السبت، 23 مارس 2024 - 01:55 م

يردد الكثير من الناس على ألسنتهم أن القرآن نزل فى مكة، وقُرئ فى مصر، وطُبع فى الشام.

لكننى أقول إن القرآن الكريم نزل وجُمع فى مكة، وكتب وطبع، وقرئ فى مصر. فالكثير لا يعلم أن مصر هى أول دولة عربية وإسلامية طبعت المصحف بطريقة الحروف المعدنية (جمع الحروف) فى المطبعة الأميرية (مطبعة بولاق)، وذلك فى ربيع الثانى عام 1342هـ/1923م، أى قبل مائة عام. 

كما قد يظن البعض أن أول محاول لطباعة المصحف الشريف كانت فى القرن التاسع عشر، لكن هل يعلم القارئ أن أولى طبعات المصحف الشريف جاءت على أيدى المسيحيين فى القرن السادس عشر وتحديدًا فى مدينة البندقية ويطلق عليه مصحف البندقية وهو أول مصحف مطبوع عُثر عليه حتى الآن، طبع فى مدينة البندقية عام 944هـ، حيث قام السيد باغنينى دى باغنينى وابنه ألسندرو، بطباعة المصحف فى مطبعته فى البندقية بأحرف عربية، لكن لم يلق هذا المصحف قبولاً لدى المسلمين، لكثرة أخطائه وعدم اتباعه الرسم العثمانى. 



استمرت المحاولات الأوروبية فى طباعة المصحف الشريف فى ألمانيا، وروسيا، حتى كان القرن التاسع عشر وتحديدا فى 1801، ويظهر على الساحة الإسلامية مصحف قازان. والذى أطلق عليه اسم «كلام شريف» يتكون من 721 صفحة، بالإضافة إلى سبع صفحات للدعاء، وفهرس أسماء السور.

اقرأ أيضاً | خزعل الماجدي: الأديان ستبقى زمنًا طويلاً لأنها تُشعِر الإنسان بالأمان| حوار

تتسم طبعة مصحف قازان بتناسق ووضوح الحروف مع مراعاة قواعد الرسم العثمانى فى رسم الكلمات. لكن مصحف قازان كان مطبوعًا باستخدام الطباعة الحجرية وليس الطباعة بالحروف المعدنية، والتى كانت آنذاك أحدث طرق الطباعة.

أما فى مصر فمن المرجح أن أول إشارة إلى المصحف الشريف فى مطبعة بولاق كانت فى شعبان 1247هـ/ يناير 1832، حيث نشر فى العدد رقم 338 من جريدة الوقائع المصرية الخبر التالى:

«محمود أغا ناظر القلمخانة قدم عرضًا لمجلس الجهادية مضمونه أنه سئل عن كمية ما يلزم لتلاميذ القلم المذكور من أجزاء القرآن الكريم ومن سائر اللوازم فأجاب بأنه يلزم لهم أربع ختمات وستون لوحًا. فقال أهل المجلس ينبغى أن يحرر علم من طرف حضرة بك أفندى ناظر الجهادية إلى عمر أفندى ناظر المهمات بأن يصرف الأشياء المذكورة للتلاميذ حيث كانت لازمة لهم».

يفهم من هذا الخبر أن عدد تلاميذ هذه المدرسة كان ستين تلميذًا بدليل أن ناظرها طلب من الجهادية ستين لوحًا، إذ لا بد لكل تلميذ من لوح خاص به. ومع ذلك فقد طلب أربعة مصاحف، مما يدل على أنها كانت مصاحف مخطوطة كانت توضع فى يد المعلمين دون التلاميذ. كما يفهم من سياق هذا الخبر أنه من المحتمل المصحف الشريف لم يطبع فى شكل كتاب واحد، وإنما طبع مجزأً إلى ثلاثين جزءًا.



يذكر يوسف سركيس فى كتابه «معجم المطبوعات العربية والمعربة، ص. 1449 عدة طبعات للمصحف الشريف فى مطبعة بولاق فى سنوات 1864 و1866 و1881 و1886. كذلك أشار إلى طبعات من المصحف الشريف فى مطبعة حسن أحمد الطوخى فى سنوات 1881 و1882 و1883 و1884، وفى مطبعة سيد على فى سنوات 1882 و1883. لذلك من الأهمية بمكان أن نشير بإيجاز إلى أهم مصاحف تلك الفترة، وهى على الترتيب:

مصحف المخللاتى 1308هـ/1890 
قامت المطبعة البهية بالقاهرة، لصاحبها «محمد أبو زيد» بطبع المصحف الشريف فى عام 1308هـ/1890 بعد مراجعه الشيخ المحقق «رضوان بن محمد» الشهير «بالمخللاتى»، وهو صاحب كتاب «إرشاد القراء والكاتبين إلى معرفة رسم الكتاب المبين»، وقد عُرف هذا المصحف بمصحف المخللاتى، وكان المقدم على غيره من المصاحف، لكن الطباعة كانت رديئة، حيث طبع على ورق فحمى. ويعتبر المخللاتى هو أول من أدخل مذهبَ أبى داود فى الرسم العثمانى، ولم يكن يُعرَف قبله، ثم سارت بعده سائر المصاحف على مذهبه ورسمه وضبطه. وكتب المصحف الخطاط عبد الخالق حقى، لكن وقعت بعض الأخطاء مثل بعض المخالفات للرسم العثمانى. ولا توجد نسخ متداولة من هذا المصحف الآن.

مصحف ابن الخوجة 1318هـ/1900
قامت المطبعة العامرة الشرفية فى عام 1318هـ/1900 بإعادة طباعة المصحف الشريف (طباعة حجرية)، بعدما أعيدت كتابة المصحف الشريف مرة ثانية على يد عبد الخالق حقى، وذلك بعد تصحيح الأخطاء، وعُرف باسم مصحف «ابن الخوجة» وطُبع مع المصحف الشريف المقدمة التى ألفها العلامة المخللاتى.



مصحف توفيق 1299هـ/1881 
ويتكون هذا المصحف من عشرة أجزاء، ويضم كل جزء ثلاثة أجزاء قرآنية، ولم يكتب بالرسم العثمانى، كما ورد تعريف مختصر بالمصحف الشريف فى نهايته، مكتوبًا فى ثلاثة أسطر «تم طبع هذا المصحف الشريف الغنـى عن إطراء المادح المكتفى بجلالته وعظيم شأنه عن تنميق المدائح والتشييد والترصيف، بالمطبعة العامرة ببولاق مصر القاهرة فى العام التاسع بعد التسعين والمائتين والألف من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وكل ناسج على منواله ما لاح بدر تمام وفاح مسك ختام.