يوسف القعيد
يوسف القعيد


يوميات الاخبار

أبطال القلق

يوسف القعيد

الأحد، 24 سبتمبر 2023 - 07:55 م

وأنا لا أكتب هذا الكلام لكى أُذكِّر الناس بدور مصر، فدورها هو قدرها فى كل زمان ومكان

أهدانى الدكتور محمد الباز كتابه الجديد: قلق على ورق من دفتر الأفكار المزعجة. وعلى غلاف الكتاب شخصيات عشر: طه حسين، نجيب محفوظ، محمد حسنين هيكل، وحيد حامد، نوال السعداوى، أحمد خالد توفيق، صلاح فضل، سناء البيسى، عادل حمودة، السيد ياسين. وهو يهدى كتابه إلى هؤلاء الذين يحمون آذانهم من كل من لا جدوى منه.
أما رئيس تحرير سلسلة كتاب اليوم التى نشرت الكتاب زميلنا الصحفى علاء عبد الهادى الذى يتولى المسئولية عن هذه السلسلة، وقبلها وبعدها رئاسة تحرير جريدة أخبار الأدب؛ فيكتب فى مقدمته للكتاب أن المؤلف يجمع بين أشياء من الصعب أن تجتمع فى شخص واحد، ولكن دراساته للإعلام أفادته للتنقل بينهما بمهارة يحسد عليها، وأصبح كمن يجيد عزف أكثر من آلة موسيقية، امتلك أدوات الإعلام الورقى التقليدى ثم خرج منها إلى الإعلام المرئى والمسموع، وأصبحت له برامجه على شاشة التليفزيون وأثير الإذاعة والإنترنت.


ويقول المؤلف فى مقدمته: يمكن التعامل مع الكتاب على أنه بعض من حكايات تراثنا الأدبى والصحفى والثقافى. فعندما تقرؤه ستجد فيه بالفعل كثيراً من الحكايات التى لا تزال ساخنة رغم مرور سنوات عليها. ونصيحتى ألا تأخذ الكتاب على أنه مجرد حكايات، فخلفها يمكن أن تعتبرها مُسلِّية، تخترق حياتنا وتؤرقنا وتجعلنا فى مواجهات نجد أنفسنا معها غير قادرين على حسم قضايا لا تزال مفتوحة، فكيف يمنحنا أبطال القلق الراحة؟
طه حسين صحفياً
ويبدأ كتابه من عميد الأدب العربى وصاحب أهم تجربة أدبية وثقافية وإنسانية فى الأدب العربى فى القرن العشرين. إنه الدكتور طه حسين.. يكتب عنه:
- ما لا يعرفه كثيرون أن طه حسين تولى رئاسة تحرير جريدة الجمهورية لمدة عام. جرى هذا فى بداية الستينيات، وقتها كان صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة يرأس مجلس إدارتها، وفكر أن يكون للجريدة أكثر من رئيس تحرير، كان طه حسين واحداً من رؤساء تحرير الجمهورية بجوار كامل الشناوى وناصر الدين النشاشيبى وإبراهيم نوار.
ويحكى على لسان موسى صبرى أن صلاح سالم اتصل به تليفونياً وقال له إن الدكتور طه حسين يتحدث معى وهو متألم، وإنه لا يقبل مرتباً بغير عمل، وقد اتفقت معه على أن يتصل به تليفونيا كل مساء لكى تعرض عليه مانشيتات الصحيفة وأهم الأخبار، وأرجو أن تفهم أن هذا مجرد إجراء شكلى لإرضاء الرجل.


أم كلثوم الصحافة
ويكتُب عن سناء البيسى أنها صاحبة الاسم الذى يصعُب علينا ترجمته فى كلمة واحدة، أو عبارة طالت أو قصُرت مهما كانت بليغة ومُكثَّفة وعميقة. فحروفها تغلب كل المعانى وتتجاوزها. والقصة تحتاج إلى راوٍ شعبى من الذين يجيدون صياغة الملاحم الكبرى.
وصلت إلى القاهرة سنة 1993، وكانت قد وضعت قواعد المجلة التى أراد لها رئيس مجلس إدارة الأهرام إبراهيم نافع أن تكون نسائية. فإذا بها تنفُخ فيها من روحها، فتحولها إلى مرجعية من الفن والثقافة والأدب والفنون التشكيلية والتاريخ، واضعة حجر أساس لمدرسة صحفية جديدة أهم ملامحها أن صحافة المرأة بها فارقت ما كانت عليها قبلها.
يعترف المؤلف أنه لم يُفكر أبداً فى الاقتراب منها، وإن كان يذكر أنه لن ينسى جلسات عُمر طاهر، رفيق الأيام الصعبة فى مدينة الطلبة بإمبابة. كان يضع إلى جواره حقيبة بها مقالاته التى كان يكتبها للدستور، واكتشف أن عنده مقابلة مع الأستاذة، وتساءل: لماذا يقولون الأستاذ فيكون الكلام على محمد حسنين هيكل. وعندما يقولون الأستاذة يُصبح الكلام على سناء البيسى؟
لم تكن مهمتها إصدار مجلة مُتخصصة تزحم السوق الصحفى، ولكنها كانت تُمهِّد الطريق أمام أجيال جديدة لا تملك إلا موهبتها وبعض أحلام للصعود. أفسحت لهم من روحها دروباً ومسالك كانت مُعقَّدة. بعد خمسة عشر عاماً تركت رئاسة تحرير نصف الدنيا بعد أن وجدت نفسها مضطرة للرحيل عن العالم الذى نسجته من خيوط روحها، ورسمت بفرشاته التى لم تفارقها أبداً.
وحيد حامد
يبدأ الكتابة عن وحيد حامد من لحظة رحيله عن الدنيا. وإن كان لا يعرف كم الحُزن الذى عاشه عندما ودَّع وحيد حامد. وهو نفس الحزن الذى سبح فيه عندما ودَّع أمه بعجزٍ واستسلام وقِلَّة حيلة. ويصف وحيد بأنه دون كيشوت خرج ليحارب طواحين الهواء بسيفه الخشبى، وأنه كان يكتفى على مائدته بشُرب فنجان من القهوة ويتفرغ بعد ذلك لما يدور بينهم من حوارات لم تكن جامحة فقط، بل كانت طائشة أيضاً. كان يشغله ما يقوله وحيد بتركيز نادر، فكل كلمة عنده لها قدرها ومقدارها، مكانها وزمانها، مقصدها ومرادها، رنَّتها وبريقها. لم يكن وحيد يتحدث بالمجَّان أبداً. ويعترف أنه اكتشف وحيد فى قاعة سينما اللبان بدمياط قبل أن يصل إلى القاهرة. كانت تعرض فيلمه «اللعب مع الكبار» فى عام 1991.
وهذا الفيلم أخذه إلى عالم وحيد السينمائى بزاوية جديدة، عندها كان قد قرر أن يكون صديقاً لهذا الكاتب الفذ. ويعترف أنه رأى وحيد رجلاً مستقيماً شريفاً، فمن يُعبِّر عن الناس بهذه الطريقة دون أن يخشى شيئاً لا يُخفى ما يُدينه، أو يتحسس «بطحة» على رأسه، أو يدفن عيباً يتحسب أن يأتيه عبره من يؤرقهم ما يكتبه ويقلقهم ما ينشره.
أشقاء من وطننا العربى
لا تتصور أن الكتاب مُخصص لأسماء كبيرة من مصر، بل إن هناك كتابة عن أشقاء عرب، فكتب عن الدكتور داهش نبى القرن العشرين. وكتب معركة ناهض حتّر التى خاضها لوجه الله. وإن كان مأخذى على الكتاب أن البُعد العربى فيه قليل، فلو أنه اهتم بالأدباء والمفكرين الأشقاء العرب الذين لولا مصر ما كتبوا وما كانوا وما عبَّروا من خلال مشروعاتهم الأدبية عما كتبوه ورسموه وقالوه. وأعدادهم لا تُحصى.


وأنا لا أكتب هذا الكلام لكى أُذكِّر الناس بدور مصر، فدورها هو قدرها فى كل زمان ومكان، ولو أنه ركَّز على الأشقاء العرب الذين أخذوا حُلمهم من مصر، واكتشفوا مواهبهم وهم هُنا فى مصر، وعادوا إلى بلادهم يحملون مشاعل الإبداع والتوهُّج والتقدُّم، وربما كانت هذه القضية تصلُح كتاباً للأشقاء العرب والمسلمين الذين جاءوا إلينا وعادوا إلى بلادهم يشيعون نوراً وهَّاجاً فى كل قضايا الحياة.
ظُلم نجيب محفوظ
يتوقف صاحب الكتاب أمام البيان الذى نشرته دار ديوان للنشر بعدما حصلت على حق نشر أعمال الروائى العالمى نجيب محفوظ فى بداية ديسمبر 2021. وعندى هنا جملة اعتراضية لابد أن أذكرها.. أن ترك ورثة نجيب محفوظ لدار الشروق التى قدَّمت أعماله بطريقة نادرة وجميلة وغير عادية، وتُعتبر الحاضنة الأساسية للروائى الفذ صاحب نوبل الوحيدة فى الأدب بعد الدار التى بدأ بها وهى دار مصر للطباعة والنشر لصاحبها الروائى عبد الحميد جودة السحَّار، والتى كان يديرها شقيقه سعيد.
أعود إلى توقُّف الكاتب أمام ما أعلنته دار ديوان أنها ستقوم بعملية تنقيح ومراجعة بأحدث تقنيات النشر الورقى والرقمى والصوتى لأعمال الرجل. فهذا الموقف يُشعِّل كثيراً من الحرائق، وكان المفروض أن تقوم على آثارها قيامة المثقفين، الذين ينظرون لما أنتجه نجيب محفوظ على أنه جزءٌ من تُراث الإنسانية لا يحق لأحد أن يقترب منه، ولا يحق لأحد أن يدَّعى مجرد ادعاء أنه سيقوم بتنقيح أو مراجعة الإبداع لإبداع محفوظ. فمن يقدر على هذا؟ ومن يجرؤ عليه من الأساس؟ ويصف ما تقوم به الدار بأنه عمل غير نبيل ولا يجب أن يتم ولا يصح أن يكتفى المثقفون بالصمت.


هيكل يُنقذ أولاد حارتنا
وهى واقعة مُهمة حكاها نجيب محفوظ فى حياته أكثر من مرة، خصوصاً أن هيكل حسب ما رواه لى -وما أكَّده نجيب محفوظ – هو الذى أرسل مدير تحرير الأهرام على حمدى الجمَّال إلى نجيب محفوظ يدعوه لينضم إلى الأهرام. وكان رد نجيب محفوظ وقتها أنه ينتظر حتى سن الإحالة إلى المعاش. ودُهِشَ هيكل، وفى عام 1971 خرج نجيب محفوظ إلى المعاش وانضم إلى الأهرام.


وباقى فصول القصة معروف، فبعد أن تم البدء فى نشر الرواية مسلسلة، وكانت تُنشر فى الصفحة الأولى من الأهرام، إلا أن الرئاسة اعترضت وتحدَّثت مع هيكل فى الأمر، وبعد اتصال الرئاسة نُقِلت الرواية إلى الصفحات الداخلية من الأهرام.
وحكى نجيب محفوظ أن عبد الناصر أرسل له مندوبه الشخصى حسن صبرى الخولى وطلب منه ألا يصدر الكتاب فى مصر، وهناك حكايات كثيرة حول هذا الموضوع، منها ما قاله نجيب محفوظ للمرحوم جمال الغيطانى صديق العمر وتوأم الروح، ونشره فى كتابه: نجيب محفوظ يتذكر.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة