د.أسامة السعيد
د.أسامة السعيد


خارج النص

د.أسامة السعيد يكتب: التاريخ أمام المحكمة!

د. أسامة السعيد

الثلاثاء، 20 فبراير 2024 - 09:27 م

لا أثق كثيرا في هذا النظام الدولي المختل، إنما أثق أكثر في حكم التاريخ.
لا أتوقع من أجهزة المنظمة العاجزة المسماة "الأمم المتحدة" أن تحقق العدل والإنصاف، لكنني أؤمن بانتصار الشعوب المناضلة، مهما طال أمد الظلم والطغيان.
اليوم نحن على موعد مع مشهد للتاريخ، أتصور أنه سيبقى طويلا في ذاكرة العالم، حتى وإن حاول المسيطرون على العقول أن يهمشوه أو يختلقوا أسباب لصرف أنظار الناس عنه.
اليوم يقف التاريخ أمام المحكمة، يُخضع الميراث الأسود للاحتلال الإسرائيلي على مدى 57 عاما للمحاكمة، يفتش العالم في دفاتره المتخمة بالقتل والتدمير والنهب والاحتيال، وسرقة المستقبل قبل استلاب الماضي.
اليوم تترافع مصر أمام محكمة العدل الدولية لتقول كلمتها في الجلسات التي تعقدها المحكمة بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومدى إضراره بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وهو حق مشروع لكل الشعوب، بموجب الإنسانية قبل أن يكون بمواثيق الأمم المتحدة.
منذ الإثنين الماضي، ونحن نستمع لمرافعات من مختلف الأطراف، من الفلسطينيين الساعين إلى إقرار حقهم في الوجود والحياة، وأيضا من داعمي الاحتلال ومروجي الأباطيل، لكن عندما تتحدث مصر فإن على الجميع أن ينصت، فمصر هي أكثر الدول انخراطا في هذا الصراع، وشاهد الإثبات على جرائمه، والحصن الصامد في مواجهته.
مصر الدولة التي صنعت التاريخ وسجلته، لديها الكثير لتقوله عن هذا الاحتلال الذي صنعه الاستعمار لا ليسرق فقط حق الفلسطينيين في الحياة، بل ليكون الخنجر في خاصرة العرب، وحارس المصالح الغربية بالمنطقة.
جلسات المحكمة تركز على الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب 1967، وما ترتب عليها من نتائج قد تقود إلى وصم ذلك الاحتلال واعتباره غير شرعي، لأنه نتج عن حرب تسميها إسرائيل وداعميها "حربا استباقية" وهي حرب لا وجود لها في المواثيق الدولية، ولم يعرفها العالم إلا على يد قوى الاستعمار ولصوص مصائر الشعوب.
أتوقع أن تتضمن مرافعة مصر أبعادا قانونية حاسمة بشأن عدم مشروعية ذلك الاحتلال، فضلا عن استعراض تداعياته الكارثية على المنطقة، وعلى حق الفلسطينيين في الحياة وهو أسمى الحقوق الإنسانية على الإطلاق، وربما نسمع رصدا دقيقا لما خلفه ذلك الاحتلال البغيض من شهداء وجرحى وخسائر على جميع المستويات.
أعرف جيدا أن رأي محكمة العدل الدولية سيكون استشاريا، وأتوقع ألا تلتزم إسرائيل، فتاة الغرب المدللة، بما ستصدره المحكمة من رأي. ولا أتصور أن مجلس الأمن إن لجأ إليه البعض سيقدم إلا المزيد من الانحياز السافر من جانب رعاة تل أبيب!!
وحتى لو انتفضت الجمعية العامة للأمم المتحدة بكل ما تمثله من تجسيد للإرادة الدولية، فلا أتوقع أكثر من مواقف كلامية لن تخدش وجه إسرائيل التي لا تعرف معنى الحياء، ولا يعنيها كثيرا رأي العالم فيها، طالما استمرت المساعدات الأمريكية والغربية العسكرية والمالية تنهال عليها!!
لكن في المقابل، وفي حالة صدور رأي باعتبار الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي، فسيكون الأمر نزعا مهما لبعض قواعد بناء ذلك الكيان الغاصب، وإحراجا بالغا لمن يواصلون إسناده ورعايته، إلى أن تحين لحظة الحقيقة التي ليس منها بُد بانهيار ذلك الكيان وزواله، ليس بالتمني ولكن بحكم التاريخ، فالدول الوظيفية والعميلة لا تدوم، وإن ظلت جاثمة على صدر الواقع لفترة.
أرى زوال الاحتلال رأي العين، لكن لحظة تحقق ذلك تحددها عوامل كثيرة، من بينها مدى قدرة دول المنطقة على الاصطفاف، وبناء قدراتنا الشاملة، وتنسيق تحركاتنا لمواجهة ذلك الاحتلال، فما تسرب ذلك الكيان إلا من ثقوب تفرقنا، وما تمدد طغيانه إلى بتشتت كلمتنا وتمزيق وحدتنا.
وأثق أن مصر التي حمت القدس واستعادتها من أيدي الغاصبين مرارا عبر التاريخ .. لن تخلف موعدها مع ذلك التاريخ.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة