محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001

محمد بركات

الثلاثاء، 12 سبتمبر 2023 - 07:24 م

«فى يوم الثلاثاء الأسود، الحادى عشر من سبتمبر 2001، كان انهيار مركز التجارة العالمى فى نيويورك، وسط ذهول العالم وعدم تصديقه... لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ أمريكا وعلاقاتها بالعالم العربى والإسلامى».

فى مثل هذا اليوم الحادى عشر من سبتمبر منذ اثنين وعشرين عاماً، كنا فى عام 2001 وكان العالم منقسماً ما بين الذهول وعدم التصديق لما يراه رؤية العين وما يشاهده منقولاً على الهواء مباشرة، عبر كل القنوات الفضائية،..، ولكن كان من الصعب فهمه واستيعابه أو تصديقه.

كان المشهد صادماً ومروعاً وخارجاً عن نطاق العقل والمنطق ومتعدياً حدود الخيال، وحدود التوقع لإمكانية حدوثه فى أى يوم من الأيام.

فى مثل هذه الأيام كان الحادى عشر من سبتمبر 2001، كالأمس يوم الثلاثاء، ولم يكن يوم الأربعاء مثل هذا اليوم،..، ومن شدة الهول الذى رآه الأمريكيون ومعهم العالم أجمع يحدث أمامهم فى ذلك اليوم الذى أطلقوا عليه يوم الثلاثاء الأسود،...، وصار الاسم علامة مسجلة يطلقها العالم كله على ما جرى وما كان، من أحداث خارقة لكل ما اعتادوا عليه من مسميات اعتادوا عليها من قبله.

ففى هذا اليوم وقعت أحداث جسام لم تكن مُتخيلة الوقوع على الإطلاق، وبوقوعها اختلف العالم عما كان قبلها،..، فلم يكن أحد يتخيل أو يتصور انهيار برجى التجارة العالمى فى نيويورك، فى أى لحظة ولا فى أى يوم، ولكنه حدث فى يوم الثلاثاء الأسود الحادى عشر من سبتمبر، لتبدأ بسقوطه وانهياره حقبة جديدة وصفحة جديدة من تاريخ أمريكا، امتدت آثارها فوراً إلى العالم كله، وخاصة الدول العربية والإسلامية، التى نحن فى القلب منها.

انهيار مركز التجارة

فى هذا الحدث غير المتوقع ولا المُتخيل من قبل، شاهد الأمريكيون ومعهم الدنيا كلها، عدداً من الطائرات المدنية المخصصة للركاب والسفر عبر بلاد العالم ومدنه وعواصمه، تصدم عامدة برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، وتقتحم المبنى بصورة مباشرة بعد الاصطدام وتفجره ليصبح أثراً بعد عين فى لحظات.

كان عدم التصديق هو الانعكاس المباشر ورد الفعل اللحظى والتلقائى، الذى أصاب الكل فى بادئ الأمر، ثم أعقبته موجة عاتية من الذهول وعدم القدرة على الفهم أو الاستيعاب.

وما بين موجات الذهول، كان المهرب أمام الكثيرين، هو تصور أن ما يشاهدونه عبر شاشات الفضائيات، هو مجرد لقطات من فيلم سينمائى جنح فيه الخيال واشتط فيه المخرج، وأنه بالقطع لم تكن أحداثاً واقعية تجرى على الأرض وفى مدينة نيويورك، فى قلب أمريكا النابض بالحياة والمليء بالحركة ليل نهار، وأنه فى المركز من نيويورك حيث مركز التجارة العالمى المؤثر فى حركة المال والتجارة فى العالم كله.

لحظة فارقة

وإذا ما حاولنا اليوم إلقاء نظرة فاحصة ومتأملة على ما حدث منذ اثنين وعشرين عاماً، والتوقف والبحث أمام ما جرى وما كان فى يوم الثلاثاء الأسود الحادى عشر من سبتمر 2001، سنرى أن أحداً لم يدرك فور رؤيته أو سماعه لهول الزلزال الذى تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية، قدر ومدى التغيير الجسيم الذى يوشك أن يطرأ على العالم كله، نتيجة هذا الزلزال الذى هز الدولة العظمى فى العالم وأصاب الدنيا كلها بالذهول.

ولن نجد أحداً أدرك وقتها وهو يشاهد تلك الصورة الدراماتيكية لانهيار برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، أنه يقف على أعتاب لحظة فارقة فى حياة البشرية، تفصل بالفعل ما بين تاريخين منفصلين هما ما قبل الحادى عشر من سبتمبر وما بعده.

وأحسب أن أحداً من العرب ونحن منهم، لم يطرأ على ذهنه وهو يشاهد تلك الصورة، لما يجرى وسط أكبر المدن الأمريكية وأشهرها على الإطلاق، أن منطقة الشرق الأوسط التى نحن فيها ومنها، ستكون أكثر المناطق تأثراً بتتابعات هذا الزلزال الهائل، والأكثر تعرضاً لآثاره المدمرة والفظيعة، وأن العرب والمسلمين بالذات سيصيرون الهدف لكل انتقام.

وبالفعل لم يستطع أحد من المسلمين فى شرقنا الأوسط، أو فى غيره من بلدان المسلمين الممتدة من أفغانستان وباكستان وغيرهما، وصولاً إلى المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، أن يفطن أو يتوقع ولو بالحدس والتخمين، لحظة اصطدام الطائرات بمركز التجارة العالمى، مدى الاضطهاد والمعاناة التى سيواجهونها فى أماكن كثيرة من العالم نتيجة ما جرى فى صباح الثلاثاء الأسود الحادى عشر من سبتمبر 2001.

نظرية المؤامرة

وفى تفسير ما حدث وما جرى، هناك رؤى كثيرة وروايات عدة ظهرت فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وغيرها من القارات والدول بامتداد العالم، وعلى طول السنوات الممتدة من 2001 وحتى الآن.

ورغم تعدد التفسير واختلاف الرؤى وكثرة الاجتهادات، إلا أن الكل أجمع على أن أحداً فى الولايات المتحدة من عامة الناس، لم يكن يتخيل فى يوم من الأيام رؤية أو معايشة أو مشاهدة ذلك الفزع الهائل والرعب الرهيب، الذى وقع على أرضه وفى أشهر مدينة فى بلاده، وأهم موقع فى هذه المدينة.

ولكن اللافت للانتباه فى كل هذه الرؤى وتلك الروايات والاجتهادات، وجود توجه ملحوظ لا يمكن إغفاله، نحو الأخذ بنظرية المؤامرة فى تفسير ما جرى وما كان،...، حيث نجد من يقول بأن ما وقع وما جرى كان بترتيب وتخطيط وإعداد الأجهزة ذات القوة والتأثير فى الدائرة الضيقة لقمة السلطة والحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية، والتى رأت فى ذلك ضرورة لبدء مرحلة جديدة من سيطرة الولايات المتحدة على مقاليد العالم، ورسم خريطة جديدة له تخدم المصالح الأمريكية، وتعزز هيمنتها على الشرق الأوسط والعالم الإسلامى، تحت مسمى محاربة الإرهاب، فى حين أنها هى التى اخترعت الحدث والواقعة، حتى تخلق غول الإرهاب وتصدره إلى الدنيا كلها، ثم تعلن الحرب عليه وترفع شعار مَن ليس معنا فهو ضدنا.

ويقول أصحاب هذه الرؤية وهذا التفسير التآمرى لأحداث الحادى عشر من سبتمبر، أنه من أجل ذلك كانت هذه الأحداث ضرورة أمريكية لتحقيق الهدف والإعلان عن انطلاق غول الإرهاب مُهدداً العالم كله،..، ولابد من الإعلان عن الحرب عليه.

وسواء أخذنا بنظرية المؤامرة أو لم نأخذ بها، فلابد أن نعترف بحقيقة أن المواطن الأمريكى كان غارقاً فى بحر من الإحساس المفرط فى الأمن والأمان بعيداً عن تقلبات العالم الخارجى، ولكنه استيقظ فجأة فى الثلاثاء الأسود على أحداث مفزعة ودوامة هائلة من الرعب جعلت منه ضحية للعنف والإرهاب.

عالم جديد

وحتى لو استبعدنا مؤقتاً نظرية المؤامرة، رغم ما لها من قبول ملحوظ فى العالم كله الآن وطوال السنوات الماضية، لوجدنا أن وقع الصدمة كان له أثر شديد بالفعل على الشعب الأمريكى كله، وكذلك على شعوب العالم التى فوجئت ورُوِّعت بالأحداث، واضطرت لتصديق الرؤية الأمريكية التى ترى أن غول الإرهاب هو المسئول، وأنه قد انفلت من عقاله وأصبح يهدد العالم كله.

وبعد الصدمة ومع الدهشة لم يجد الكل مناصاً من تصديق ما يراه ويسمعه، بعد انهيار مركز التجارة العالمى ببرجيه الضخمين بما لهما من ثُقل نوعى ومعنى اقتصادى كبير بالنسبة لأمريكا والعالم، وبعد محاولة ضرب مقر وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بطائرة ثالثة، بما تعنيه من ثُقل عسكرى وأمنى ضخم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وجد الجميع أنفسهم أمام واقع جديد، يقول إن أمريكا تواجه حرباً شاملة وجديدة، حرباً من الإرهاب.

ومع إعلان الولايات المتحدة للحرب، ووسط العصبية والارتباك الذى ساد العالم كله فى ظل الغيامات الكثيفة والسُّحب الداكنة والمعتمة التى غلفت الأحداث كلها، بدأت ملامح عالم جديد تلوح فى الأفق، وبدأت ظلال العالم الذى كان قائماً قبل الحدث تذوى وتتوارى بفعل ما جرى وما وقع فى الحادى عشر من سبتمبر «يوم الثلاثاء الأسود»، الذى أصبح علامة فارقة فى سجل العالم بصفة عامة ومنطقة الشرق الأوسط والعالم العربى والإسلامى على وجه الخصوص.
وخلال تلك اللحظات أدرك العالم أن الولايات المتحدة بإعلانها الحرب على الإرهاب، قد فتحت باباً واسعاً يُطل على فضاء لا نهائى واحتمالات لا تُعد ولا تُحصى، حيث إنه من السهل أن تعلن الحرب وأن تبدأها، ولكن من الصعب أن تتحكم فى نتائجها أو أن تحدد نهاية لها، خاصة فى ظل أهداف فضفاضة وعدو غائم خفى يصعب البحث عنه أو التعرف عليه وسط دلائل باهتة وظلال غامضة.

الفوضى الخلاقة

وفى إطلالة واسعة على ما جرى وما كان، وصولاً إلى ما هو قادم اليوم بعد اثنين وعشرين عاماً مما حدث فى عام 2001، نجد أن الولايات المتحدة قد فتحت باباً للحرب فى ذلك الوقت، ولكنها لم تستطع أن تغلقه بمثل البساطة التى فتحته على مصراعيه فى ذلك الوقت، رغم أنها ضربت أفغانستان وجبالها ووهادها بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والرهيبة ابتداء من الصواريخ والقنابل، وانتهاء بكل أسلحة الدمار الشامل، كما لم تُضرب دولة من قبل، ولكن رغم ذلك اضطرت إلى الانسحاب المخزى والمتعجل من أفغانستان، وبقيت أفغانستان مرتعاً ومؤلاً لجماعات التطرف والعنف.

ولم يقتصر الأمر على أفغانستان، بل امتدت آثار الحدث الذى جرى فى الحادى عشر من سبتمبر وما تلاه من تتابعات إلى العراق، حيث شنت أمريكا حرباً شعواء على العراق ودمرته تدميراً كاملاً وشاملاً، بحجة كاذبة قالها بوش الابن، الذى كان يتولى الرئاسة الأمريكية وقتها، هى أن صدام حسين رئيس العراق فى ذلك الوقت، أصبح خطراً على العالم كله، وأن العراق يمتلك ترسانة نووية وكمية هائلة من أسلحة الدمار الشامل، ولابد من تدمير هذا الخطر والقضاء عليه.

ورغم أن العالم كله لم يصدق كذبة بوش، وبالرغم من ثبوت عدم صحتها، إلا أن أمريكا أصرت على شن الحرب على العراق، وكانت النتيجة دمار العراق وقتل ما يزيد على نصف مليون عراقى، والقضاء على وحدة وسيادة الدولة العراقية وتفكيك تماسكها، وكانت النتيجة كذلك إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت «كوندليزا رايس» صيحة الفوضى الخلاقة، ونبوءة أو بشارة الشرق الأوسط الجديد، وخريطة جديدة للمنطقة العربية والشرق  أوسطية،...، والتى كانت فى حقيقتها وجوهرها التمهيد للنيل من الدول العربية القائمة فى المنطقة وبداية التحرك لتفكيك وهدم هذه الدول،...، وهو ما رأيناه يحدث فى عواصف وزوابع ما سُمى بالربيع العربى، فى كل من سوريا وليبيا واليمن،..، وهو ما كان مقرراً ومُخططاً له أن يمتد ويحدث فى مصر وغيرها من الدول العربية ومصر بالذات، باعتبارها قلب وجوهر العالم العربى،...، ولكن عناية الله ويقظة شعب مصر وجيشها منعت ذلك وأحبطت هذا المخطط وأنقذت مصر والمنطقة مما كان يُخطط ويُراد بها من قوى الشر وجماعة الإفك والضلال.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة