احد الوثائق البريطانية التي فضحت نوايا «الصهاينة»
احد الوثائق البريطانية التي فضحت نوايا «الصهاينة»


الخارجية تصف الخطة بالسخيفة

عمرها أكثر من نصف قرن| الوثائق البريطانية تفضح نوايا «الصهاينة» لتهجير الفلسطينيين لسيناء

أحمد حمدي

الجمعة، 03 نوفمبر 2023 - 09:38 م

تشرح الوثائق أنه بعد احتلال الجيش الإسرائيلى غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية خلال حرب يونيو عام 1967، أصبح القطاع مصدر إزعاج أمنى لإسرائيل. وباتت مخيمات اللاجئين المكتظة بؤر عمليات مقاومة ضد القوات المحتلة والمتعاونين معها.

وبحسب تقديرات البريطانيين، فإنه عندما احتلت إسرائيل غزة، كان فى القطاع 200 ألف لاجىء، من مناطق فلسطين الأخرى، ترعاهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بالإضافة إلى 150 ألفا آخرين هم سكان القطاع الأصليون الفلسطينيون.

التقارير الإسرائيلية فى ذلك الوقت أوضحت أن غزة لم تكن "قابلة للحياة اقتصاديا بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات وأنشطة الفدائيين التى تسببت فى أعداد متزايدة من الضحايا"، ففى تقديرات البريطانيين، قُتل 240 فدائيا عربيا (فلسطينيا) وأصيب 878 آخرين، بينما قتل 43 وأصيب 336 جنديا من قوات الاحتلال الإسرائيلية فى غزة. خلال الفترة بين عامى 1968 و1971، ما دفع الجامعة العربية للمطالبة بوقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين فى غزة، و"تبنى إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة فى القطاع".

فى تلك الأثناء، رصدت السفارة البريطانية فى تل أبيب تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش، وحسب تقارير السفارة، فإن الخطة شملت "النقل القسري" للفلسطينيين إلى مصر أو أراض إسرائيلية أخرى، فى محاولة لتخفيف حدة العمليات الفدائية ضد الاحتلال والمشكلات الأمنية التى تواجه سلطة الاحتلال فى القطاع.

لكن المكاشفة بين الجانبين الإسرائيلى والبريطانى بدأت فى سبتمبر عام 1971، عندما أسرّت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين بوجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى على رأسها العريش المصرية، وأبلغ وزير النقل والاتصالات الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز( زعيم حزب العمل ووزير الدفاع والخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الدولة فى إسرائيل لاحقا) المستشار السياسى للسفارة البريطانية فى تل أبيب بأن إسرائيل تريد نقل الكثير من سكان القطاع لاستعادة السلم وقابلية الحياة إلى قطاع غزة بحيث تتم إعادة توطين حوالى ثلث سكان المخيمات فى أماكن أخرى فى القطاع أو خارجه بحوالى 100 ألف شخص.

ووفقا للوثيقة أبلغ بيريز البريطانيين بأن التهجير إلى الضفة وسيناء ينطوى على مشكلات عملية مثل التكلفة العالية، وبأن الحكومة الإسرائيلية تنوى التكتم على هذه السياسة الجديدة حتى تستطيع تمريرها وتنفيذها بحيث تؤدى إلى تحول فى الوضع فى غزة خلال عام أو نحو ذلك.

وفى تقييم منفصل لما أسر به بيريز، أشار إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطانى فى إسرائيل إلى أن الإسرائيليين يرون أن أى حل دائم لمشكلات قطاع غزة "يجب أن يتضمن إعادة تأهيل جزء من السكان خارج حدوده الحالية"، وأكد لحكومته أن السياسة الجديدة تشمل توطين الفلسطينيين فى شمال شبه جزيرة سيناء المصرية، غير أنه قال إن "الحكومة الإسرائيلية تخاطر بمواجهة انتقادات، لكن النتائج العملية أهم، بالنسبة لإسرائيل".

خطة التوصيل

بعد شهر، أبلغ الجيش الإسرائيلي، فى لقاء رسمي، عددا من الملحقين العسكريين الأجانب بتفاصيل إضافية عن خطة ترحيل الفلسطينيين من غزة، خلال هذا اللقاء ، قال العميد شلومو غازيت، منسق الأنشطة فى الأراضى المحتلة، إن جيشه “لا يدمر مساكن الفلسطينيين فى غزة ما لم يكن هناك سكن بديل، والعملية مرهونة بحجم السكن البديل المتاح فى العريش”، وعندما تم سؤال العميد غازيت عن سبب اختيار شمال سيناء قال “السكن فى العريش قد اختير لأنها المكان الوحيد الذى تتوفر فيه منازل خالية وفى حالة جيدة بعد إصلاحها”.

وأضاف “لن يكون هناك بناء جديد فى العريش، فالمنازل المتاحة كانت تخص ضباطا مصريين فى السابق”. توضح الوثيقة المسربة التى حصلت بى بى سى عربى على نسخة منها ونشرت بعض مقتطفاتها أن السفير البريطانى فى تل أبيب آنذاك رفع تقريرا إلى وزير الخارجية يحمل تقييما للخطة الإسرائيلية وينبه فيه من المعارضة المحتملة لوكالة الأونروا وعدم موافقتها على النقل القسرى للاجئين من منازلهم، ولا إجلائهم حتى على أساس مؤقت إلى العريش فى مصر”.

تقارير المسئول البريطاني فتحت نقاشا واسعا داخل وزارة الخارجية البريطانية، بشأن مدى اتفاق السياسة الإسرائيلية مع معاهدة جنيف الرابعة التى تحدد مسؤوليات دول الاحتلال، فوفق المادة 39 من المعاهدة، فإنه يُحظر النقل القسرى الفردى أو الجماعي، وكذلك عملية ترحيل الأشخاص من أرض محتلة إلى أرض سلطة الاحتلال أو أرض أى دولة أخرى، سواء تخضع للاحتلال أم لا، وبغض النظر عن الدافع وراء ذلك، وخلص تقييم للمستشار القانونى للوزارة إلى أن توطين اللاجئين من غزة فى سيناء وليس فى منطقة أخرى فى غزة “ربما يلقى اعتراضا سياسيا”، غير أنه قال “أعتقد أنه سيكون من الصعب، بناء على الأسس القانونية، تحدى (خطة التوطين) لو قالت إسرائيل بصرامة إن العملية برمتها نفذت من أجل أمن السكان”، غير أن المستشار القانونى عاد ليحذر من أنه “لا يرى مبررا لاعتماد إسرائيل بثقة على هذا البند” فى معاهدة جنيف الرابعة. وأشار إلى أنه لا يمكن الثقة فى حجة إسرائيل بأنها قادرة فى الوقت المناسب على إعادة اللاجئين إلى منازلهم “بينما تدمر هى نفسها منازلهم فى سياق العملية نفسها”، فى غزة.

ونبه أيضا إلى أنه يمكن الادعاء بأن العملية الإسرائيلية لإجلاء فلسطينيى غزة عقاب جماعي. وشدد على أنه “لا ينبغى معاقبة أى شخص محمى تحت الاحتلال على جريمة لم يرتكبها شخصيا بالنظر إلى أن العقوبات الجامعية وكذلك كل إجراءات الترويع أو الإرهاب محظورة” وفقا للمادة 33 من المعاهدة الدولية.

وثيقة إسرائيلية

الوثائق البريطانية ليست الوحيدة، وثيقة أخرى تم تسريبها فى الأيام الماضية تؤكد عمق التحذيرات المصرية وتؤكد أنها ليست من فراغ، هذه المرة الوثيقة إسرائيلية ورسمية، حيث كشف تقرير نشرته وكالة أسوشيتدبرس، عن أن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية صاغت اقتراحًا، فى 13 أكتوبر 2023، أى بعد ستة أيام من تنفيذ عملية طوفان الأقصى، وبدء إسرائيل فى قصف قطاع غزة بلا هوادة بغارات جوية أحدثت دمارًا غير مسبوق.

الوثيقة المكتوبة باللغة العبرية وصادرة عن وزارة الاستخبارات، وهى وزارة صغيرة تجرى أبحاثا ولكنها لا تضع السياسات، توصى بنقل سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وإعادة توطينهم بشكل دائم. وتقترح الوثيقة نقل السكان المدنيين فى غزة إلى مدن الخيام فى شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة وممر إنسانى غير محدد، وسيتم إنشاء منطقة أمنية داخل إسرائيل لمنع النازحين الفلسطينيين من الدخول للقطاع مجددًا، ولم يذكر التقرير ما الذى سيحدث لغزة بمجرد إخلاء سكانها.

وقلل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من أهمية الوثيقة فى بيان، إذ كتب: “هذه ورقة أولية، مثل العشرات من هذه الأوراق التى أعدتها جميع المستويات السياسية والأمنية”، وأضاف البيان: “هذه مسألة لم تتم مناقشتها بعد عبر القنوات الرسمية الإسرائيلية، التى تُركز اليوم على القضاء على قدرات حماس الحكومية والعسكرية” .

إعلام إسرائيل

من ناحيتها، سيلت هذه القضية حبرا كثيرا فى الصحف العبرية، يديعوت احرنوت كشفت عن سعى إسرائيل من خلال التواصل مع عدد من القادة والزعماء حول العالم، للضغط على مصر للقبول بخطة التهجير ، وتقول الصحيفة إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من هؤلاء الزعماء اقناع مصر باستقبال سكان قطاع غزة باعتباره الحل الأمثل للوضع الأمنى فى القطاع، ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة الرفض المصرى المطلق لتلك الضغوط.

جيروسالم بوست ركزت كذلك على الرفض المصرى لتلك المخططات ونقلت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى والتى أعلن فيها الأمن القومى لمصر خطا أحمر، وتحذيره من نقل فكرة المقاومة من غزة إلى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية، كما أشارت الصحيفة العبرية إلى خروج الملايين من المصريين فى مظاهرات تظهر اتساق الموقف الشعبى مع الرسمى بخصوص تلك القضية.

فى مقال رأى نشرته هآرتس، اتهم الكاتب الحكومة الإسرائيلية بالتخبط وبعدم امتلاك خطة حقيقية قابلة للتنفيذ والتطبيق منتقدا غموض الموقف الرسمى وعدم وضوح النوايا الإسرائيلية من مخطط التهجير ونقل الآلاف من سكان غزة إلى سيناء وكذلك الاجتياح البرى لقطاع غزة أو احتلالها بشكل كامل، معتبرا أن هذه الخيارات كلها تفتقد إلى القبول الدولى وينطوى تنفيذها على ظروف بالغة التعقيد.

أما الخارجية المصرية فوصفت الخطة بالسخيفة والمثيرة للسخرية وقال الوزير سامح شكرى فى مقابلة تلفزيونية إنها تتعارض مع السيادة المصرية مؤكدا رفض مصر القاطع لأى محاولات لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان قطاع غزة.

مقترح التهجير ليس جديد، والمؤامرة بقيت كامنة لعقود تتحين فرصة الظهور على السطح ، لكن ثبات وصلابة الرفض المصرى شكلا حائط صد لا يمكن تجاوزه أمام دعوات الاحتلال الإسرائيلي، فقد بعثت القيادة السياسية المصرية برسائل صارمة للعالم أجمع، برفض تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر وتداعيات مخطط التهجير على الأمن القومى المصرى والعربى ، واعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى أن أمن مصر القومى خط أحمر لا مساس به، إلى جانب رفض سياسات العقاب الجماعى فى قطاع غزة، وبدا واضحا التحول فى الموقف الأمريكى خلال مباحثات الرئيس عبد الفتاح السيسى بنظيره الأمريكى جو بايدن، حيث ناقش الزعيمان، بحسب البيان الرسمى للبيت الأبيض والرئاسة المصرية، ضمان عدم تهجير الفلسطينيين من غزة إلى أى مكان، فيما أكد الرئيس الأمريكى رفض الولايات المتحدة لنزوح الفلسطينيين خارج أراضيهم، معرباً عن التقدير البالغ للدور الإيجابى الذى تقوم به مصر والقيادة المصرية فى هذه الأزمة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة