مهند عدلي
مهند عدلي


مهند عدلي يكتب: البريكس من فخ الاستقطاب إلى الاستثمار المتكامل.. رؤية واقعية

بوابة أخبار اليوم

السبت، 02 مارس 2024 - 10:30 ص

اتجه الكثيرون منذ الإعلان عن بدء العضوية الرسمية لمصر في تجمع دول البريكس اعتبارا منذ يناير الماضي إلى اعتبار الأمر وكأنه قطيعة مع النظام الاقتصادي العالمي ومؤسساته الغربية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حتى أن البعض اعتبره وكأنه انتصار على كل ما يمثله هذا النظام.

هذه الصورة القاصرة أقرب ما تكون لشعارات منتصف القرن الماضي فهو وإن كان انتصارا إلا أنه ليس أكثر من انتصار (دون كيشوت) على طواحين الهواء في الرواية الشهيرة فليس هناك معركة من الأصل حتى يمكن الحديث عن مكسب أو خسارة بالمعنى المفهوم؛ فالملاحظ أن هناك إصرار على تصدير شعور زائف بالانتصار على الدولار واقتصاديات الغرب وكل ما يمثلونه بل سمعنا عن تحليلات وتوقعات لا علاقة لها بعلم الاقتصاد من الأساس.

فرغم أنه من أصول المنطق بل من الخطأ الجسيم عدم الوقوع في فخ التصنيف الأحادي  بمنطق (مع أو ضد) خاصة في الرؤى والمعاملات الاقتصادية؛ التي تتسم بتنوعها من حيث النشاط والتوجه ما بين القطاعات الصناعية والأنشطة الزراعية والثروة المعدنية والبترول والغاز بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية ومجالات التقنية والتكنولوجيا ومع ما يصاحب هذا التعدد النوعي من تعدد مقابل في هياكل الاستثمار والملكية بين الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص المحلي والاستثمارات الأجنبية.

ويضاف إلى ما سبق ما يمتلكه كل اقتصاد من مزايا خاصة متفردة تساهم في تصنيفه بدور ما في الاقتصاد العالمي مثل تايوان والصين كمصنع للعالم.. وألمانيا معقل صناعة المحركات.. وحتى بنما صاحبة قناة بنما وأهميتها البالغة للاقتصاد العالمي وقبلها مصر حيث قناة السويس التى هي الشريان التجاري الأهم عالمياً.

ما سبق من اختلاف في الشكل والتنوع والتعدد وحتى عناصر التميز الاقتصادي وخصائص الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لكل دولة ومع سيادة حقيقة القرية الكونية يصبح تصنيف أي تجمع اقتصادي على أنه (مع أو ضد) هو نوع من العبث أو على أحسن تقدير نوع من الرفاهية الفكرية التي لا طائل منها.

فتصدير مثل هذه المشاعر الزائفة يخلق أنواعا وهمية من الاستقطاب الاقتصادي، وهنا أود أن أشير إلى أن حالات الاستقطاب قد تكون مطروحة بالفعل سياسيا كما كان الحال في الخمسينات مع صراع الحرب الباردة وحلف بغداد في الشرق الأوسط وحلف وارسو في شرق أوروبا والناتو في الغرب وعدم الإنحياز كتكتل في مواجهه الجميع وهذا الاستقطاب الجغرافي والتصنيف الأحادي قد يكون مقبولا سياسيا إلى حد ما..

لكن في الاقتصاد والأعمال لا يمكن تفعيل خاصية الاستقطاب لأنها كارثية فليس معنى الانضمام للبريكس انتهاء أهمية الدولار لأعضائه أو نهاية عصر المعاملات مع المؤسسات الاقتصادية العالمية أو دول الغرب هذه رؤية سطحية وغير حقيقية بالمرة.

فلكل تجمع اقتصادي مزايا وفوائد اقتصادية يكتسبها من خصائص أعضائه وقد تتقاطع بشكل أو بآخر أو تتعارض بدرجة أو بأخرى مع مزايا وفوائد الانضمام لتجمعات أخرى وكلما كان الاقتصاد أكثر تنوعا وتعددا كلما كانت فرص الاستفادة من التجمعات الاقتصادية المتعددة إقليمياً أو قارياً أو عالمياً أكبر وأكثر اتساعا.

فانضمام المجموعة الأخيرة لدول البريكس ومنها مصر يجب التعامل معه خارج اطار الاستقطاب وحروب (دون كيشوت) بل فقط في اطار المفهوم الاستثماري الذي ينظر إلى ما يمكن تحقيقه من مزايا على غرار تخفيف الضغوط على العملات الأجنبية وزيادة فرص التصدير لهذه الأسواق وزيادة الاستثمارات المباشرة خاصة في المجالات الصناعية والتكنولوجية للأعضاء الأكثر تقدما في هذا المجال مثل الصين وروسيا والهند.

التي يعتبر الاقتصاد المصري بالنسبة لها ليس فقط مجرد سوق ضخم ولكنه منفذ لمنتجاتها التي يمكن تصنيعها في مصر بشهادة منشأ مصرية للأسواق الأفريقية والأوروبية والعربية التي تمتلك مصر معها اتفاقيات قائمة بالفعل مثل اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية والكوميسا الأفريقية والاتفاقات العربية المشتركة، فمن هذا المنظور يمكن تحقيق التكامل من روافد التواجد الاقتصادي في ساحات مختلفة وزيادة العوائد من كافة الاتجاهات دون استقطاب يخصم من مزايا هنا أو هناك ودون مكسب على حساب خسائر أخرى بل بتنسيق واستثمار يضاعف المزايا ويعظم العوائد ويحد من المخاطر ويساعد على مواجهة التحديات وبناء وتدعيم هيكل الاستثمارات المباشرة في اتجاه توسيع القاعدة الصناعية والتكنولوجية لبناء قاعدة انطلاق اقتصادي قوية على المدى المتوسط والبعيد.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة