علاء عبدالعظيم
علاء عبدالعظيم


«سيد أفندي» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 13 يونيو 2024 - 12:36 م

كان سيد أفندي موظفا وطالبا في نفس الوقت، فهو كاتب أرشيف باليومية، لكنه تمكن من أن يزحف رويدا رويدا كالسلحفاة حتى وصل إلى السنة النهائية في كلية الحقوق، وبدأ يستعد للقب الجديد وما قد يتبعه من وظيفة جديدة، وهو لقب الأستاذية، فما هي إلا أيام قليلة ثم يصبح اسمه أمام الجميع الأستاذ سيد.

وكان قد بقي على الامتحان النهائي للحصول على ليسانس الحقوق ثلاثة أسابيع، لكن شعر سيد أفندي بهبوط في قواه، وعرق يتصبب من ظهره، وضعف عام في جسمه، وذهب إلى أحد الأطباء للكشف عليه ثم ذهب إلى ثان وثالث ورابع، وإذا بالجميع يؤكدون له بأن قلبه ضعيف، ويجب أن يكف عن العمل أو أن يبذل أي مجهود إذا أراد أن يطيل عمره بعض الشيئ.

وكان سيد أفندي في الخامسة والثلاثين من عمره، ويعتقد أنه أقبل على المرحلة الحاسمة في حياته، فقد جاهد وكافح، وعلم نفسه بنفسه، وتحمل الذل والهوان الذي ألحقه به رؤسائه في العمل، غير أنه امتنع عن التمتع بمباهج الحياة ورفض الزواج حتى يكرس حياته وماله للنهوض بحاله والحصول على لقب أستاذ، وأصبح شغله الشاغل هو كيف يموت دون أن يحصل على لقب أستاذ، ويجول بخاطره أن كل نفس ذائقة الموت لا محالة، حيث قلبه ضعيف والحياة أمامه قصيرة ولا أمل له أو مطمع فيها.

وبعد تفكير وتدبير طويلين قرر أن يضرب بنصائح الأطباء عرض الحائط، وأن ينهض من فراشه، ويذاكر حتى يحصل على الليسانس، ولقب الأستاذ، وقد يمد الله في عمره فيحصل على وظيفة حسنة، ثم يموت. فينشر له نعي في الجرائد ويشيعه كبار المعزين. وكفاه فخرا أن يقال توفى إلى رحمة الله الأستاذ سيد مدبولي ولا يقال توفي سيد أفندي مدبولي.

ومضت الأسابيع الباقية على الامتحان، وسيد أفندي يذاكر في نشاط، ويسهر الليل، وقد قاوم النوم والمرض، وكل عائق أمامه يشغله عن العمل والاجتهاد، وإذا به بنجح ويعين في الحال في سلك النيابة.

وأصبح سيد "بك" فقد تخطى بجده وتفوقه لقب الأستاذ، ورأى أنه قد حقق أمنيته، فليأت الموت في أي وقت، ولا فائدة في أن يتردد على طبيب وثان وثالث ورابع، ليؤكدوا له موته من جديد.

وأخذ سيد "بك" يواصل البحث عن اللهو والمتعة ليودع الحياة، وانطلق يبحث عن السهرات البريئة، وأقبل على الحياة كما لم يقبل عليها إنسان، ويضحك  من قلبه ساخرا من كل شيئ، هازئا بكل ما يراه من دروب الجد والصرامة التي يتشبث بها بعض الناس في الحياة.

ومضت الأيام، والشهور، والسنون، وسيد "بك" لا يكل ولا يهدأ، ولا ينام ليلة واحدة قبل أن تشرق الشمس ويتبدد الظلام، وظل منصرفا إلى الحياة مقبلا عليها بكل مافيه من جهد وقوة، وبلغ سن الستين عاما وأحيل إلى المعاش، وبلغ السبعين ثم الخامسة والسبعين، وهو مازال في كامل قوته لا ينام الليل ولا يهدأ بالنهار، وكثير ما حاول بعض الفضوليين معرفة سر قوة سيد "بك" وحيويته فيجيبهم في لهجة ساخرة.

- لاني أقبلت على الحياة وهاجمتها قبل تصرعني

- ويصمت قليلا ويقول في صوت رزين

- إني لم أتزوج في حياتي أبدا، وهذا هو ما أتاح لي فرصة مهاجمة الحياة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة