عبدالهادي عباس
عبدالهادي عباس


قلب وقلم

عبدالهادي عباس يكتب: مأزق الكاتب الروائي للبحث عن موضوع.. في «عزيزتي سافو» لهاني عبد المريد

عبدالهادي عباس

الأربعاء، 20 سبتمبر 2023 - 03:16 م

الكتابة فعل مؤرق، مخاض حقيقي، يأتي من أغوار القلب؛ وليست انعكاسًا شاحبًا لزوايا نفسٍ مريضةٍ مغرمة بتعاسة القراء، ولهذا فإن تجاوز لحظة الخلق الإبداعي وإغفال التعبير عنها يبدو نوعًا من الجُرم الكتابي، خاصة أن هاتيك اللحظة تختلف من كاتب إلى غيره، ومن كتاب إلى آخر.

وقد التفت كثير من المبدعين إلى ذلك الانبثاق النوراني الفاصل بين عتمة ضياع الفكرة وضياء ميلادها، وذكروه في مقالاتهم وكتبهم؛ لكن الجديد عند الروائي الشاب هاني عبد المريد أن روايته (عزيزتي سافو)- الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب- تأتي متكاملة في موضوعها وسردها، منفعلة بهذا التشابك الإبداعي، وكيف يتكوّن، ومتى يُولد؛ عارضة لإشكالية اختيار موضوع العمل الإبداعي، أو المدخل الضروري للكتابة، مع وجود عقبة كأداء، سواء أكانت مادية- وهي معضلة ضاغطة على المؤلف- أم نفسية، أم إعلامية؛ بمعنى أن يُصبح المؤلف رهين ما يحتاج الجمهور إلى قراءته؛ حتى إن "خالد" بطل الرواية قد كتب رواية بسيطة عن الحب ليُسكت بها الناشرة المسيطرة "ميليسا" ويصرفها عن الرواية التي تريدها منه، فإذا بالرواية تُصبح على قائمة الأكثر مبيعًا؛ وتلك هي المفارقة الضاغطة على نفسية الكاتب وحيرته بين كتابة ما يؤمن به ويؤثر فيه، أو ما يريد القراء ويسهم في انتشار اسمه وزيادة أرباحه المادية.

"عزيزتي سافو" ليست رواية واحدة بتفاصيل محددة مثل معظم الروايات؛ وإنما هي عدة روايات بخيوط متشابكة ولكنها واضحة بتفاصيلها الدقيقة؛ الأولى: رواية "خالد" الباحث عن خط درامي يُرضيه، وقد ظل يبحث عن هذا الخط طوال الرواية، قد ينشغل عنه، ولكنه يقترب منه في لهفة وولع وعذاب نفسي. والثانية: تلك الرواية التي أرادت منه الناشرة "ميليسا" أن يكتبها ليغسل بها التاريخ الملوث لجدها الخائن معاون الفرنسيين، وتقديمها له كل المغريات المادية التي تعلم كم يحتاجها "خالد" في ظل حالة التقشف التي يعيش بها بعدما تم نهب إخوته ميراثه الضئيل من أبيه. والثالثة: تلك الرواية التي كتبها "خالد" على عجل وقدّمها إلى الناشرة "ميليسا" تلهية لها إلى حين ينتهي من الرواية الأم التي يعمل عليها، والغريب أن تلاقي هذه الرواية الثانوية إقبالًا جماهيريا؛ وهناك رواية رابعة كتبها "خالد" بعد وفاة صديقه "بولا"؛ إضافة إلى عشرات الأفكار المطروحة عن موضوعات تصلح أعمالًا روائية؛ منها: قصة "سافو" مع أخيها وزوجها، وقصة حبها لـ "فاوون"، وقصة "فاوون" نفسه مع "أفروديت"، وقصة المدرسة التي افتتحتها "سافو"؛ وكذلك قصة العمارة التي يسكن "خالد" أعلاها، وتضم نماذج بشرية غير متجانسة.

تبدو الشاعرة القديمة "سافو" المؤثر الأول في الرواية التي تحمل نفسها؛ كما تحمل الصوت الأنثوي الأبرز الذي يدفع العمل إلى النمو والاكتمال التدريجي؛ وهناك أصوات نسائية أخرى كانت مؤثرة في العمل، مثل "أشجان" العاهرة التي ألهمت "بولا" ليرسم لوحات فريدة ووقفت بجواره حتى أقام معرضه الأول؛ وهناك "سميرة" أمينة المكتبة العامة، المُطلقة، التي تحب "خالد"، أو تحب ما يكتبه؛ وكلها نماذج تؤكد فكرة أن النفس الإنسانية متغيرة، ولا تقف عند حال واحدة من الثبات والجمود؛ فالعاهرة طيبة وملهمة، والمثقفة الغنية صاحبة دار النشر مستغلة ولئيمة؛ وأمثال هذه المفارقات تزيد من توهج السرد وتدفع إلى حل الكثير من عُقد التشويق.

لا يُمكن أن نغفل في رواية "عزيزتي سافو" عن بعض الحكمة الفلسفية التي حاول المؤلف بثها في تلافيف العمل؛ مثل: "قل لي يا صديقي: ما قيمة أن تنجو بنفسك وسط عالم من الهالكين؟"؛ وقوله: "الكاتب في كل الأحوال سيدفع ثمنًا غاليًا، لكن عليه أن يختار ما الثمن الذي سيدفعه، ثمن صمته أم ثمن كلامه"؛ وقوله: "لذلك سأقول لك: لو علمت الكثير عن المرأة فقد علمت الكثير عن الكتابة؛ كلاهما لا يرجو منك سوى الحب، الحب الكامل غير المنقوص ولا المشروط، حينها ستحصل على أكثر مما تريد، وأعظم مما تتخيل"؛ وغيرها من العبارات التي توضح ثقافة المؤلف المتشعبة.

رغم حصوله على جائزة الدولة التشجيعية من قبل، وصدور أكثر من خمسة مجموعات قصصية وروائية له، فإن "هاني عبد المريد" يبدو كثير الصمت، مشغولًا بالتفكير في أعمال روائية وقصصية جديدة؛ تمامًا كما "خالد" في روايته "عزيزتي سافو"؛ كما أن قصر الرواية النسبي يقول إن "عبد المريد" يُفضل القصة على الرواية.. "عزيزتي سافو" كانت العمل الأول الذي أقرؤه لهاني عبد المريد، لكنه بالتأكيد لن يكون الأخير.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة