صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


الفزع والتهتهة والتبول اللاإرادي| الاحتلال يُفجر «دواخل» الطفل الفلسطيني

آخر ساعة

الأربعاء، 22 نوفمبر 2023 - 05:17 م

■ كتب: هانئ مباشر

الحرب الإسرائيلية على غزة.. دمرت كل شيء فى القطاع.. طالت الكبار والصغار من أبناء الشعب الفلسطيني، وبكل أسف كان للطفل نصيب كبير من هذا الدمار.. فبخلاف موت وتشرد الآلاف منهم.. فإن هذه الحرب الوحشية طالت أيضًا نفوس هؤلاء الصغار، رغم الاتفاقيات الدولية العديدة التي تحمي حقوقهم لكن إسرائيل ضربت بها عرض الحائط.

وفى دراسة عن حقوق أطفال فلسطين من النزاعات المسلحة، يقول الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، إن الإبادة الجماعية الإسرائيلية لأطفال غزة بفلسطين شهادة سقوط الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ووفاة القانون الدولي الإنساني، وتواطؤ المجتمع الدولى لتجريد أطفال فلسطين من إنسانيتهم لا يغتفر، وأن الأطفال يواجهون وحشية عالمية ومحلية تحولهم لمجرد مجهول، مما يوجب على المجتمع الدولى وقفا فوريا لإطلاق النار فى غزة للانتهاك الصارخ لحقوق الأطفال الفلسطينيين، مضيفًا أن فى تلك الإبادة الجماعية ما يتعارض تعارضا صارخا مع جهد العمل الإنسانى المشترك لأعضاء الجماعة الدولية بدءا من إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924 وإعلان حقوق الطفل الذى اعتمدته الجمعية العامة  للأمم المتحدة فى 20 نوفمبر 1959 والمعترف به فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وفى العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان بشأن حماية النساء والأطفال أثناء الطوارئ والمنازعات المسلحة، ومخالفا لباكورة الاهتمام الدولى المتمثل فى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة فى 1989. 

◄ الإبادة الجماعية
وقال إن هذه الإبادة الجماعية شهادة سقوط لأهم مادة من مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وهى المادة 38 التى توجب أن تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنسانى الدولى المنطبقة عليها فى المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل، وأن تضمن احترام هذه القواعد، وأن تتخذ الدول الأطراف، وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنسانى الدولى بحماية السكان المدنيين فى المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عمليا لكى تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مُسلح، لافتًا إلى أن تلك الإبادة أفقدت الأطفال حياتهم ومستقبلهم، وخلفت العديد من الجرحى والأيتام، مما يتركهم فى حالة من فقدان الذات، وظهر لأول مرة على المستوى الدولى ما يسمى «الطفل الجريح الذى ليس لديه عائلة على قيد الحياة»، حتى بلغ الأمر أن أهالى أطفال غزة يكتبون أسماءهم على أذرعهم أو أرجلهم حتى يمكن التعرف على جثثهم فى حالة قتلهم، حيث إن ما يحدث مع أطفال فلسطين من الاحتلال الاستعمارى وعنف الدولة يمثل تهديدًا حقيقيًا لثمار الحياة وتصفية جسدية ونفسية واجتماعية لهؤلاء الأطفال مما يلقى بآثاره على المدى الطويل لتجارب الحرب، وذلك فى الوقت الذى لا يوجد أى مبرر أخلاقى أو دولى لمواصلة هذه الوحشية التى ستؤدى إلى إضعاف وجرح وقتل آلاف الأطفال الآخرين.

وأشار خفاجي، إلى أن المجتمع الدولى عليه أن يتحرك قبل فوات الأوان بوقف فورى لإطلاق النار واستعادة المياه والغذاء والوقود والمستلزمات الطبية والمساعدات الإنسانية والحماية القصوى لمرافق الصحة الطبية والنفسية وإلغاء أوامر الإخلاء غير الشرعية واللاإنسانية للمستشفيات، إن حقوق الأطفال تتطلب حماية خاصة، وتستدعى الاستمرار فى تحسين حالة الأطفال دون تمييز، فضلاً عن تنشئتهم وتربيتهم فى كنف السلم والأمن.

ويتساءل هانى هلال، خبير حقوق الطفل وأمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، قائلًا إنه تأتى علينا أعياد الطفولة العالمية لتضعنا فى موضع خجل أمام ضمائرنا، فكيف يمكن لإنسان أن يحتفل حتى مع أبنائه بهذا العيد، وأطفال فلسطين يتعرضون لهذه المذابح على مسمع ومرأى من العالم أجمع؟.. فالإبادة التى يمارسها المحتل الصهيونى فى حق أطفالنا فى فلسطين يراها أطفالنا وأطفال العالم الذين تحولت مشاعرهم وألعابهم اليومية لأشكال من التضامن مع أقرانهم الفلسطينيين كأكبر وأضخم مناصرة حدثت لدعم القضية الفلسطينية رغم أنف الجميع، من ساسة ومفكرين وقيادات حاولوا كثيراً طمس القضية والحقائق التاريخية حول اغتصاب أرضنا فى فلسطين، إلا أن العدوان الصهيونى على غزة ومذابحهم لأطفالنا والأمهات والشيوخ من المدنيين.. إلخ، والإبادة الجماعية وكل جرائم الحرب التى ترتكب من قبل جيش المحتل تضع العالم أمام مسئوليته ونحن نمر بيوم الطفولة العالمي هذا العام، وعلى الرغم من الحماية التى ينبغى أن يوفرها القانون الدولى لجميع الأطفال فى النزاعات المسلحة، بما فى ذلك حقهم الأساسى فى البقاء على قيد الحياة والحق فى الهوية والوطن والحق فى العلاج والتعليم.. إلخ، إلا أنه فى كثير من الأحيان يتم نزوحهم قسرا واحتجازهم وقتلهم وتعذيبهم واختطافهم وإصابتهم وتعريضهم لصدمات نفسية وتشريدهم داخليا وحرمانهم من الأمان والرعاية، كما يتعّرضون للأذى عندما يظلون على قيد الحياة حين يفقدون آباءهم وأفراد الأسرة والأصدقاء الآخرين ويكونون شهودا على أحداث مأساوية تظل عالقة فى ذاكرتهم طوال الحياة.. إلخ..

◄ اقرأ أيضًا | فقط في غزة| الموت يسبق شهادة الميلاد!

أضاف، أنه رغم واجبات المنظمات والآليات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لا سيما حقوق الطفل فى حماية  جميع الأطفال فى حالات النزاع والحرب وخصوصاً فى هذه الأوقات، فيجب أن يتمتع جميع الأطفال بحماية كاملة، وأن يكون بإمكانهم ممارسة جميع حقوق الإنسان فيما يتوافق مع اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل وبروتوكولاتها الاختيارية ولا سيما البروتوكول الاختيارى لاتفاقية حقوق الطفل بشأن مشاركة الأطفال فى النزاعات المسلحة 2002، والمعايير الدولية الأخرى ذات الصلة، من أجل البقاء على قيد الحياة، والقواعد المنصوص عليها فى القانون الدولى الإنساني، فمنذ 7 أكتوبر قتل أكثر من خمسة آلاف طفل، ولا يزال العديد من الأطفال مفقودين تحت أنقاض المبانى المدمرة، مما يشير إلى أن العدد الفعلى للضحايا أكبر بكثير، حيث إن نصف سكان قطاع غزة هم من الأطفال تقريبا، فى ظل عجز وفشل هذه المنظومة الدولية من القيام بواجباتها، وقال إننا نطالب بالوقف الفورى لإطلاق النار تحت إشراف دولى، ووصول المساعدات الإنسانية اللازمة للمدنيين بدون أى معوقات، وتأمين المستشفيات والمدارس، ووقف التهجير القسرى الذى تمارسه سلطات الاحتلال على المدنيين فى شمال غزة، وفرض احترام القانون الدولى الإنسانى وحماية الأطفال من جميع الأطراف المشاركة فى النزاع واعتبار التسامح أو حتى تشجيع جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولى الإنسانى وصمة عار على جبين المجتمع الدولي، ويجب محاسبة المسئول عنها من أفراد ومنظمات وجماعات ودول.

◄ تأثيرات نفسية
•• ورغم جميع الحقوق التى تكفلها القوانين الدولية للأطفال، إلا أن الحرب في فلسطين كان لها رأى آخر، رأى يروع الأطفال ويستهدفهم ليلاً وهم نيام، وهنا تقول الدكتورة هبة عيسوى، أستاذ الطب النفسـى، رئيس وحدة الاضطرابات النفسية فى مستشفى الطب النفسي بالدمرداش جامعة عين شمس، إن أطفال غزة يعانون معاناة شديدة القسوة، فتعرضهم لهذه التفاصيل المفزعة ومعايشتهم للخراب والدمار الحادث حولهم له تأثيرات نفسية كبرى، بل إنهم يتعرضون للحرمان من أساسيات الحياة مثل الطعام والمياه والكهرباء، وهو ما يزيد معاناتهم النفسية، لذا هى معاناة مركبة غير متوقفة على موقف صادم ويمر كما يحدث لباقى الأطفال، بل تكرار المواقف لدى أطفال غزة يمثل تهديدا واضحا لنفسيتهم ذات تأثيرات بعيدة المدى.

أضافت، أن الطفل بتوقيت القصف جميع حواسه تتعرض لنوع من الاستثارة فوق العادية، بما يتخطى قدر استطاعته، مما يهدد البناء النفسى للطفل، فيصاب بالفزع، لأن جميع هذه المثيرات الحسية ترتبط بأعصاب مباشرة للمخ، وهنا يحدث تسجيل لكل هذه الحواس، وجميع هذه الآلام من المشاعر التى كانت طاحنة وشعر بها الطفل فى نفس الوقت، ولأن جميعها مشاعر غير طيبة يصاب الطفل بتأثيرات نفسية مختلفة مثل حالة «الطفل المرتجف محمد أبولولي» الذى أصيب باضطراب ما بعد الصدمة بفعل حالة الفزع التى تعرض لها، فضلا عن حالات «التهتهة» التى تحدث لهم.

استثارة غير طبيعية تم تسجيلها فى المخ تؤدى لآثار قصيرة المدى أولية: «أعراض جسمانية» تتلخص فى رعشة خارجية للأطفال يصعب السيطرة عليها، إضافة لرعشة داخلية ينتفض خلالها الطفل وتظهر فى تقطع صوته بسبب التأثير على الأحبال الصوتية، كما تظهر أيضاً فى ضربات قلبه السريعة التى تميل للارتفاع، كما تظهر فى التهتهة فى الكلام، والتبول اللا إرادى من التبعات التى تظهر بشكل ليلى ونهارى، فعادة قد يكون مقبولاً أن الأطفال تتبول ليلاً لكن مع هذا الضغط الذى يتعرض له الجهاز الحسى للأطفال يحدث لا إراديا، كذلك التبرز اللا إرادي، وكذلك صعوبة التنفس، فيشعر الطفل بعدم القدرة على التنفس رغم أن التحليل الجسمانى مستقر لا يعانى من أمراض جسدية، لكن الحالة النفسية تجعله يشعر بكتمة فى صدره، أما «الأعراض النفسية» فتتمثل فى الخوف من أى صوت، فيتفزز ويتفزع الطفل، مع المعاناة من قلق الانفصال عن الأم لبحثه عن الأمان، وكذلك المعاناة من مشكلات بالأكل، فيمتنعون أياماً عن الطعام لتأثير حالة الفزع والخوف عليهم المعدة لا تهضم، فلا يشعرون بالجوع، وعلى العكس تنقلب الحالة بعد مرور شهر على الصدمة ويبدأ فى حالة شراهة بالطعام.

وأشارت إلى أن الأطفال بعد أحداث القصف والنزوح، بحاجة إلى الأمان والتواجد بجانب أى فرد من أفراد الأسرة حتى فى حالة دخوله المستشفى، فيجب أن يكون ملاصقاً لأمه أو أخواته أو الأب والعم، كى يشعر بالأمان، مع ضرورة تفريغ المخزون النفسى المشوه لديهم، وأن يتم اللجوء للرسم مثلا فهو علاج نفسى من نوع خاص، حيث يستخدم للتنفيس، مع تطمينهم بأن المقاومة الفلسطينية كانت دائماً صامدة، وكيف نتعلم منها القوة والصبر والدعاء، وهنا يجب أن أشير إلى نقطة مهمة جدا - والكلام مازال للدكتورة هبة - أنه ضمن محاولات مصر لتقديم المساعدات بأكثر من طريقة ممكنة، تمت إتاحة عيادة الأمراض النفسية للطفولة فى مركز الطب النفسي في مستشفيات جامعة عين شمس يوميا، تتلقى كل الحالات القادمة من فلسطين بمجرد عرض المشكلة ونحاول جاهدين تقديم العلاج أو الحل.

◄ الأكثر صلابة
في المقابل، هناك من يرى أنه رغم تلك الأحداث والسياق الطبيعى لها أن يعانى الأشخاص بشكل عام والأطفال بشكل خاص من عدة مشاكل نفسية، إلا أن الوضع مختلف مع «الفلسطينيين» سواء كانوا رجالا أو أطفالا، حيث اعتادوا على الصدمات والضغوط، وهذا ما يراه الدكتور أمجد العجرودي، استشارى أول الطب النفسي وعضو المجلس الإقليمى للصحة النفسية، والذى يقول: «فى مرحلة العلاج النفسي والسلوكي بعد تعرضهم للكوارث وأهمها فقدان الأهل أو الأبناء، تجدهم الأكثر قدرة على تحمل الضغوط تفوق غيرهم ممن لم يمروا بمثل هذه الأحداث، وهو ما ينطبق على أطفال غزة وبالمقارنة مع غيرهم من الأطفال، مع ضرورة أن يتم دعم وتأهيل الحالات التى عانت من فقدان الأبناء أو الأهل من الكبار، فقد يعانون من اضطرابات نفسية عديدة منها اضطرابات ما بعد الصدمة، ونوبات الفزع والهلع، فضلا عن اضطرابات القلق، والاكتئاب، ومع الضغوط الكارثية التى يتعرض لها الفلسطينيون، فقد يعانى من لديه تاريخ وراثى أو استعداد جينى لأمراض عقلية نتيجة الصدمة، مثل الإصابة بالفصام أو اضطراب الوجدان، أو اضطراب الضلالات «البارانويا»، وهو ما يتطلب تقديم دعم نفسى وسلوكى ومعرفى للشخص المتعرض للصدمة، لتحويل تفكيره الى جانب إيجابي، والحد من نظرته التشاؤمية للأحداث، فضلا عن إعطائه أملا فى القادم، وتقليل حدة انكساره وشعوره بالعجز أمام الكارثة، فضلا عن اللجوء فى أغلب الحالات للعلاج الدوائى، أما فى الأطفال، فيكون التركيز على الشق السلوكى، وتغيير البيئة المحيطة به، ومحاولة تقليل حدة الشعور بـ«انعدام الأمان» فى جلسات سلوكية متتالية للحصول على نتيجة جيدة، يتخطى بها مشاهد الصدمة وفقدان الأهل الذى تعرض له.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة