مصطفى عبيد
مصطفى عبيد


مصطفى عبيد: أكتب التاريخ الجاف بلغة الأدب الجذابة|حوار

أخبار الأدب

الجمعة، 01 مارس 2024 - 04:19 م

الكاتب والصحفى «مصطفى عبيد» باحث وكاتب مصرى من نوع خاص، يركز فى كتاباته على التاريخ المسكوت عنه للمهمشين. يعتبر كل كتاب له مغامرة جديدة ويهوى التجريب فى التاريخ، يؤمن بأن كتابة التاريخ هى مرآة الحياة، يفضل الرواية بشكل خاص، لكنه بدأ حياته بالشعر حيث صدرت له أربعة دواوين متتالية هى «ثورة العشاق»، و«محمد الدرة يتكلم» و«وردة واحدة وألف مشنقة»، و«بكاء على سلم المقصلة». ثم اتجه إلى كتابة الرواية والسير الذاتية وكذلك الترجمة.
وقد صدر له منذ أيام كتاب جديد بعنوان«أبناء محيى الدين»، يدور حوله هذا الحوار.

ما موضوع وملابسات اختيار شخصيات كتابك الجديد «أبناء محيى الدين»؟
موضوعه هو تاريخ اجتماعى عائلى، وهذا ما نفتقده فى بلادنا العربية عكس الثقافات الأخرى التى تهتم بهذا المجال، أقصد مجال أصول العائلات وتطورها، فأغلب ما يُطرح هنا فى مصر هو سير ذاتية للساسة ورؤساء الدول، أو مذكرات وشهادات لبعض رؤساء الوزراء السابقين. لكن قلَّما نجد كتبًا تتخصص فى أصول العائلات.

اقر أ أيضاً | فهد العتيق ..عن أمسيات الشريك الأدبى والمقهى الثقافى بالسعودية:الأدب والثقافة للجميع

مشروعى فى كتابة التاريخ يتركز حول النقط المهمشة والمعتمة فى ذلك التاريخ، وسير العائلات فى مصر تعتبر من التاريخ المنسى المهمش والمتروك وهذا ما أحرص دائما على البحث عنه وتسليط الضوء عليه.

لماذا قررت أن تصدر هذا الكتاب؟
كنت أتابع تاريخ المكتبة المصرية فى هذا المجال ووجدت أن الإصدارات التى اهتمت بهذا الجانب هما إصداران فقط فى مكتبة الإسكندرية، أحدهما عن عائلة «محمد محمود» والآخر عن العائلة «البطرسية فى مصر» ولكن ما وجه نظرى فى كليهما أنهما أشبه بالكتب التوثيقية التذكارية التى تتكلم عن أوراق وآثار العائلتين دون الخوض فى تفاصيل تحولات المجتمع المصرى وتطوراته، لذلك قررت أن أصدر هذا الكتاب.

بالنسبة لاختيارى عائلة محيى الدين تحديدا فهى واحدة من أكثر العائلات إثارة للجدل والانتباه لأكثر من سبب، فهى العائلة الوحيدة التى جمعت بين أفرادها العديد من الوزراء ورؤساء الحكومات وأعضاء للبرلمان وسفراء ومحافظين وكثير من المناصب السيادية على مدار السبعين أو الثمانين عامًا الماضية وهذا ما يجعلها متفردة.



الملمح البارز الآخر هو أنها لا تعد من العائلات صاحبة الثروات القائمة على أعيان ولا يمتلكون ثروة كبيرة مثل عائلة «عبد النور» أو «أباظة»، بل هى عائلة متوسطة الحال ومؤسسها هو محيى الدين فؤاد الذى وُلد فى منتصف القرن التاسع عشر وبالرغم من أنها أسرة حديثة نسبيا، لكنها استطاعت أن تتلاءم مع التطور الاجتماعى الحادث فى مصر، وأنبتت لنا عديدًا من القادة. ومن مميزاتها أنها ذات توجهات سياسية متعددة سواء ليبرالية أو يسارية وحتى من المعارضة.

أما أكثر ما جذب نظرى فى هذه العائلة تحديدا أنها واكبت تطورًا وتغيرًا اجتماعيًا كبيرًا جدًا فى مصر بداية من ثورة يوليو، 1952 فالتحمت بها وصدَّرت لنا «زكريا محيى الدين» و«خالد محيى الدين» اللذين يعدان من أهم رموزها.

كيف عملت على الكتاب حتى صدر بشكله النهائى؟
كانت الفكرة فى الأساس هى محاولة لتتبع تاريخ غير مكتوب للعائلة من خلال التاريخ المصرى بشكل عام، لذلك بنيت الكتاب على عدة شهادات حية لمجموعة كبيرة جدًا من أفراد عائلة «محيى الدين» وشهود آخرين عاصروها، وتابعوا تطورها من أفراد ورموز.



بالإضافة للوثائق القديمة سواء باللغة العربية أم الإنجليزية. ولم أغفل إعادة قراءة المصادر التاريخية المعروفة كافة، وكذلك الكتب التى تناولت بشكل عام أحداث سياسية مع ربط فكرة تطور التاريخ المصرى مع أجيالها المختلفة على مدار تاريخها.

هل ترى أن الكتاب ينتمى إلى حقل التاريخ أو الأدب؟
الكتاب يندرج تحت حقل البحث التاريخى، وليس نصا سرديا روائيا، وإن كنت أهتم دائما بكون الصياغة أدبية جذابة جذلة.


هل كتابة التاريخ تقتصر على المؤرخين فقط؟ أم للروائيين إسهام فى كتابته بطريقة غير مباشرة فى أعمالهم؟ 
قطعا لا؛ بل يكتبه المجتمع بكل فئاته، قد نجد فنانًا أو لاعب كرة له سرد يحكى من خلاله تجربة اجتماعية، فالتاريخ لا يُقصدُ به السياسى فقط، بل هناك تاريخ آخر اقتصادى واجتماعى وفنى وثقافى، وهو حق أصيل للجميع.



فى كثير من الأحيان نجد أننا نقرأ التاريخ الاجتماعى للشعوب من خلال أعمال روائية تعرفنا على فترات معينة من التاريخ، فنحن نعرف كثيرًا عن المجتمع المصرى فى عشرينيات القرن الماضى من خلال أعمال الأديب الكبير «نجيب محفوظ»، وعلى سبيل المثال لا الحصر قدمت لنا «ثلاثيته» الأشهر مجموعة من التشابكات والتفاعلات فى المجتمع المصرى آنذاك ففتحت لنا نافذة ثرية، ولا نبالغ حين نقول إن أعماله مرآة انعكس عليها واقع مصر حينها وشكل المجتمع بكل فئاته.

كيف تنتقى شخصياتك؟
أنا أهتم دائما بالشخصيات الخافتة التى من المفترض أنها لعبت دورا مهما جدا فى التاريخ، وعائلة محيى الدين فيها شخصيات مهمة تسترعى الاهتمام مثل «زكريا محيى الدين» الصامت الأشهر فى تاريخ الضباط الأحرار والعصر الناصرى، حيث لم يقدم شهادته على الأحداث المعاصرة فى فترة زمنية مهمة من تاريخ مصر. فكلما كانت الشخصية تجذب أو تثير حولها تساؤلات صعبة ليس لها إجابة أقتربُ أكثر وأبحث فى تاريخها.



أكثر الأسئلة إلحاحا وبحثا بالنسبة لى كانت لماذا عندما تنحى الرئيس جمال عبد الناصر وضع زكريا محيى الدين خلفا له؟ حتى أن عائلته ما زالت حتى الآن تطلق عليه «الريس زكريا» والسؤال الأهم هل كان وضع مصر وتاريخها سيتغير بتوليه الحكم؟

هل تعرض التاريخ بحيادية؟
أحاول إعادة قراءة التاريخ بتقديم روايات لم تروَ من قبل وإجابات لأسئلة مفتوحة حار فيها الباحثون، لكنى أتحفظ على كلمة حيادية، فليس غرض الباحث أن يقف على الحياد بل أن يكون منحازا لضميره المهنى وقيم الحق والعدالة، وهذا ما يجعله فى صدام دائم مع الشخصيات التى يحبها ويقدرها فأحيانا يضطر للتعامل مع خطايا وأخطاء لهم ليناقشها بشكل إنسانى.

لماذا تركز على السير التاريخية بشكل خاص؟
أنا أركز على كل ما يتضمن حكاية جديدة ومفيدة ونافعة، وتصورى عن الكتابة أنها ليست صدى، فلا أكرر نفسى ولا أنقل كلامًا سبق طرحه أو نشره ومرة أخرى أؤكد أن مهمتنا هى إضاءة جوانب جديدة وحكايات مهمشة.

كيف تنتقى المراجع التاريخية؟
أركز على المراجع المختلفة غير الملتفت إليها خاصة المراجع الأجنبية التى تكون لها أولوية عندى، لكونها أقل انحيازا، وتقدم وجهة نظر غير مرتبطة بمصالح معينة أو علاقات شخصية أو أى أيديولوجيات سياسية، ولا نغفل المراجع التقليدية ونعيد قراءتها بشكل فيه تفكر وتجرد.

كما تحتل الشهادات الحية أهمية كبرى بالنسبة لى خاصة الشخصيات المعاصرة للأحداث أو من أختصهم بالكتابة فى أعمالى.

تحرص دائمًا على دخول المناطق المسكوت عنها فى التاريخ والتحدث عن أمور شائكة.. هل تعتبر هذه الكتابة نوعاً من المغامرة؟
كل كتاب جديد يعد مغامرة، أحاول ممارسة التجريب فيه، وأنا مؤمن أننا نتعلم بشكل دائم وكلما أمضينا وقتا أكثر فى البحث والكتابة فإننا نكتسب خبرات أكبر، والأهم هو نقل هذا التجريب للناس حتى نرى آثاره عليهم ومدى استقباله واستحسانه أو حتى استقباحه.

صدر لك الفترة الأخيرة ترجمتان وهما «النسخة النادرة من مذكرات توماس راسل حكمدار القاهرة»، و«قارئ الجثث سيدنى سميث».. ماذا تمثل لك الترجمة؟
-أنا لا أترجم لأنى أريد أن أترجم، بل لأضىء مناطق تبدو معتمة فى بعض أوقات التاريخ المصري، واهتمامى بالترجمة لا يبتعد كثيرًا عن مشروعى الدائم لإعادة كتابة التاريخ، فكل ترجماتى تدور حوله.

فهى فى الأساس تجارب نستقى منها معلومات تاريخية حول فترات مهمشة، غائبة. من خلالها نتعرف على شكل المجتمع فى تلك الفترة.

تجربتى للترجمة سواء «مذكرات توماس راسل حكمدار القاهرة» أم «مذكرات سيدنى سميث» فأكثر ما وجه نظرى لترجمتهما أنهما يقدمان كثيرًا من الأحداث التاريخية التى لم تُقدَم من قبل فيما يخص مصر فى بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه بالنسبة للأولى.

أما الأخرى فهى تحتوى على جوانب عديدة تخص المجتمع المصرى عن قرب فى فترة مهمة، وإن كانت هناك جوانب أخرى شيقة فيها، بوليسية وعلمية وطبية، ولكن أكثر ما دفعنى لترجمتها هو الجانب الذى يقدم تاريخًا اجتماعيًا لمصر، القرى والريف والصعيد وتعدد الزوجات ومختلف النواحى الاجتماعية حينها. ترجمة هذه المذكرات يرسم الوجه الآخر للمجتمع. من خلال رؤية أخرى وزاوية أخرى ترصد ما نغفله أو نتغافله.

تشهد حركة النشر والثقافة رواجًاً كبيرًاً، فما انطباعك حول المشهد الثقافى المصرى، خاصة تأثير التكنولوجيا على القراءة والإبداع؟
انطباع إيجابى جدًا؛ فأنا مستبشر بكل ما يحدث فى المجتمع الثقافى الآن، وأرى أن هناك رواجًا حقيقيًا للقراءة والمعرفة، وأختلف مع كل المتشائمين بهذا الشأن، وأشيد بوجود الشباب وأقول إن التطور التكنولوجى الحادث الآن ليس خصمًا للاهتمام المعرفى والقراءة، وإنما أفاد وأنعش النشاط الثقافى ودفع فئات كثيرة إلى القراءة وسهل عليهم الوصول لها والتعامل معها.

أوكد أن هناك شغفًا حقيقيًا عند أجيال الشباب للمعرفة والقراءة والاطلاع فى ظل تراجع وسائل الإعلام التقليدية والصحف الورقية المطبوعة.

أعترف بهذا رغم أننى صحفى، وأدين لها بفضل كبير علىَّ، لكننى مع الأسف أرى أن هناك تراجعًا كبيرًا فى الصحافة القائمة الآن، وربما كان ذلك له أثر إيجابى على الوسط الثقافى، حيث زاد من إقبال كثيرين على الكتب ووسائل المعرفة الأخرى ليرووا عطشهم من المعرفة والاطلاع.

تلقى الروايات التاريخية رواجًا كبيرًا لدى القراء فى الفترة الأخيرة، فهل هذا ينذر بتراجع الأنواع الأخرى؟
الروايات التاريخية مهمة جدًا، وهى بالفعل تشهد رواجًا كبيرًا فى الفترة الأخيرة، فى اعتقادى هذا مبنى على أن القراء يبحثون عن قراءة شيقة للتاريخ تجذبهم وتخوض بهم فى عوالم لم يعرفوها أو يتطرقوا إليها من قبل. عكس الطريقة الكلاسيكية المكتوبة بواسطة المؤرخين التقليديين، فهى أشبه بسرد جاف، لذلك عندما يعيدون قراءة التاريخ مرة أخرى بطريقة روائية أدبية درامية، فإنهم يشعرون بالشغف والمزيد من الرغبة فى الاطلاع.

الأهم فى رأيى أن الحنين للماضى والرغبة فى قراءته، هو نوع من أنواع النقد غير المباشر للواقع من خلال استرجاع ما مضى، والحديث عنه والبحث عن أوجه التشابه والاختلاف بينه وبين الحاضر.

لم تخض عالم كتابة القصة القصيرة من قبل رغم عودتها وبقوة لسوق النشر. هل تفكر فى خوض هذه التجربة؟
 فى الحقيقة أنا مهتم بشكل خاص بما يخص الملف التاريخى وإعادة قراءة التاريخ بشكل خاص، وهو المسيطر علىَّ بشكل كبير، ولدىَّ عديد من المشروعات المفتوحة التى لم أنته منها بعدُ فى هذا المجال الواسع الثرى، وسوف أسعى لإنهائها فى أقرب وقت.

أنا لم أجرب أن أخوض كتابة القصة القصيرة من قبل، رغم أنى أعجب بإسهامات عظيمة لكثير من الزملاء المبدعين فى هذا المجال: على سبيل المثال لا الحصر حسن كمال وطارق إمام وأحمد القرملاوى وأحمد الخميسى والأستاذة العظيمة سلوى بكر وهناك كثيرون وكثيرون من المبدعين فى هذا المجال أسعد بقراءة أعمالهم، وربما فى المستقبل أخوض تلك التجربة رغم إحساسى بعدم الانتماء لهذا الحقل الأدبى.

أنت خريج قسم الآثار الإسلامية فهل لذلك تأثير عليك ككاتب؟
بالطبع أفدت كثيرًا من مجال دراستى، فعلم الآثار دائما يدفعنى للبحث عن أدلة مادية مباشرة لأى قصة فى التاريخ، حيث أحاول الوصول إلى ما هو أعمق من الإشارات المكتوبة.

ماذا تفضل أكثر.. كتابة السيرة أم الشعر أم الراوية؟
أفضل كتابة الرواية بشكل خاص، أستحضر فيها كل طاقاتى وأبذل فيها الجهد وأتعلم دائمًا وأمارس التجريب وحتى النقد الذاتى والاستماع للرأى الآخر.

ماذا أضافت الصحافة إليك؟
أضافت لى الصحافة كثيرًا، فكسرت تهيبى من أشياء كثيرة، وشجعتنى أن أقتحم أى مجال باحثًا ومتحدثًا مع الأشخاص دون خوف، بالإضافة إلى أنها اختصرت كثيرًا من الأوقات علىَّ، وأتاحت لى الدخول إلى مناطق صعبة والتواصل مع شخصيات كبيرة ونافذة.

ما العمل الأدبى القادم لك؟
أنا مستمر على مشروعى التاريخى بفتح الأبواب المغلقة وإظهار الشخصيات المعتمة والمهمشة للنور ودراسة وربط كل هذا بتاريخ المجتمع المصرى وتطوراته من خلال قراءة محددة وواضحة.

حاليا أعمل على عمل روائى يعود إلى فترة ما فى التاريخ المصرى، يقدم سيرة غير مدونة لشخصية مصرية غامضة جدًا، أنا أعكف عليها منذ عام ونصف والمصادر التى تتحدث عن هذه الفترة قليلة جدًا، مما أعتبره تحديًا لى.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة