أحمد الخطيب
أحمد الخطيب


الفريضة الغائبة!

أخبار اليوم

الجمعة، 15 مارس 2024 - 08:11 م

يُعجبنى الإصرار فى الآونة الأخيرة على طرح وتداول ومناقشة فكرة توطيد معنى غائب فى الفقه الإسلامى وهو أن مسألة الحكم والسلطة فى الإسلام «ممارسة بشرية مُتغيرة ومتجددة».. ومن الخطورة اعتبارها تكليفا إلهيا.

دخول الفن - عبر الدراما التاريخية - على هذا الخط بحسبانها الآن الأكثر تأثيرا وشيوعا للوصول إلى الأفئدة والعقول كى يوقر بداخلها لإيصال هذا المعنى الغائب عظيم جدا وسيأتى كله لا محالة.. فالخطوات الأولى دوما صعبة!

لم يصل هذا المعنى الذى يقول «لا يمكن أن يكون هناك تكليف إلهى يدعو لاستباحة الدماء، وأن استباحة التكفير والقتل هو اختراع بشرى من أجل تبرير إبادة الآخر».

من هنا تأتى رسالة مسلسل «الحشاشين» ومن قبل مسلسل «الاختيار»، وكلاهما يقول -عبر خيط سميك- ويُعمق نفس المعنى الغائب!

بعيدا عن ممارسة النقد الفنى الشعبوى على العمل الدرامى للمسلسل أقف بوضوح فى خندق الوصول لمعان ضالة قفزت إلى نفوس الناس وصارت عقائد لتفنيدها والقضاء عليها.

هذه المعانى الضالة رسختها كل الجماعات الدينية واستخدمت التكفير بشكل «دينى» من أجل تحقيق هدف «دنيوي» فى مخالفة صريحة لمقاصد الشرائع السماوية.. لا سيما أن عملية التكفير تلك فيها ابتذال لفكرة «الدين» وتحوله من غاية سماوية إلى وسيلة بشرية دنيوية.. هكذا أراد حسن الصباح وحسن البنا وأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى ومُهلّب بن أبى صفرة، وغيرهم!

ولعل مناهضة هذه الأفكار والحول بينها وبين الناس منذ ظهور حركات الخوارج - كجماعات سياسية- مرورا بالحشاشين وصولا لتنظيم الإخوان لم يكن بالقدر الذى يكشف عن خطورة المآلات التى آل إليها العالم الإسلامى من تخريب فقهى كان له عظيم الأثر على تردى أحوال الدول الوطنية وتأخرها الذى بات غنيا عن البيان والنظر!

ما الذى يريد أن يقوله العمل الفنى سواء كان الحشاشين أو الاختيار؟

يُريد أن يقول -عبر حبكة درامية ألفتها الأحداث دون جهد المؤلف- إن مسألة فرض نظام للحكم بالقوة ليست من الإسلام فى شيء، وإن الحكم الرشيد يجب أن يكون هدفه تحقيق مقاصد الشريعة وليس العكس، بمعنى أنه لا يجوز استخدام مقاصد الشريعة من أجل الوصول للحكم!

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم يحدد نظاما للخلافة، ولم يسم من يخلفه، لأنه لو فعل لكان التعامل مع من قرر خلافته باعتباره وحياً.. لكنه ترك الأمر لمن بعده.

خطورة ما فعلته هذه الجماعات هى أنها أوقرت لدى الجموع عقيدة وجود «خلافة» نظاما للحكم، واعتمده الكثير منهم وصار كأنه معلوم من الدين بالضرورة، وصار تحقيق هذا النظام شرطا من شروط نجاح الحكم فضلا عن شرعيته!

من المهم الإشارة هنا إلى خطورة تحويل الإسلام من «نظام إلى تنظيم».. ومن «نظام» عام هدفه جودة الحياة وتكريم الإنسان إلى «تنظيم» سرى هدفه استخدام هذا الإنسان!

بل ان الإصرار على «العمل التنظيمي» هو تغول على الرسالة، وتغول على المقام النبوي، لأن العمل التنظيمى يُقدم للناس باعتباره فرضا لاستكمال العمل الدعوى وكأن النبى -المُكلف الموحى اليه- ترك شيئا إلهيا منقوصا بحاجة إلى فعل بشرى لإتمامه!

الفعل البشرى الرشيد يفترض ان يكون ترجمة عملية للتأكيد على صلاحية هذا الدين لكل زمان، بينما يأتى «العمل التنظيمي» ليثبت العكس ويدعى أن الدين حالة زمنية ثابتة وكأن حركة التاريخ وتطوره يمكن ايقافها او تجاهلها، وبالتالى تحول «الدين» بفعل هذه الجماعات التنظيمية من قيمة إنسانية مستمرة باستمرار البشرية، إلى حكاية تراثية!

الإسلام بعد الهجرة تحول بالتكليف الإلهى من دعوة سرية إلى رسالة علنية، وبالتالى فإن العمل التنظيمى السرى هو ردة فكرية، ومن ثمّ فإن عودته إلى فكرة السرية إعادة إنتاج غير مبرر لفكرة «استضعاف الإسلام»!

هذه التنظيمات (الجماعات) منذ نشأتها وإلى الآن ترتبط ارتباطا عضويا بفكرة واحدة وهى ضرورة الحكم بالقوة، والقوة بالحكم.. وفرض نظام للحكم تحت لافتة عقائدية بامتياز.. لافتة انتشرت فى كل بلاد العالم الإسلامى من جاكرتا إلى طنجة ومنذ حادثة السقيفة وحتى ثورة 30 يونيه!

إن الهجوم على محتوى مسلسل «الحشاشين» هجوم فى حقيقته ضد مناهضة فكرة ظلت واقرة على مر التاريخ منذ وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، عززتها آلاف الكتب الصفراء والأحاديث المُزيفة والموضوعة وهى «أن الاسلام لديه نظام سياسى للحكم»، وظل هذا الأمر هدفا كبيرا، ووسيلة للقتل والتشويه وسفك الدماء، وطريقة حركية لصناعة التنظيمات والجماعات، التى يحكى المسلسل عن واحدة من أشرسها فى الاغتيالات، وأنكاها فى السرية وسفك الدماء!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة