أمين الريحانى
أمين الريحانى


كنوز| قوة الفكر والحب

عاطف النمر

الأربعاء، 13 سبتمبر 2023 - 08:18 م

بقلم : أمين الريحانى

كل فكر يتجسد على هذه الكرة الصغيرة هو عالم كبير فى عالم صغير، التفكيرُ حياة العوالم كما هو حياة الإنسانية، التفكير صلاةُ الفيلسوف، يولد الحركة ويجلو العقل ويطهر النفس، وليس التفكُّر بالأمر السهل، فصياغة الأفكار أصعبُ من صياغة الجواهر، الشعراء يعرفون ذلك ويكابدونه، وكم من أناسٍ يعجزون عن الإجابة لو سألتهم فيم يفكرون؟ وكم من الناس لا يفكرون البتة فى حياتهم اليومية، وقد يفكرون فى أحلامهم عن غير إرادة وإدراك؟

قوةَ الفكر أَعْظَمُ من قوة الطبيعة، رويدكم أيها العلماء والماديون، فإذا قلتم لى لا تقدر أن تسكن بين عناصر الطبيعة المهاجمة وأنت مُقاومٌ لها أقولُ لكم إن مملكة أفكارى واسعةٌ ومملكة أحلامى أوسعُ، أعيش هنالك مطمئن البال بعيدًا عن جراثيم الأطباء وعن الجبال الباردة التى يعتصم فيها العلماء، تعالوا نفكر كما نشاء ونعيش كما نفكر، تعالوا نحلم أحلامًا جميلة ونحب كما نحلم حبًّا جميلًا، قد سئمت طرق العلماء التحليلية التى تحصر حياة الإنسان بين كهفٍ مظلم وقبرٍ بارد، فمن الكهف إلى القبر عن طريق التمدن الحديث، ما أجمل هذه السياحة ولكنها لِحُسْنِ الحظ قصيرةٌ، وأما السياحة الفكريةُ الروحيةُ التى يمر بها السائحُ على جزائر الحب وغيرها من الأماكن الجميلة التى أعجز عن وصفها، أولها عالَم الأزل وآخرُها عالَم الخلود.

لذلك أقول: إن المرء يستطيع بقوة الفكر أن ينتصر على القُوى الطبيعية، ويجد هنالك قوة فوق الفكر، ألا وهى قوة الحب، فالحب… ولكن تلك قصة أُخرى تقصها العيون النجلاء فى بساتين الجمال ويهمس بها النسيمُ فى آذانِ الشقيق تحت سماء المُنَى والآمال، إذا أجلت فى حالة الناس فكرًا فيكفى ذلك الفكر، املأْ بندقية العقل يشتغل النابض لنفسه، تَفَكَّرْ تلقَ نتائجَ فكرك آجلًا أو عاجلًا فهى تظهر رغم ما يعترضها من الصعوبات، ولربما ظهرت فى عمل صغير من أعمالك، أو فى كلمة تَفُوهُ بها على الفور فى الساعة التى تأبى النفسُ فيها التحجُّب، أو فى مساعدة تُبديها لبعض الناس أو فى خُطوة تخطوها نحو الغرب أو فى لَفْتَة تتلفتها نحو الشرق، أو فى مُصافحة تصافحها باغيًا أو بغيًّا، أقول لكم : تفكروا فالحركةُ التى تبدو فى الكريات الدماغية حسب زعم الماديين إنما هى مثل كل حركة تبدو فى الكون، الشرارة التى تقدحها النفس تتطاير منك إلى سواك ولربما أنارت البعيدَ أكثر مما تُنير القريب لربما كانت أجلى لأولئك الذين يرونك من علوهم باحتقارٍ منها لأولئك الذين ينظرون إليك من العُمْق بغاية الوقار.

الشعلة التى نراها الآن بعيدةُ العهد، لعلها أُضرمت منذ ألوف من السنين فى كوكب يَبعد عن شمسنا ملايين من الأميال، أُضرمت هذه القوةُ النارية لتولِّد قوات أُخرى، أُضرمت لغرض سامٍ لا ليبدَّد نورها فى الفضاء ويتلبد دخانها على إفريز البيوت فقط،، والخبز فى معدة الشاعر يولد قوة أُخرى تنفصل عن القوة النارية، وتسرى فى الدم إلى الدماغ وتولد حركة أفكار بينها وبين لهيب النار تشابهٌ عجيب، فلا وقوف ولا انقطاع ولا نهاية، يا لها من دورة عظيمة غريبة سرية إلهية تجمع بين من أين وإلى أين ؟!.

نعم أنا على يقين أن الفكر لا يموت والنفس لا تفنى، والبذرة التى تقع من يد الزارع على الصخر تُساعدنى أن أقدم ولو برهانًا ضعيفًا على اعتقادٍ قويٍّ، فهل تظن عزيزى القارئ أن البذرة هذه تموت ؟ زُرْها العام المقبل وانظر كيف خَدَمَتْها الرياحُ وكيف أنعشها الشتاء وكيف عُنيت بها الأعاصير وجرفت لها التراب من أعلى الجبال واستدرت لها الماء من الغيوم، وانظر الآن كيف ترفع رأسها من شق الصخر لتشكر للشمس كرمَها وللغيم فضله.

من كتاب «الريحانيات» 
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة