الكاتب عمرو صلاح الغندقلي
الكاتب عمرو صلاح الغندقلي


«كأس» قصة قصيرة للكاتب عمرو صلاح الغندقلي

صفوت ناصف

الإثنين، 22 يناير 2024 - 09:45 م

على أنغام عازف الكمان العالمي ( أندريا ريو) التي تترا في مطعم  الساحر، أجلس وحدي أحتسي كأس النبيذ المفضل.

أتأمل لوحات عصر الرنيسانس التي لا أمل من النظر إليها في كل مرة أتى إلى هذا المطعم الفاخر ، المصمم على الطراز الكلاسيكي ، القادم من عصر النهضة الأوربية، لا تشبع عيني من تفاصيل تلك اللوحات البديعة.

هناك ستائر مصنوعة من خيوط الشمس، وشموع باهرة، موضوعة أعلى كل منضدة، وهناك هدوء يكسو المكان رغم الزحام، الجميع ينصت إلى عذب الألحان.

وسط هذا العالم المحيط بي، أجد نفسي وحيداً ، أحتسى كأس النبيذ الفرنسي الفاخر ، لمحت عيني حين نظرت نحو باب الدخول بزوغ قمر ، كانت ترتدي فستانا ملكيا مرصعا بالنجوم ، يرتاح تاج رقيق مرصع بالكريستال على رأسها ، ينساب شعر حريري أسود فاحم كالليل ، وجه ملائكي يجسد معنى الأنوثة المقدسة ، كانت تمسك في يدها ريشا أبيض زاهيا كمروحة .

عندما دلفت من باب المطعم إلى باب قلبي مباشرةً ، أحدثت بداخل قلبي شعرت بارتطام أمواج هائجة تضرب في أركان جسدي ، وضعت يدي على قلبي ممسكاً به حتى لا يشق صدري متوجهاً إليها.

كانت وحدها والكون كله فيها .

كان المكان مزدحما، وليس هناك مكان يتسع لأحد، الألحان ساحرة حرضتني على الذهاب نحوها وما برحت عيني النظر إليها، لمحت التفاتة منها تنبئ عن بحثها عن مكان وسط هذا الزحام ولم تجد، وإذ بها تجدني أمامها أحمل حلما أن توافق وتقبل مجالستي.

قلت: مساء الخير

ردت برقة : مساء النور

مازالت الأمواج هائجة ومازلت أحاول ضبط تلك الأمواج.

قلت: اليوم المطعم مزدحم جداً، يشرفني أن استضيفك على منضدتي لحين أن تجدي مكانا خاليا، إن لم يضايقك؟

ابتسمت ابتسامة خفيفة ، وصمتت قليلاً ، وردد قلبي كل ما حفظ من أدعية أن تستجيب ، مازلت الصمت وهى تلتفت في رقة يمينا وشمالا كمن يبحث عن مكان وحين تيقنت أنه لا يوجد، تفحصت بعينها إلى هيئتي وقالت: أقبل دعوتك لحين أن تفرغ ترابيزه.

رقص ذلك الذي يسكن أعلى شمالي .

وأشرت لها حيث مكاني ودعوته تتقدم أمامي حتى وصلت إلى المنضدة ، قمت بسحب كرسي وقلت: تفضلي

 ردت برقة وهي تجلس: مرسيى

ناديت على النادل حين جلست وقد أتى

قلت: شوف الهانم تشرب إيه

ابتسمت ثم قالت: متشكرة

قلت: لا يمكن، لازم حضرتك تشربي حاجة.

وافقت وطلبت عصير برتقال.

مال النادل بعد أن كتب المشروب وقال: تحت أمرك

ثم ذهب، وأنا أحاول أن أجد صيغة البداية.

هي مازلت تتأمل المكان واللوحات البديعة التي تزين جدار المطعم ، حينها وجدت أن كلامي عن اللوحات ومحاولة شرح كم هي بديعة ومن الذي رسمها ، وجدت هذا مدخل جيد لكي أتحدث معها، تحدثت ببراعة عن كل لوحة وجاء النادل، ووضع العصير، ثم ذهب وأنا أحتسي، من كأس النبيذ، وهى مازلت محتفظة بهدوئها والاستماع إلىّ، تناولت كوب العصير، وأخذت ترتشف منه بعض رشفات في رقة، ثم وضعت الكوب، وأنا مازلت ناظراً إليها بكلى، حتى وجدت منها الاطمئنان، دعوتها للرقص على هذه الألحان الساحرة، فوافقت.

أمسكت يدها في رقة، وصعدنا بعض درجات  نحو السحاب، اقتربت منها، عطر فائح الأنوثة يُسكر أكثر من النبيذ، اللحن يزداد عذوبة، الأرض صارت نهرا والرقص كان متناغم تماماً كالألحان، صرنا كالسكر الذائب في هذا النهر، كانت ترقص في رشاقة طائر محترف في الرقص، أخذتني وطارت بي حيث عوالم لم أرها من قبل، وتذوقت ما لم أذقه من قبل، شرابا أطلعني على أسرار جعلتني متحدا بهذا الوجود كل شيء صار واحداً.

رقصنا كثيراً، حتى غيبنا عن المدركات إلى أفاق تجاوزت سموات، وحين انتهت تلك الألحان، أمسكت بيدها نحو المنضدة، أفلت يدها كي أسحب لها الكرسي وكانت خلفي، وجدت كرسياً واحداً !

وعلى المنضدة كأساً واحدا، به بقايا نبيذ، والدهشة تعلوا وجهى، واصبتني حيرة والتفت خلفي في بطء فلم أجد أحد سواي.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 

مشاركة