محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

مصر وإسرائيل.. ونصر أكتوبر

محمد بركات

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2023 - 06:53 م

فى مواجهة من يحاولون تزييف التاريخ،...، هذه صورة واقعية لما جرى وكان فى ملحمة العبور والنصر فى حرب أكتوبر ٧٣،..، نهديها إلى كل الشباب والأبناء الذين لم يعاصروا هذه الأيام المجيدة من تاريخ الوطن.

تابعنا ونتابع جميعا المحاولات الفاشلة والمفضوحة التى تقوم بها إسرائيل لإثارة اللغط حول نصر أكتوبر، ومحاولاتهم المستميتة لإخفاء حقيقة الهزيمة القاسية التى أصابتهم فى حرب السادس من أكتوبر ٧٣، والترويج لادعاءات كاذبة عن الحرب وملابساتها وما جرى فيها.

وفى مواجهة هذه الادعاءات.. سنترك الحقيقة وحدها ترد عليهم وتكشف أكاذيبهم،..، وفى ذلك تقول الوقائع والحقائق المجردة.. أنه فى مثل هذه الأيام منذ خمسين عاما، وفى نفس هذا الشهر أكتوبر، كانت الدنيا غير الدنيا وكان العالم غير العالم.. كانت نيران حرب أكتوبر العظيمة ودماء الشهداء الأبرار من أبنائنا، تعيد كتابة التاريخ فى هذه المنطقة من العالم.

كانت هذه الدماء المطهرة تسطر بحروف من نور ونار تاريخاً جديداً للمنطقة، مكتوب على وهج المعارك ونيران الحرب المشتعلة على ضفة القناة وفى عمق سيناء.

كانت مصر تكتب قصة من أروع القصص لبطولة شعب رفض الانكسار، وجيش هب لاسترداد كرامته وهزيمة النكسة وغسل عار الهزيمة، وأصر على تطهير أرضه من دنس الاحتلال، وإعادة سيناء الحبيبة إلى حضن الوطن الأم بعد اغتراب دام ست سنوات عجاف، مرت على مصر كلها وكأنها ستين ألف عام.

تحدى المستحيل

ولكل الشباب والأبناء الذين لم يعاصروا هذه الأيام المجيدة، التى بدأت بملحمة العبور الخالدة فى السادس من أكتوبر ٧٣ أقول،..، إنها لم تكن حرباً عادية، بل كانت بمثابة الزلزال الذى هز المنطقة والعالم، وأحدث متغيرات جسيمة فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية وما بعدها، وفرض على الجميع والقوى العظمى بالذات إعادة النظر فى أوضاع المنطقة وسياساتها تجاهها.

ولهؤلاء الأبناء من الشباب أقول.. إن الدلالة العظمى والمعنى الأكبر فى نصر أكتوبر.. هو قدرة الإنسان المصرى على تحدى المستحيل وكسر قواعد ومسلمات كثيرة، كانت تؤكد العجز عن الحركة، بعد الهزيمة القاسية والمباغتة التى ألمت به عام ١٩٦٧، والتى جعلت الجميع يتوقعون استسلامه بالكامل لقدره ومصيره، وأنه يحتاج إلى عقدين أو ثلاثة عقود على أقل تقدير يلعق فيها جراحه ويلملم أشلاءه ويجمع ذاته، كى يستطيع النهوض مرة أخرى.

ولكن هذا الشعب بمصريته الأصيلة الضاربة فى عمق التاريخ، ووعيه الحضارى وصلابته الفطرية وايمانه العميق بحريته وقدرته، وثقته فى الله العلى القدير وحبه الهائل وغير المحدود لوطنه، واستعداده الدائم لتقديم روحه فداء لهذا الوطن وصونا لاستقلاله ووحدة أراضيه،..، رفض قبول المهانة، وأصر على تغيير الواقع المر.

هذا الشعب فاجأ الجميع ونهض من كبوته فى بضع سنين لم تتجاوز الست، ليواجه عدوه ويصارعه وينتصر عليه، ويحطم أسطورة الجيش الذى لا يقهر، ويعبر القناة ويحطم خط بارليف المنيع، ويحرر أرضه بعد ملحمة رائعة من القتال، سجل فيها تاريخا مجيدا للعسكرية المصرية أذهل العالم كله.
ديان.. وجولدا!!

من أجل ذلك نقول.. إن الإنسان المصرى جنديا وضابطا وقائدا، كان هو بحق المفاجأة الحقيقية والصادقة لحرب أكتوبر،..، وذلك هو عين الصواب وكبد الحقيقة. باعتراف وشهادة كل الأعداء والأصدقاء.

ولو تابعنا وقائع ما حدث وما دار قبل وأثناء وبعد ملحمة العبور والنصر، لوجدنا كل الدلائل تشير إلى ذلك وتؤكده،...، ففى إسرائيل وقبل الحرب بشهور قلائل كانت «جولدا مائير» رئيسة الوزراء فى ذلك الوقت، و«موشى ديان» وزير دفاعها ينتظران رنين الهاتف القادم من مصر ليعلن الاستسلام، ويطلب شروط الصلح اعترافا بالهزيمة ويأسا من الأمل فى امكانية تغيير الواقع.

هذه ليست اجتهادات، بل هى رواية «ديان» و«جولدا مائير» بعد الحرب، وهذا ما ذكراه فى مذكرات كل منهما.

وحتى عندما وردت إليهما معلومات استخبارية قبل الحرب بيومين، ثم قبلها بساعات قلائل تشير إلى أن المصريين يقومون باستعدادات وتحركات غريبة على طول الضفة الغربية للقناة، وأن هناك حركة غير عادية قد تكون مقدمة لعمل عسكرى كبير،..، استبعد كلاهما ومعهما رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، وجود أى قدرة للمصريين على الحرب والقتال.

وأكدوا أن كل تلك الأشياء مقصود بها رسالة إلى الداخل المصري، وأن الرئيس السادات يفعل ذلك كثيرا، وأن حركاته تلك موجهة للاستهلاك المحلى وامتصاص غضب الشباب المصرى الناقم عليه، نظرا لعجزه الواضح عن خوض الحرب وإزالة آثار النكسة أو الهزيمة.

كيسنجر!!

كان هذا هو واقع الحال فى إسرائيل صباح يوم الحرب ومساء اليوم السابق عليها، ورغم وصول معلومات استخباراتية لهم تؤكد أن هناك قرارا مصريا قد اتخذ بالحرب، إلا أنهم لم يصدقوا ذلك ولم يستوعبوه.

وعلى الجانب الآخر من العالم حيث الولايات المتحدة الأمريكية، راعى إسرائيل الأول وحليفها القوى، لم تكن صورة مصر تختلف كثيرا عن صورتها لدى إسرائيل، فقد كان هناك انطباع قوى واقتناع كامل، بعدم قدرة المصريين على الحركة.

بل كانوا يظنون أن المصريين ماتوا بالفعل، أو أنهم فى غيبوبة ما قبل الموت بعد الهزيمة القاسية فى ١٩٦٧، وبعدما هم فيه من أزمة اقتصادية مؤلمة وقاسية بعد الحرب والهزيمة.

وقد وضح ذلك جليا وبصورة مؤكدة عندما ذهب وزير الخارجية المصرى فى ذلك الوقت «الدكتور محمد حسن الزيات» بتكليف من الرئيس السادات لمقابلة «هنرى كيسنجر» وزير الخارجية الأمريكى  على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك قبل المعركة بعدة أيام فقط، وطلب منه ان تقوم الولايات المتحدة بحث إسرائيل على الانسحاب من الأراضى المصرية والعربية المحتلة فى الخامس من يونيو ١٩٦٧، حتى يمكن أن يعود الاستقرار للمنطقة.
فإذا بكيسنجر يلقن وزير الخارجية المصرى درساً قاسياً، ويقول له بوقاحة غير دبلوماسية ما معناه «كيف تطلبون ذلك وأنتم مهزومون، وتحولتم إلى ما يشبه الجثة غير القادرة على الحركة»،...، ثم يضيف «لا أحد يستطيع أن يساعدكم طالما أنكم غير قادرين على مساعدة أنفسكم».

السوفيت!!

أما على الناحية الأخرى من العالم حيث الاتحاد السوفيتى الصديق الوحيد للعرب ومصر فى ذلك الوقت من عام 1973، فقد كانت الصورة لا تختلف كثيرا، حيث كان لدى القادة السوفيت اقتناع كامل بأن مصر قد أساءت إلى السلاح الروسى «السوفيتى»، ودمرت سمعته فى مواجهة السلاح الأمريكى الغربى خلال هزيمة 1967.

وكان السوفيت مقتنعين أنه لا مجال ولا إمكانية لحرب أخرى فى الشرق الأوسط، ولا قدرة لمصر على الحرب، أو حتى التفكير فى تخطى قناة السويس أو عبورها، والتغلب على خط بارليف، الذى يحتاج إلى قنبلة ذرية لتدميره أو ازالته «من وجهة نظرهم».

وفى ذلك نسى الجميع أن الارادة عند الانسان المصرى وقوة إيمانه بقدرة الله سبحانه التى تفوق قدرة القنابل الذرية هو ايمان بلا حدود إذا ما صح العزم والعمل، ورافقهما تخطيط جيد وإعداد جاد وتدريب مستمر وإصرار على النصر.

كانت هذه هى صورة مصر لدى العالم فى هذا الوقت، وكانت تلك هى أفكار الاصدقاء والأعداء عنها، قبل الحرب بعدة أيام فقط،...، ولنا أن نتصور قدر المفاجأة والدهشة التى أصابتهم جميعا يوم السادس من أكتوبر مع بداية العبور العظيم.

الزلزال!!

فى البداية لم تصدق إسرائيل ما تراه يحدث أمامها على ضفة القناة، وبطول الجبهة الممتدة لأكثر من 180 كيلو مترا، هى طول المسافة من بورسعيد شمالا وحتى ما بعد السويس جنوبا، فقد كان ما يحدث هولا عظيما يصعب عليهم تصديقه، حيث عشرات الآلاف من جنود مصر يعبرون القناة، ويحطمون «خط بارليف»، ويدمرون المواقع الحصينة على الضفة الشرقية للقناة، ويندفعون كالطوفان المدمر يزيلون كل أثر لإسرائيل وجيشها على خط القناة.
وكانت الصدمة مذهلة وهم يشاهدون طائراتهم، الذراع الطويلة لجيشهم تتساقط أمام أعينهم وأمام حائط الصواريخ المصرية، وأيضا فى مواجهة الطائرات المصرية.

كان الزلزال عنيفا وكانت الصدمة قاسية وكانت الحقيقة مرة بالنسبة لهم، فقد عبر المصريون القناة وحطموا خط بارليف، واسقطوا اسطورة الجيش الذى لا يُقهر،...، ولا أحد يقدر أو يستطيع وقف ذلك.

وانهار «موشى ديان» وزير الدفاع الإسرائيلى عندما تأكد من حقيقة ما يحدث، وقبل انهيار ديان كان «الجنرال جونين» قائد الجبهة الجنوبية «جبهة سيناء» قد انهار بالفعل،...، وبعد انهيارهما انهارت أيضا «جولدا مائير» رئيسة الوزراء، وهى ترى انهيار وتدمير القوات الإسرائيلية فى سيناء،...، وأصبح الطريق للهزيمة مفتوحا بالكامل.

استغاثة!!

وعبر الاطلنطى حيث أمريكا الحليف والصديق لإسرائيل، كان المشهد مثيرا للانتباه،...، ففى البداية لم يصدق الأمريكان وعلى رأسهم كيسنجر ما يحدث على الجبهة المصرية مع إسرائيل.

وكانت المفاجأة صعبة التصديق فى ظل المعلومات المؤكدة والمتوالية، وتقارير المخابرات المركزية الأمريكية والأقمار الصناعية التى تؤكد أن المصريين عبروا القناة ويدمرون القوات الإسرائيلية ويحققون انتصارا كبيرا ومؤكدا، وأن القوات الإسرائيلية بسيناء فى حالة انهيار تام.

وبعدها بثلاثة أيام فقط، أى فى اليوم الرابع للحرب «العاشر من أكتوبر 1973»، جاء صوت «جولدا مائير» رئيسة وزراء إسرائيل «لكيسنجر» عبر الهاتف، منهارة وتستغيث وتطلب وتصرخ بضرورة التحرك العاجل والفورى لانقاذ إسرائيل من الهزيمة الكاملة والضياع المؤكد، وتطالب بضرورة ابلاغ الرئيس الأمريكى «نيكسون» فورا بحاجة إسرائيل للمساعدة والانقاذ العاجل، وتقول إن الطريق مفتوح إلى تل أبيب، ولا أحد يستطيع وقف المصريين.
وبالفعل ابلغ كيسنجر الرئيس نيكسون،...، وتم فتح مخازن الأسلحة الأمريكية فى اوروبا وحلف الاطلنطى لمساعدة إسرائيل وانقاذها من الضياع... وطلبت أمريكا من السوفيت التدخل لوقف القتال فورا.

وهكذا اختلفت الصورة وتغيرت الأوضاع، وأصبح شعب مصر وجيشها صانعا للنصر ومحطما للجيش الذى لا يُقهر،...، وأصبح نصر أكتوبر 1973 حدثا وواقعا لا ينسى فى تاريخ مصر والمنطقة والعالم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة