتوجهوا به إلى مسجد سلامة الشاعر.
وفى الطريق أنزلوه من السيارة، وتعدى عليه بعض المتجمهرين بالضرب، وقام أحدهم بإطلاق الأعيرة النارية عليه فتمت إصابته فى رقبته، ومقدمة الصدر، فأصيب من جراء ذلك إصابات خطيرة أودت بحياته.

وقامت مجموعة من المتجمهرين بالاعتداء على رجال الشرطة أمام المركز بعد إخراجهم، حيث اعتدوا على الضباط محمد سيد أحمد، وهشام إبراهيم بيومى، ومعتمد سلطان عباس، وعماد سيد محمد، ورضا عبد الوهاب محمد، ومحمد عبد الحميد فاروق، وإيهاب أنور مرسى، ومحمد عبد المنعم جبر مأمور المركز الذى تعدوا عليه بالضرب، واقتادوهم لحانوت إصلاح الدراجات النارية المجاور لمسجد سلامة الشاعر.

حيث واصل المتجمهرون الاعتداء عليهم بالضرب، وقاموا بتصويرهم بالهواتف الخلوية، إلا أن حضر أحد العناصر المتطرفة،  وبرفقته آخرون وأطلقوا أعيرة نارية من أسلحتهم بالهواء، لتفريق الأهالى المجتمعين حول المجنى عليهم، ثم أطلقوا أعيرة نارية صوب الفارين قاصدين قتلهم، فأحدثوا بهم إصابات عديدة، والتى أودت بحياتهم عدا المجنى عليه هشام إبراهيم بيومى، والذى توفى من جراء الاعتداء عليه بالضرب والأسلحة البيضاء، كما شرعوا فى قتل العديد من المجندين وأمناء الشرطة والضباط.

وعندما أطلق المتجمهرون أعيرة نارية صوب المركز بهدف قتل رجال الشرطة أصيب الملازم أول محمد عبد الحميد فاروق حسن بطلق نارى فى قدمه فأمسكوا به واعتدوا عليه بالضرب واقتادوه إلى مسجد الشاعر ثم عاودوا الاعتداء عليه، وتظاهر بالموت حتى تمكن بمساعدة الأهالى من النجاه، لاعتقادهم أنه أحد المجندين.

كما أصيب الملازم أول مصطفى محمد عصام بطلق خرطوش بساقيه اليمنى واليسرى إلا أنه تمكن بمساعدة أحد أصدقائه من النجاه هو الآخر، وعندما حاول أمين الشرطة رضا إبراهيم عز الدين الفرار أمسك به أحدهم، وضربه بقطعة حديد ساخنة أصابته بحرق فى يده وطلب قتله بقوله: «خلصوا عليه وارموه فى الترعة»، فحاول المجنى عليه الفرار عبر ممر مغلق، إلا أن أحد المتجمهرين قام بإعادته مرة أخرى، وتناوبوا الاعتداء عليه بالضرب بأيديهم، وأرجلهم حتى فقد وعيه إلا أنه تمكن من الهرب عقب إفاقته..

وقد قام المتجمهرون بالتخريب العمدى لمبنى القسم ومحتوياته، فعاثوا فيه فسادًا وإفسادًا، وأطلقواصوبه قذائف (آر بى جى) وأعيرة نارية حطمت واجهاته والحجرات المطلة على الواجهتين وحائط السلم الصاعد للطابقين الأول والثانى، كما ألقوا على المبنى زجاجات المولوتوف فاشتعلت النيران به واحترق، وفقد صلاحيته وقاموا بهدم السور الخارجى باستخدام معدة ثقيلة (لودر)، وقاموا بتكسير زجاج جميع نوافذ وشرفات المبنى وأبوابه وإتلاف، وتحطيم جميع محتوياته، ومنقولاته، وأشعلوا النيران بالسيارات الموجودة بمحيط مبنى المركز، وداخله وأيضًا المبنى الملحق به.

وعقب اقتحام المتجمهرين ديوان المركز قاموا بسرقة الأسلحة والمهمات الشرطية، كما قاموا بسرقة الأسلحة والذخائر التى كانت داخل المخازن، كما قاموا بسرقة العديد من المهمات الأخرى الموجودة بداخل المركز.

وقام المتجمهرون أيضًا بإطلاق سراح العديد من المحبوسين داخل مركز الشرطة، كما قاموا بتهديد سكان المنطقة بمعاقبتهم وحرق بيوتهم فى حال تقديم أية مساعدة لضباط وجنود شرطة المركز.

وبعد هذه الأحداث الدامية التى عاشتها منطقة كرداسة بدأت أجهزة الشرطة فى إجراء تحريتها حول أسماء المتورطين فى هذه الأحداث فألقت القبض على العشرات منهم فى 19 سبتمبر عام 2013 ، حيث استشهد فى عملية الاقتحام اللواء نبيل فراج مساعد مدير أمن الجيزة.

وكان اللواء نبيل فراج قد أشرف على خطة الاقتحام للقبض على المتهمين المطلوبين، ومع وصول القوة إلى نقطة الارتكاز الأخيرة إلى موقعها لإغلاق الكوبرى الذى يفصل منطقة ناهيا عن كرداسة بدأ أفراد القوة البالغ عددهم 18 ضابطًا وفردًا بتفقد العقارات المحيطة ومطالبة الأهالى بغلق النوافذ خشية تعرض حياتهم للخطر.

ولم تمض لحظات على هذا التحذير إلا وبادر عدد من الإرهابيين المطلوبين، والذين كانوا يعتلون سطح إحدى المدارس بإطلاق النار عشوائيًا من أسلحة آلية تجاه القوة الأمنية، حيث سقط اللواء نبيل فراج جريحًا فتم سحبه وسط إطلاق النيران ونقله إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة، بينما أصيب آخرون كانوا برفقته.

وقد لاحقت قوة الشرطة المتهمين باغتيال الشهيد نبيل فراج وإحالتهم للمحكمة، حيث قضت محكمة الجنايات فى 30 يوليو 2016 بإحالة أوراق 13 منهم إلى فضيلة المفتى لإبداء الرأى فى إعدامهم، وحددت جلسة 24 سبتمبر 2016 ، للنطق بالحكم النهائى. وفى العاشر من يناير 2018 أيدت محكمة النقض حكم الإعدام ضد ثلاثة متهمين وصدر حكم بالسجن المؤبد لـ 4 آخرين، حيث قامت مصلحة السجون بتنفيذ حكم الإعدام شنقًا بحق المتهمين الثلاثة. 

أما عن الأحكام الصادرة بحق المتهمين فى مذبحة كرداسة ففى فبراير 2015 قضت محكمة جنايات القاهرة بإعدام 183 متهمًا فى القضية والسجن 10 سنوات لحدث إلا أن محكمة النقض ألغت وأمرت بإعادة محاكمة 156 متهمًا، وبعد إعادة المحاكمة قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمى، وعضوية المستشارين رأفت زكى محمود ومختار محمد عشماوى فى 2 يوليو 2017 بإعدام 20 متهمًا، ومعاقبة 80 آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة والسجن المشدد 15 عامًا ل 34 آخرين، ومعاقبة أحد الأحداث بالسجن لمدة 10 سنوات وبراءة 20 آخرين.

وفى 24 سبتمبر 2018 أسدلت محكمة النقض الستار على قضية مذبحة كرداسة المتهم فيها 135 شخصًا. حيث أيدت الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة بالإعدام شنقًا لـ20 متهمًا، والسجن المؤبد لـ 80 شخصًا، والمشدد 15 عامًا ل 34 متهما والسجن 10 سنوات لطفل حدث وبراءة 20 آخرين.

وفى 26 أبريل 2021 نفذت السلطات حكم الإعدام الصادر ضد 9 من المحكوم عليهم فى قضية مذبحة كرداسة بسجن وادى النطرون، بينما لا يزال آخرون ينتظرون.. وهكذا كانت هذه الجريمة بكل أبعادها دليلًا جديدًا على العنف والإرهاب الذى ارتكبته الجماعة، وحلفاؤها فى مواجهة رجال الشرطة القائمين على تنفيذ القانون وحماية الأمن والاستقرار.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة