يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

٣١ ديسمبر

أخبار اليوم

الجمعة، 05 يناير 2024 - 09:37 م

المكان شارع جانبى فى الزمالك حيث فيلات قديمة تحمل أعلام سفارات متعددة بعضها قد لا نعرفه، أمام أحدها يقف شخص ما لا يملك سوى شارب عريض كث وكرش منتفخ كبالونة وفى فمه سيجارة كليوباترا، يرتدى على ماأتذكر بذلة كالحة كانت سوداء أكلتها الشمس يوما بعد يوم، على الناصية تماما تتحرك ببطء عربة بطاطا يتصاعد دخانها فى هدوء حَذّر تَشى رائحتها بلذة وخاصة أن الوقت كان قُرب المغرب فى ليلة واحد وثلاثين ديسمبر وفى الجو لسعة برد وكانت فى السماء شبه سُحب رمادية.

على طرف عربة الخشب لبائع البطاطا طرطور فضى اشتراه غالبا من بائع كان قد سبقه فى المرور من الشارع الجانبى متجها إلى شارع ٢٦ يوليو بحثا عن زبون لبضاعته من لوازم زينة سهرة رأس السنة والتى تنتهى صلاحيتها بعد ساعات قليلة، احمر وجه الرجل المنفوخ كرشه كالبالونة وألقى النفس الأخير من السيجارة متخليًا عن جزء من شخصيته وتحرك نحو بائع البطاطا محذرًا اياه أن يتوقف بالعربة الخشب ذات العجلات الملونة على ناصية فيلا السفارة.

انتفض بائع البطاطا تاركا يد العربة بينما بدى عليه وقد رفع كُم جلبابه البنى (وهو نظيف ومكوى بالمناسبة) وتوجه نحو الرجل البالونة مباغتا شنبه المنفوش موجها له فيما يشبه السخرية سؤالا عن أهمية السفارة التى يحمى حماها، تراجع كرش الرجل بعض الشىء وهو يحاول أن يسعفه القدر باسم السفارة الذى لا يعرفه، ولم يستطع قراءة اسمها حتى رغم وجود اللافتة النحاسية أمام عينيه، ليس فقط لأنها مطموسة بعض الشىء لكنه بكل يقين كان لا يفك الخط، استدار بائع البطاطا عائدا إلى عربته مزهوا بانتصاره الصغير.

فانضم إليه من تحت الأرض بائع زهور سريح وبائع بالونات تحمل أرقام السنة الجديدة وبائع الطراطير والصفارة الورق التى تتمدد وتنكمش فى الفم، والتفوا جميعا حول عربة البطاطا يجمعون الفكة من جيوبهم ويضعونها فى حصالة مثبتة بمسامير عند طرف العربة وانهمك بائع البطاطا فى خروجها ساخنة تجرى الريق من الفرن وتقطيعها لهم فى هِمة لا تقل عن التهامهم لها، بينما الرجل ذو الكرش نراه وقد وقف منزويا عند بوابة السفارة التى لا يعرف اسم بلدها أحد يراقب الموقف ولسانه يتحرك فى فمه يشتهى قرن بطاطا ساخن وليكن عندها يسمح للبائع إذا رغب أن يقف فى حديقة السفارة نفسها، لم يسدل الستار عند هذا المشهد، فقد تقدم منه بائع البطاطا وفى يده قطعة بطاطا سَمينة بنار الفرن قدمها له وهو يقول (كُل ياابو خالو.. ألف هنا وشفا).

تناولها دون تفكير أو تردد وعاد لمقعده الخشبى عند الباب يأكلها فى لذة ويرتشف من كوب الشاى ويشعل سيجارة جديدة وقد تدلى شَنبه وانتفض كرشه.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة