يوسف القعيد
يوسف القعيد


يوميات الأخبار

يوسف القعيد يكتب: من قيامة القدس إلى طوفان الأقصى

يوسف القعيد

الإثنين، 19 فبراير 2024 - 05:48 م

بعد يومين تحل الذكرى الثامنة لغياب الأستاذ هيكل، وكنت أتمنى أن أكون فى قاهرة المعز... زائراً لضريحه وقارئاً للفاتحة فى أجوائه

أبدأ مما يجرى فى فلسطين المحتلة.. وأتابع ما يحدث هناك من مآسٍ إنسانية لم تعرف البشرية لها مثيلاً.. صحيح أن الحروب لحظات القسوة الكبرى.. كل طرفٍ يريد الإنتصار.. وفى سبيل تحقيق الإرادة يفعل كل ما بوسعه.. لكن ما يقوم به العدو الإسرائيلى فى فلسطين من الأمور التى لم تعرف الدنيا من قبل فى كل حروبها السابقة.. ولا حتى فى الحربين العالميتين الأولى والثانية.
فنحن نرى دولة الكيان الصهيونى تفعل كل ما تشاء فى أبناء فلسطين العُزَّل. ولولا ما يقوم به حزب الله من لبنان، وحماس من فلسطين لشهدنا تخريباً أكبر. لكن تبقى روح فلسطين النابضة تُلهِب المشاعر وتُشعر الإنسان أن هناك شعباً يقاوم لا يعرف اليأس.

كتبتُ من قبل عن دهشتى البالغة تجاه ردود الأفعال القادمة من أمريكا وأوروبا. صحيح أن هذه الجهات صدَّعتنا بالكلام عن حقوق الإنسان، وتدخَّلت فى شئوننا باسمها. ولكن أليس من يُقتلون من أطفال غزة وشبابها وشيوخها ونسائها ورجالها لهم الحق فى الحياة؟ وأن من يعتدى عليه آثمٌ ومجرم؟ والرد الوحيد عليه هو بالقوة التى نفتقدها نحن العرب فى هذه المعركة المصيرية التى ستُحدِّد مستقبل فلسطين والقضية الفلسطينية.

أنظر إلى الموقف البريطانى والموقف الفرنسى والألمانى والإيطالى وغيرهم. وأقول لنفسى: أليس هؤلاء هم غُزاة الأمس، من احتلوا بلادنا ونهبوا خيراتنا بصورة لم تعرفها البشرية؟ أليس من المُستغرب أن يُساندوا العدو الإسرائيلى ضد فلسطين وضدنا؟ وها هى مياه البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط تمتلئ بالبوارج الحربية الأمريكية الجاهزة للمشاركة فى العدوان.
لا أكتفى بالفُرجة على التليفزيون وسماع الراديو. ولكنى ما إن أجد كتاباً عما يجرى، مع أن الكتب لا تواكب الحدث فى نفس الوقت مثل الصحافة والتليفزيون. لكن تبقى الكتب محاولة لمخاطبة الضمائر وتثبيت ما جرى أمام التاريخ.

◄ الراهن في كتابٍ جديدٍ ومهم
أرسل لى الصديق عبد الحليم قنديل الكاتب والمفكر والباحث، والذى يُمكن وصفه بأنه ضمير اللحظة الراهنة كتابه الجديد عن هذه الحرب. عنوانه: «حرب تحطيم الأصنام من قيامة القُدس إلى طوفان الأقصى». تركت ما فى يدى وانصرفت إلى هذا الكتاب الوثيقة الذى يهديه مؤلفه إلى الصمود الأسطورى المُذهل للشعب العربى الفلسطينى فى ملاحم التحرير. وإلى الإبداع القتالى المُعجز لجنود الله فى حرب «غزة» العزة. وإلى شعب الله المختار وحده ببلاغة يوميات ووقائع التاريخ الجارى.

وهذا الكتاب الذى يقع فى مائتى صفحة من القطع المتوسط يُسابق ما يجرى، وعندما تقرأه تشعر أنك شريك فيما يحدث فى زمنك والعصر الذى تعيش فيه. وعبد الحليم قنديل يمكن وصفه بأنه كاتب فدائى. يُعرِّف القارئ بنفسه فى آخر هذا الكتاب. مع أن القارئ ليس فى حاجة إلى هذا التعريف. فهو رئيس تحرير جريدة العربى، والكرامة، وصوت الأمة.

ومن مؤلفاته: «عن الناصرية والإسلام».. «نهاية إسرائيل على إسم الشهيد».. «الأيام الأخيرة».. «الرئيس البديل».. «خريف الإخوان».. «إغتيال ثورة».. «كورونا وسنينها».. و»حرب تغيير العالم».

ونحن نحسده على تاريخه النضالى الذى دفع ثمنه غالياً بالعدوان عليه فى الصحراء القريبة من القاهرة فى زمنٍ سابق. ويومها تقطعت قلوبنا وشعُرنا أن ما تم معه وقع معنا جميعاً. وأننا مسئولون عما جرى مع كاتبٍ شُجاع لا يملك غير قلمه الذى يكتب به. إن هذا الكتاب عن طريق إسرائيل المسدود، وعن مستقبل المقاومة الفلسطينية الباسلة المفتوح من الآن وإلى الأبد.

◄ ذكرى الأستاذ هيكل
مرت علينا ذكرى رحيل الأستاذ محمد حسنين هيكل «23 سبتمبر 1923 - 17 فبراير 2016» مُعلمنا وأستاذنا وتاج راسنا منذ أيام. وفى هذا اليوم ذهبت الأسرة إلى ضريحه. وبالمناسبة أنا لا أتخيل وفاته للآن، وأتوقع وجوده وأننى يمكن أن أذهب إليه فى أى لحظة تمر علينا. وأجده فى مكتبه باقٍ ومستمر فى عمله ومتابعته لما يجرى ويحدث فى مصر والوطن العربى والعالم من حولنا مثل صيرورة الزمان فى تحركه الأبدى والمستمر والمتواصل والذى لم ينقطع من قبل.

قرأتُ ما كتبه بلدياتى الشاعر والصحفى ماهر حسن فى بابه الثابت فى الصفحة الثانية من جريدة المصرى اليوم عن هيكل.. وعشتُ مع كتابته الجميلة وكأن هيكل لم يزل بيننا حتى هذه اللحظة.

رغم أن الموت حقٌ علينا جميعاً، ولابد من الاعتراف بقوانينه الصارمة التى تحرمنا من الأعزاء ومن الذين أحضرناهم وتعلمنا منهم وارتبطنا بهم طوال حياتنا.

كتب لى الصديق العزيز الغالى خالد عبد الهادى، المثقف الفلسطينى الكبير والذى يعيش فى عمَّان بالأردن فى انتظار العودة إلى فلسطين. ويتابع ما يجرى فى كل لحظةٍ تمر. ويُعتبر ذاكرة حيَّة ومُتنقِلة بالنسبة للأستاذ هيكل. ما من حرفٍ كتبه وما من كلمةٍ قالها إلا وتجدها عند خالد عبد الهادى بالصوت والصورة. كتب لى من عمَّان:
صباح الخير أديبنا الكبير..

بعد يومين تحل الذكرى الثامنة لغياب الأستاذ هيكل، وكنت اتمنى أن أكون فى قاهرة المعز... زائراً لضريحه وقارئاً للفاتحة فى أجوائه، لكن مشاغل الدنيا لها أحكام نافذة، راجيا أن ألقاك عماً قريب، لنجول فى آفاق الأدب وعوالم الثقافة.
دمت لكل من يعرف قدرك وقيمتك..

◄ خالد حمدي أبو جليِّل
بالصدفة وحدها وجدتُ على مكتبى آخر كتابين طبعتهما المطابع للمرحوم حمدى أبو جليِّل «1967 - 11 يوليو 2023»، الكتاب الأول نشرته دار الشروق وعنوانه: ديك أُمى. وأرسله لى المهندس إبراهيم المعلم صاحب الدار، والتى يُديرها بعقلية مثقف وليس تاجر نشر كُتب.

والكتاب الثاني وجدته فى مكتب رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور أحمد بهى الدين. المثقف قبل أن يكون مسئولاً عن النشر فى أهم دار نشر فى مصر والوطن العربى والعالم الإسلامي. الكتاب للمرحوم حمدى أبو جليِّل، وعنوانه: القاهرة شوارع وحكايات.

لكن أهم ما لفت نظرى فى غلافه هو أنها الطبعة الخامسة من الكتاب. وهذا يحدث لأول مرة لكاتبٍ من جيل الشباب. فالطبعات الكثيرة المتكررة تعودناها عند الجيل الأول السابق علينا: طه حسين، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وصلاح عبد الصبور، ولويس عوض. أما أن يجرى هذا فى كتاب لكاتبٍ شاب فهو حدثٌ مهم. وأتمنى أن يكون قد شعر بمقدمات حدوثه فى حياته القصيرة التى أمضاها بيننا.

والكتاب جولة ثقافية تاريخية عبر شوارع القاهرة، فالشوارع ذاكرة تبنى الأمة وجدان من يتجول فى أروقة تاريخها ويتعرف على أسرار تلك الشوارع وحكاياتها المرتبطة فى كثيرٍ من الأحيان بحقب تاريخية تركت آثارها فى ذاكرة الأيام. ورغم تحديث وتطوير شوارع القاهرة بقيت شامخة متشبعة برائحة الماضى وعبق الأصالة. تواكب الحاضر وترقُب المستقبل.

◄ نجيب محفوظ الأول والثاني
من يذكر نجيب محفوظ الأول الذى سُمىَّ الروائى الكبير وصاحب نوبل الأولى والأخيرة فى أدبنا العربى على اسمه؟ إنه الدكتور نجيب باشا محفوظ رائد جراحات النساء والتوليد. وقد صدر فى الهيئة المصرية العامة للكتاب كتابٌ عنه للدكتور محمود نبيل محمود. يتحدث فيه عن طبيب ماهر وعالمٍ فذ وإنسان يستحق التبجيل والاحترام.

أما الكتاب الثانى فهو للمؤلف روفير الفارس. وعنوانه: الفرحة المحفوظية صدى نوبل محفوظ فى الصحافة. ومن المؤكد أن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى أكتوبر 1988 لم يكن متوقعاً. فحدث ما سُمىَّ بزلزال نجيب محفوظ. هذا الزلزال الذى رصدته وعبَّرت عنه صحافة تلك الأيام فى فرحة عارمة يحاول هذا الكتاب أن يوثقها. لأن الاحتفاء بنجيب محفوظ يجب أن يكون حالة دائمة ومستمرة، موحية ومُلهمة. خصوصاً أن الصحافة سوف تظل أحد المظاهر المهمة فى قراءة التاريخ. ورغم أن نوبل قريبة العهد منا. فقد أصبحت تسكن صفحات التاريخ. حتى لو قلنا التاريخ المُعاصر فهو تاريخ. لأنها لم تتكرر أبداً وأصبحت نوبل الأولى والأخيرة.

◄ فيلم رحلة 404
مهرجان الأقصر السينمائى الدولى الذى يرأسه الصديق السيناريست ومدير قناة نايل سينما سيد فؤاد، والباحثة والناقدة عزة الحسينى، والذى يُقام فى الأقصر كل عام اعتبر أن منى زكى أفضل ممثلة. وهكذا حصد فيلمها: رحلة 404 أولى جوائز مسابقاته السينمائية.

وقد شاهدتُ هذا الفيلم فى إحدى دور العرض القاهرية الموجودة فى المسافة بين مدينة نصر وألماظة. وهالنى سعر التذكرة الذى أوشك أن يقترب من المائتى جنيه. أى أننى دفعت أنا وإبنتى رباب وحفيدتى أمينة ما يمكن أن يُقارب الستمائة جنيه. وهى قضية لابد من الوقوف أمامها وحل مشكلتها حتى تُصبح أفلام السينما متاحة للمواطن العادى. لأن السينما تلعب دوراً مهماً فى وجدان ووعى الناس. وهى علامة نادرة على تطور الشعوب والحضارات وليست مجرد وسيلة للترفيه.

الفيلم يدور حول شخصية غادة التي قررت السفر لأداء فريضة الحج. حيث تتطلع للتوبة عن أخطاء ارتكبتها فى الماضى. لكن مشكلةً طارئة تجعلها تُعيد التواصل مع أشخاصٍ كانت تعرفهم فى الماضى بشكل اضطرارى لجمع أموالٍ تُساعدها على استكمال ما تسعى إليه.. ومن كان من قرية مثلى وُلِدَ بها وعاش سنوات عمره الأولى فى دروبها يعرف قيمة الحج الدينية والإنسانية بالنسبة للمصريين. والذى يزور القُرى المصرية يجد أن رسومات الحج تُزيِّن جُدران البيوت والحجرات وكل مكانٍ يُمكن أن تقع عليه عينك فى شارع القرية الرئيسى وحاراتها الضيقة. لكن الحج يظل أملاً حقيقياً لكل مصري.

في الفيلم مجموعة من النجوم وضيوف الشرف. منهم محمد فرَّاج، ومحمد ممدوح، وشيرين رضا، وخالد الصاوى، ومحمد علاء، وحسن العدل، وسما إبراهيم، وشادى ألفونس، ورنا رئيس، وجيهان الشماشرجى، وعارفة عبد الرسول. الفيلم من تأليف محمد رجاء، وإخراج هانى خليفة، وإنتاج محمد حفظى وشاهيناز العقَّاد.

ويكفى الفيلم موضوعه، ففى روح كل فلاحٍ مصرى رغبة فى الحج تبدأ مع تكوُّن وعيه واجتيازه للمراهقة. وتنمو معه حتى آخر العُمر. بل إن الناس فى القرى عندما يريدون تضخيم أحد أو تكبيره ينطقون إسمه مسبوقاً بكلمة الحاج. حتى لو لم يكن قد قام بالحج فعلاً. ونفس الشيء نجده فى أوساط النساء.

منى زكي تُثبت نفسها كفنانة مصرية كبيرة...

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة