عبدالهادي عباس
عبدالهادي عباس


قلب وقلم

عبدالهادي عباس يكتب: أكتوبر.. ومصيدة القلب النووي!

عبدالهادي عباس

الأربعاء، 04 أكتوبر 2023 - 11:01 م

كل الحكايات تنبت من الخيال المجنح باللامعقول إلا حكاية مصر، إنها تنبت من الرحم الدافئ للواقع؛ فذاكرة هذا الوطن حُبلى دومًا ومتخمة بملايين الحكايات التي تحتاج إلى راوية جيد، يُقدمها إلى الناس في ثوبها القشيب الذي يليق بها؛ بطولات أكتوبر في ذكراها الخمسين لم تنته وليس مقدرًا لها أن تنتهي، ورغم مئات الكتب وآلاف المقالات التي روت أطرافًا من حكايات هذه الملحمة الوجودية فإنني أثق أن هناك آلاف الحكايات لم تُحك بعدُ وتحتاج إلى نفض الغبار عنها ليرى العالم صلابة هذا الشعب الأبي العصيّ على الذبول والانكسار. 

جلست عدة مرات مع بعض أبطال حرب أكتوبر، وكنت أستنطقهم عن خفايا الحرب، عن بشائر الملائكة التي حاربت معنا، عن ذلك القلب المغامر للجندي المصري الذي يعشق تراب هذا الوطن ويُقدّم إليه دمه راضيًا مرضيا.. كان بعضهم يحكي عن تلك البطولات وكأنه يراها ماثلة أمامه، شاشة عرض كبيرة تحتل الذاكرة فيحكي ما يراه؛ حتى إذا هدأ إعصار الحكايات وخبا وهج الذاكرة يفتأ يخاطبني بالخلاصة التي تقول إن في هذه الأرض الطيبة سرا وضعه الله فيها؛ قد لا تُصدقني فأنتم الأجيال الجديدة التي لا تؤمن بالغيبيات، وتريد أن ترى المعجزات بأعينها، ولكنني أقول لك إنني رأيت تلك المعجزات في هذه الحرب الخالدة، رأيت جنودا يُحاربون الطائرات، رأيت التضحية بالنفس لإنقاذ الآخرين، رأيت جنودا يحملون زميلهم عشرات الكيلوات لإنقاذه؛ رأيت عظمة مصر المخبوءة هناك في تلك الحرب.        

وإذا كانت حرب أكتوبر قد أظهرت معدن الجندي المصري النقي؛ فإن العقبات التي تعرض لها الوطن طوال السنوات السابقة قد أبانت معدن المقاتل الحقيقي في الإصلاح والبناء واسترداد وجهنا الحضاري؛ ولقد كنت أشعر بالغبطة حينما كشف د. محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، عن أن أول مفاعل في محطة الضبعة النووية سيدخل الخدمة في سبتمبر 2028، وذلك خلال كلمته بجلسة الطاقة ضمن فعاليات مؤتمر "حكاية وطن".

شعرت بالفخر لاقتراب تحقق هذا الحلم القديم، وأعجبتني جدا تلك الجملة الموسيقية "مصيدة قلب المفاعل النووي"، والتي تعد أحد الأجزاء الرئيسية فى وحدات الضبعة النووية الأربعة، وسيتم تركيبها بأول مفاعل بمحطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء بقدرة 4800 ميجا وات بالتعاون مع روسيا؛ وتهدف المصيدة لاتباع أعلى معايير الأمان النووي في نظام الأمان "السلبي" في وحدات محطة الضبعة النووية. حينها شعرت أننا جادون جدا في هذا المشروع الذي تأخر عدة عقود، بدأنا وأحجمنا، ثم حاولنا وتم تحجيمنا، إلى أن جاءت تلك اللحظة الفارقة في عهد الرئيس السيسي والتي لا تقل بطولة عن حرب أكتوبر؛ لأنها نقطة مضيئة أخرى في تاريخنا الحديث.

وتمتلك مصيدة قلب المفاعل أعلى معايير الأمان النووى، مثل مقاومة الزلازل والقدرة على الصمود في مجابهة الأحمال الهيدروديناميكية والصدمات "الأحمال الديناميكية"، لضمان سلامة البيئة والأحياء مهما كانت سيناريوهات الحوادث النووية. وتم اقتراح مفهوم أجهزة "مصيدة قلب المفاعل" للمفاعلات الروسية من نوع الـVVER، كحاجز لمنع انتشار المواد المشعة في البيئة المحيطة، وحصرها في حالة حرارية وحالة طور محكومة حتى اكتمال التبلور.

تحية إلى هذا الجهد الوطني "القتالي" الذي يُحارب للبناء مثلماء حارب أجداده للبقاء؛ وتحية إلى ذلك "القلب" المصري الحقيقي الذي يعرف طريقه جيدًا إلى المستقبل.

[email protected]

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة