جريمة الإبادة الجماعية
جريمة الإبادة الجماعية


تقويض الرعاية الصحية في قطاع غزة تأكيد إضافي لجريمة الإبادة الجماعية

العربية لحقوق الإنسان تدين العجز الدولي عن حماية المدنيين الفلسطينيين

مروة العدوي

الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023 - 06:37 م

دخل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني شهره الثاني مع شيوع اليأس تجاه وقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وغيرها من جرائم الحرب الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في كل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة.

ويأتي تقويض الرعاية الصحية الفقيرة والهشة في قطاع غزة بالتزامن مع استمرار قوات الاحتلال بقصف المدنيين الفلسطينيين في القطاع جوًا وبرًا وبحرًا، في ظل عجز دولي وتواطؤ أمريكي – أوروبي، مع الاستمرار في ترديد كذبة أن للاحتلال الحق في الدفاع عن النفس، وهو ما يناقض على نحو صارخ القانون الدولي وتفسيرات محكمة العدل الدولية، بما في ذلك الرأي الاستشاري بشأن جدار العزل العنصري الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الصادر في العام 2004، والمعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 يوليو 2004.

ويشهد الشهر الثاني للعدوان الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة فصلًا جديدًا من الجرائم الإسرائيلية بتركيز القصف واستهدافه للمستشفيات والمراكز والطواقم الطبية والإسعافية بهدف تدمير ما تبقى من البنية التحتية الهشة للرعاية الصحية في القطاع، ومقتل نحو 500 من العاملين في المجال الصحي، و103 من طواقم العمل الإنساني بوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا".

وأسفر العدوان الإسرائيلي عن توقف 20 مستشفى من 35 مستشفى بالقطاع بشكل تام وخروجها من الخدمة، جراء القصف ومنع وصول الوقود والإمدادات الطبية اللازمة لعمل المستشفيات الباقية دون موارد ووقود ومستلزمات طبية، وهي الأماكن التي لا يقطنها فقط مرضى ومصابين، بل أصبحت ملاجئ لآلاف المدنيين الذين تم تهجيرهم قسرًا من منازلهم تحت القصف.

اقرأ أيضاً | سقوط صاروخ على مستوطنة "بات يام" جنوب تل أبيب

وبلغت آخر حصيلة لضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفقًا لما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية في 13 نوفمبر 2023، (11360) شهيدًا من بينهم (4609) طفلًا، و(3100) امرأة، و(678) مسنًا، بينما بلغ عدد الجرحى أكثر من (28000)، فضلًا عن وجود نحو (3250) مواطنًا لا زالوا مفقودين أو تحت الأنقاض من بينهم (1700) طفل.

وخلال الأيام الأربعة الأخيرة، كثف العدوان الإسرائيلي استهداف المستشفيات الرئيسية التي يعتمد علهيا سكان القطاع، وخاصة مجمع الشفاء ومستشفى القدس، وسط صمت دولي مخزي وتواطوء غربي بعد توقف المشفى الخاص بمرضى السرطان وإغلاق تام لمشفى الأطفال.

ولا يمكن غض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية التي تستهدف التدمير الممنهج والمتواصل للقطاع الصحي والطبي في قطاع غزة. وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد وجهت أمرًا في 13 أكتوبر 2023، بإخلاء 22 مستشفى في شمال غزة، وهو ما كان من المستحيل تنفيذه في ضوء الاعتبارات التي يتطلبها مثل هذا الإخلاء، بما فيها توفير سلامة المرضى والعاملين الطبيين، وصعوبة الامثتال الآمن، نظرًا لعدم وجود طريق آمن يمكن الفرار عبره.

وسبق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان أن اعتبرت أمر إخلاء المشافي بمثابة حكم بالإعدام الجماعي على آلاف الجرحى الذين يستحيل نقلهم، وأن ذاك الأمر والتهديد والإرهاب لم يكن بغرض حماية المدنيين، بل دفعهم للمغادرة والفرار جنوباً في وقت يتواصل فيه استهداف مناطق جنوبي وادي غزة بضراوة شديدة، ما يؤكد أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي المختلة نفسيًا لا تزال تعمل نحو إجبار السكان في القطاع على النزوح نحو مصر رغم رفض حلفائها الغربيين الصريح لهذا المخطط، ورفض السلطات المصرية له باعتباره يستهدف تصفية القضية الفلسطينية عبر نكبة جديدة.

وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية قد علق على أمر الإخلاء، "بأنه من المستحيل إخلاء المستشفيات المليئة بالمرضى دون تعريض حياتهم للخطر، لكن في 5 نوفمبر/تشرين ثان 2023 أعلن الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي في مؤتمر صحفي، أن المستشفيات في قطاع غزة يوجد أسفلها أنفاق تابعة لحركة حماس ومراكز للقيادة وقاذفات صواريخ، في محاولة يائسة للتهوين من الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال بقصف مستشفيات المعمداني والشفاء والإندونيسي والرنتيسي والخدمة العامة والقدس والتركي وغيرها من المستشفيات التي راح ضحيتها المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى من المدنيين والأطفال والنساء، فضلًا عن قنص الطواقم الطبية، وإطلاق النار والقذائف على النازحين واستهداف سيارات الإسعاف.

وتُذكر المنظمة العربية لحقوق الإنسان مجددًا أن الهجمات المتعمدة على المنشآت الطبية تشكل انتهاكًا صارخًا لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، لاسيما للمادتين 18، 19 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 التي توفر حماية خاصة للمستشفيات، حيث لا يجوز بأي حال من الأحوال استهداف المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات. كما تنص الاتفاقية في مادتها الـ 19 على "عدم جواز تعطيل الحماية الممنوحة للمستشفيات المدنية" تحت أي ظرف.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، قتل نحو (521) شخصًا من العاملين في القطاع الطبي في غزة حتى 12 نوفمبر 2023، وتأتي الهجمات الإسرائيلية على المرافق الطبية في ظل قطع الكهرباء والمياه والوقود، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بما يعيق بشكل كامل الحصول على الرعاية الصحية.

ووفقًا للأمم المتحدة، وحتى 10 نوفمبر 2023، كانت ثلثي مرافق الرعاية الأولية ونصف المستشفيات في غزة لا تعمل، بينما تتعامل الطواقم الطبية مع أعداد غير مسبوقة من المصابين بجروح خطيرةـ، فضلًا عن نفاذ العقاقير الطبية والمعدات الأساسية، واضطر الأطباء إلى إجراء عمليات جراحية دون تخدير، واستخدم الخل كمطهر، فضلًا عن اضطرار الأطباء إلى المفاضلة بين الجرحى.

وفي 4 نوفمبر 2023، أدانت منظمة الصحة العالمية الهجمات التي وقعت بالقرب من 3 مستشفيات في قطاع غزة، وهي الشفاء والقدس والإندونيسي، التي خلفت عشرات الضحايا بين قتلى ومصابين، ووفقًا للبيان الذي أصدرته المنظمة فإن سيارات الإسعاف كانت تجلي أصحاب الحالات الحرجة من المرضى والمصابين في مستشفى الشفاء، لنقلهم إلى مستشفيات جنوب قطاع غزة، عندما وقع هجوم على مدخل المستشفى، وهو ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 13 شخصًا وإصابة أكثر من 60 آخرين، فضلًا عن تعرض البنية الأساسية للمستشفى وسيارت إسعاف لتلفيات كبيرة، بينما وقع هجومًا آخر ألحق أضرارًا بسيارة إسعاف أخرى في القافلة نفسها. وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أرسلت نداءًا للمطالبة بالمرور الآمن لقافلة من سيارات الإسعاف تحميل مصابين ومرضى من المستشفى، في محاولة للحد من الضغط على المستشفى الذي تجاوز سعته الاستيعابية للمرض، فضلًا عن آلاف النازحين الذين اتخذوا منه ملجًأ.

وأوضحت منظمة الصحة العالمية، أنه جرى الإبلاغ عن هجومين آخرين في نفس اليوم في مستشفى القدس أسفرا عن إصابة ما لا يقل عن 21 شخصًا، بالإضافة إلى هجوم آخر بالقرب من المستشفى الإندونيسي. 

وفي 5 نوفمبر 2023، أعلن مستشفى شهداء الأقصى وسط غزة، أن 340 مريض فشل كلوي يواجهون خطرًا جسيم جراء الأزمات المتتالية التي تصعف بالخدمات الطبية والمستلزمات وغيرها من المواد الضرورية منذ بدء الحرب على قطاع غزة. وحذر المدير الطبي أن المستشفى يعاني من النقص الحاد وغير المسبوق في الأدوية التخصصية اللازمة لإسعاف مرضى الغسيل الكلوي، بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ بدء الحرب.

وفي 5 نوفمبر 2023، قصف الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الطب النفسي الوحيد في غزة ومستشفى العيون، وصرح مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة أن الاحتلال الإسرائيلي عمد إلى استهداف جميع المستشفيات في قطاع غزة أثناء الليل، في موجة غارات عنيفة تزامنًا مع قطاع شبكة الإنترنت والاتصالات مما عرقل وصول الكوادر والأطقم الطبية إلى الجرحى في مناطق القصف.

وفي 3 نوفمبر 2023، كذلك، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بوابة مجمع الشفاء الطبي، وقامت بقصف قافلة إسعاف كانت تتحرك بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي، وهو ما أدى إلى استشهاد طواقم طبيه ومسعفون.

وفي 13 نوفمبر 2023 أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قنابل فوسفورية كثيفة، على محيط مستشفى القدس غرب غزة، كما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وفاة (6) أطفال مبتسرين و(9) مرضى جراء انقطاع الكهرباء عن مستشفى الشفاء بغزة، الذي واصلت طائرات الاحتلال الحربية، في قصف محيطة وكل من يتحرك في محيطه بالرصاص والصواريخ، طوال ليلة أمس 13 نوفمبر 2023، فضلًا عن قصف (5) مبان من مجمع الشفاء، من بينها مبنى قسم القلب القديم في الجهة الغربية من المجمع.

ووفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر، توجد صعوبة في إخلاء مجمع الشفاء الطبي نظرًا لوجود أكثر من (60) مريضًا في العناية المركزة، وأكثر من (40) رضيعًا في قسم الحضانات، وأكثر من (500) مريض في قسم غسيل الكلى. ومن ناحية يحول القصف والاستهداف المتواصل للمجمع دون دفن الجثامين، إذ بدأت جثامين نحو (100) شهيدًا في التحلل في ساحة المستشفى، في وقت اكتظت ثلاجات حفظ الموتى بالجثامين ومتوقفه عن العمل، فضلًا عن أن القصف الإسرائيلي قد طال آبار المياه ومحطة الأكسجين المركزية التابعة للمجمع وهو ما أدى إلى استشهاد عشرات الأطفال ومرضى العناية المركزة، فيما فسد مخزون الدم بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ولم يعد بامكان الطواقم الطبية إعطاء وحدات الدم للمرضى والجرحى الذين ينزفون.

وفي 14 نوفمبر 2023، اضطر المسئولون عن مستشفى الشفاء إلى دفن (179) جثة في قبر جماعي في موقع المستشىفى وذلك بعد انهيار خدمات المستشفى بشكل كامل، وأوضح أن من بينهم (7) أطفال خدج قد توفوا جراء انقطاع الكهرباء.

وفي مساء الجمعة 10 نوفمبر 2023، تعرضت المناطق المحيطة بعدد من المستشفيات في شمال القطاع للقصف، بما في ذلك مجمع مستشفيات الشفاء التي لجأ إليها 60 ألف شخص، ومستشفى الرنتيسي والمستشفى الإندونيسي، وفضلًا عن ذلك أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني أن قناصة إسرائيليين يستهدفون مستشفى القدس، واطلاق النار بشكل مباشر على المتواجدين في المبنى، مما أسفر عن استشهاد شخص واحد وإصابة 28 شخصا بينهم إصابتان بحالة حرجة.

ومن ناحية أخرى ترى المنظمة أن التدمير الممنهج والمنظم للقطاع الصحي في غزة يأتي في سياق محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستميتة لإجبار المدنيين الفلسطينيين على ترك منازلهم وبلدهم، وهو ما أكده التصريح الصادر وزير المالية الإسرائيلي تسلئيل سموتريش يوم 14 نوفمبر 2023، الذي اعتبر أن إجلاء سكان غزة هو الحل الإنساني الصحيح لهم وللمنطقة، ورحب بالمبادرة التي أطلقها أعضاء في الكنيست الإسرائيلي لإجلاء سكان غزة طوعًا باتجاه دول العالم التي توافق على استقبالهم، وتؤكد المنظمة على أن حركة النزوح التي يشهدها قطاع غزة، تأتي في سياق سياسات التهجير القسرية الإسرائيلية التي تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانة، كما تؤكد على إجبار النازحين على ترك منازلهم ومغادرة بلادهم هي جريمة حرب مكتملة الأركان وفقًا لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

وتذكر المنظمة مجددًا بأن العدوان المتواصل على قطاع غزة لليوم (39) على التوالي، قد أسفر عن تدمير والإضرار بـ 260 مدرسة و197 مسجد و3 كنائس وتدمير قرابة 250 ألف وحدة سكنية بشكل كلي وجزئي، وهدم أحياء ومربعات سكنية بالكامل تمت تسويتها بالأرض ومئات المحلات التجارية والمنشآت الاقتصادية وأراضي زراعية والبنية التحتية والشوارع ومعظم شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والصرف الصحي، مما تسبب في نزوح قرابة مليون و400 ألف فلسطيني، ما بين مدارس الإيواء والخيام وشوارع غزة، ويعاني أغلب هؤلاء النازحين من البقاء في العراء، وتحذر المنظمة من أن استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهداف المستشفيات والطواقم الطبية، ومراكز الإيواء خاصًة مع بدء دخول فصل الشتاء، يفاقم من معاناة النازحين الذين يعيشون في ظل وضع غير آدمي، بدون ماء ولا كهرباء ولا قود فضلًا عن انعدام الأمان، مما يزيد من معاناتهم وحدوث ما هو أسوأ بمجرد نزول الأمطار ومن المتوقع أن تصل درجات الحرارةء في فصل الشتاء هذا العام ما بين 4 و11 درجة مئوية.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة