عزت إبراهيم
عزت إبراهيم


تأملات فى عيد الميلاد.. ماذا حققت «دولة المواطنة» فى ١٠ سنوات؟

أخبار اليوم

الجمعة، 05 يناير 2024 - 08:46 م

فى مستهل عام جديد اعتدنا أن ننظر إلى حصاد عام منصرم وننظر بعين متفائلة أن يحل عام جديد مختلف عن سابقه ونقف على ناصية التحليل والكتابة نستلهم الدروس والعبر من أحداث متراكمة من العام الفائت ونرصد الايجابيات أملا فى المزيد. خلال عام ٢٠٢٣، جاهدت مصر بقوة فى خضم تحديات وتهديدات صريحة فى محيطها الاقليمى تؤثر كثيرا على العديد من البرامج والخطط الطموحة التى خطتها لنفسها منذ الثورة الشعبية عام ٢٠١٣ والتى أعقبها رؤية رئاسية تنظر إلى الأسباب الكاملة وراء ما وضع البلاد على حافة الخطر.

وأحدثت شروخا فى النسيج الاجتماعى المصرى وتركت شكوكا فى قدرة الدولة على الحفاظ على قيم المواطنة والمساواة بين أبنائها بعد أن أعلن فصيل، وصل إلى الحكم فى ظل خلط واضح بين الدين والسياسة فى انتخابات ٢٠١٢، عن تراجعه عن قيم دولة المواطنة، التى كانت فى حدها الأدنى على مدى قرن من الزمن، ولكنها شكلت على مدى عقود حصنا واقيا ضد سقوط الدولة المصرية فى بئر الطائفية الدينية والسياسية الذى يحيط بنا من كل الجهات بعد الانتفاضات الشعبية التى وقعت فى ٢٠١١ وما تبعها من نتائج كارثية وظهور تنظيمات وحشية هددت تماسك المجتمعات العربية بشكل لم تره دول المنطقة منذ حصول هذه الدول على استقلالها.

فى اعتقادي، أن رؤية الدولة المصرية خلال السنوات العشر الماضية قامت على عدم العودة إلى الصيغ التى سبقت حكم جماعة الإخوان الإرهابية من حيث تسكين المشكلات أو عدم الاقتراب من بعض السياسات الثابتة أو المستقرة التى لم يجرؤ أحد من حكام مصر على مناقشتها على مدى اكثر من ٧٠ عاما وهو ما أدى إلى استفحال المشكلات وتزيد فجوة الثقة بين مكونات المجتمع المصرى خاصة فى ظل تنامى نفوذ جماعات الإسلام السياسى التى فضلت أجهزة الدولة فى أوقات سابقة تنفيذ سياسات احتواء معها بدلًا من الدخول فى مواجهة، وهو التصور الذى وضع الدولة المصرية على حافة الانفجار عندما هبت تلك التيارات المتشددة فى تطبيق رؤيتها الخاصة وهى رؤية لا تعترف بالدولة الوطنية وتستبدلها بهوية أوسع لا تنسجم من تركيبة المجتمع ولا مع طبيعة التفاعلات الدولية التى لا تعترف إلا بالدولة الوطنية، فغير ذلك يغرق المجتمعات فى الفوضى والانقسام.

ومن ثم، جاءت رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مستهل توليه السلطة عام ٢٠١٤ لتفصح بوضوح عن الاختلالات الحادة الموجودة بدلا من أن يلتزم بالمسكنات التقليدية التى شاعت فى العقود السابقة. عادة، هناك فوارق واضحة بين الرؤية والممارسة على مستوى مختلف الدول والمجتمعات، وهى مسألة كانت فى ذهن صانع القرار المصرى عندما بدأ فى فتح الملف الخطير والحرج.

أولا، كانت مصر تحتاج إلى أن تلقى بتلك الاثقال وراء ظهرها، فلا تقدم أو حداثة بدون تحقيق قيم المواطنة والمساواة وحكم القانون ولا يكون الأمر مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي.

ثانيا، أن الدولة كانت مهيئة للتغيير بعد أن ذاق المصريون طعم الانقسام وبوادر التصدع والانفلات المدمر على يد الجماعات المتشددة، فكان لابد من طرق الحديد وهو ساخن والخروج برؤية متماسكة تضع القيم السابق الإشارة إليها موضع التنفيذ.

وفى مجتمع تتمتع فيه مؤسسة الرئاسة بثقة الغالبية الساحقة من المواطنين، لم تكن مصر تملك رفاهية إضاعة الفرصة وإحداث تغيير جذرى مع طريقة التعامل مع قيم الدولة المدنية الحديثة والترويج لها دون تأخير وبتكثيف غير مسبوق.

ثالثا، أن الرؤية تتجاوز البعد الطائفى إلى نظرة أوسع تتصل بتحقيق المواطنة والمساواة للجميع فى ضوء الدستور والقانون الذى عندما يتم تفعيلهما بشكل حقيقى مؤثر فإن مجال الحديث عن الفوارق بين الاغلبية والاقلية وبين المسلمين والمسيحيين يضيق بشدة، وتتصدر المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات النقاش فى المجال العام دون أية اعتبارات أخرى تنتقص من ثوابت الدولة المدنية.

وجاءت رؤية ٢٠٣٠ ثم الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان معبرة عن هذه التوجهات الواضحة فى علاج المرض من جذوره، وأهم مسببات المرض هو تجاهل ملف المواطنة أو الانتقائية الواضحة فى بعض تطبيقاتها فى عقود سابقة أدت إلى ظهور نسخة مشوهة من الدولة المدنية التى تحتاج إلى مراجعة وتصويب الأخطاء أو الخطايا التى حدثت فى الماضي.

على سبيل المثال، جاءت معالجة ملفات مثل ملف بناء وترميم الكنائس ليس كملف طائفى ولكن كملف يتصل بحقوق فئة من المصريين على أرضية المواطنة. وكذلك، الحرص على بناء كنيسة فى كل تجمع عمرانى جديد تطبيقا عمليا فى هذا الاتجاه.

كما كان لتأكيدات رئيس الدولة بأن الجدارة هى المعيار الأول والوحيد فى تولى الوظائف العامة بمثابة رسالة للمجتمع بأسره وليس لفئة بعينها. فلو انصلحت السياسة العامة وجاءت تطبيقاتها على قدر الرؤية التى انطلقت منها تلك السياسة فإن الخطاب السياسى يستعيد مصداقيته ولا تصبح مكتسبات الحقوق الأساسية استثناء ولكن تصبح الفرص متاحة على قدر متساو أمام الجميع.

فى هذا الاطار، تدرك القيادة السياسية أن تعميق تلك الثقافة فى المجتمع من منظور المواطنة يحتاج الى تغيير عميق فى المجتمع المصرى على مستوى التعليم والثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية وأن التغيير لن يحدث بين ليلة وضحاها، فهو يحتاج إلى تضافر الجهود وأن تقوم مؤسسات الدولة بدورها فى هذا الشأن.

وحتى تقوم المؤسسات العامة بدورها يتعين أن يتواكب التغيير مع نشر الوعى بين المواطنين حول قضايا الشأن العام من أجل تغيير الأفكار الخاطئة المترسخة منذ سنوات طويلة . فبدون الوعى لا يمكن نشر ثقافة المواطنة.

وتتضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تفصيلا واضحا للمعضلات والتحديات التى تواجه ترسيخ ثقافة المواطنة فى إطار الحقوق المدنية والسياسية وهى بالمناسبة تشير إلى مشوار طويل مع تلك التحديات التى تحتاج إلى مجتمع مدرك وواع بأهمية أن ينفض غبار الماضى وينطلق نحو بناء دولة مدنية قوامها المواطنة والمساواة والكرامة والعدالة.

لقد أوضحت نقاشات الحوار الوطني، الذى اختتم جلساته قبل انتخابات الرئاسة، أن الثقافة والهوية والمواطنة تحتل حيزا كبيرا من تفكير قطاعات مختلفة من المجتمع المصري، وليس فقط النخبة الثقافية، وأرسل الآلاف مقترحات فى هذا الخصوص لا تقل فى حجمها عن المقترحات فى المحاور الأخرى وهو ما يعنى أن المصريين مشغولون بتأكيد هويتهم وتعميق الوعى بها حيث لا يمكن الفصل ما بين الهوية الوطنية والمواطنة وكلاهما يخدم الآخر. فكلما تعمقت الهوية الوطنية زاد الشعور بأهمية المواطنة وكلما اتخذت خطوات فى طريق تأكيد المواطنة صَبَّ الأمر فى مصلحة بروز الهوية الوطنية الخاصة التى تستوعب داخلها كل الهويات الفرعية القائمة على الشخصية المصرية المتفردة فى خصائصها والتراكم الحضارى والتاريخي.

الدرس المهم الذى نخرج به من تجربة السنوات العشر الماضية أن بداية طريق البناء والتنمية يكون بإصلاح المسارات التى تعوق التماسك الاجتماعى ووحدة الأمة وراء أهداف كبرى وأن الأهم هو بناء الوعى بقيمة دولة المواطنة التى تمهد الطريق لمستقبل أفضل. أن قيمة التحولات الإيجابية الجارية فى ملف المواطنة أنها جاءت تعبيرا عن رغبة وطنية مخلصة وخالصة وليس مجرد تجميل للصورة أو رغبة فى استرضاء أطراف خارجية.
كل عام وأنتم بخير وعيد سعيد لكل المصريين


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة